إشراقات

التصدي للفتن ضرورة وطنية

11 يناير 2018
11 يناير 2018

المـواطـنة في الإسـلام (12) -

إعداد: نادر أبو الفتوح -

أكد الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة الأسبق جامعة الأزهر في حوارنا معه، أن المجتمعات تتقدم وتقوى من خلال التصدي لكل ما يؤدي للفرقة والانقسام، لأن الترابط بين أبناء الوطن الواحد، هو خط الحماية الأول، في مواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية، ولذلك فإن مواجهة الفتن التي يسعى إليها أعداء الوطن، هي قضية دينية ووطنية، ويجب أن ينتبه كل أبناء الوطن، لهذا الخطر؛ لأن الفتن والقلاقل إذا تمكنت من أي مجتمع، لن تفرق بين أحد، لأن الوطن هو ملك لكل من يعيش فيه، وأخطر هذه الفتن تلك التي ترتبط بالعلاقة بين أبناء المجتمع، من المسلمين وغير المسلمين، وأول ما يجب أن نحذر منه، هو عدم السير وراء هذه الفتن؛ لأن الوطن هو ملك لكل من يعيش فيه، والتصدي للفتن أمر محوري لتقدم الشعوب والأمم، ولابد من أخذ العبرة والعظة من الأمم التي سقطت عبر التاريخ، لأنها تفرقت بالفتن والدسائس والمؤامرات، وكل ذلك منهي عنه شرعا، والمواطنة الحقيقية تعني أن يواجه الإنسان الفتن، التي تهدد المجتمع.

ويضيف أن الإسلام جعل الفتنة أكبر وأشد من القتل، والحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) [الآية 191 سورة البقرة]، وهذا يوضح خطورة الفتنة على المجتمع، لأنها تدمر الشعوب والحضارات، وكثير من حالات الصراع والخلاف التي أطاحت بالأمم السابقة، كانت نتيجة للفتن التي أشعلت الحروب بين أبناء الوطن الواحد، ولذلك نرى أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، عندما بدأ في تأسيس الدولة في المدينة المنورة، أقام صلح بين الأوس والخزرج، وهما أكبر قبيلتين في المدينة في ذلك الوقت، وكانت الحرب بينهما شديدة ومستمرة، وكل ذلك كان نتيجة للفتن التي أشعلت الحرب بينهما، وهذا يدل على أن منهج الإسلام، يقوم على تحقيق الترابط والوحدة، بين أبناء المجتمع، ليعيش الجميع في جو من الصفاء والنقاء، ينعكس بالإيجاب على الجميع، وقد جسدت وثيقة المدينة المنورة ذلك، عندما أقرت لليهود من سكان المدنية حقوقهم كاملة، وألزمتهم بعدم التعاون مع أعداء المسلمين، وأن يعيشوا مع المسلمين في وطن واحد، دون فتن أو دسائس.

ويؤكد الدكتور أبو طالب، أن الإسلام حارب الفتنة وحذر منها، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف: (الفتنة نائمةٌ لعَن الله مَن أيقَظَها)، وهذا الحديث الشريف يؤكد على أن المسلم مطالب بأن يبتعد عن كل الأسباب التي تؤدي للفتنة، كذلك يدل هذا الحديث الشريف على منهج الإسلام في مواجهة هذا الخطر؛ لأنه جعل عقاب لكل من ينشر بذور الفتن والقلاقل في المجتمع، والمسلم الذي ينشد رحمة الله عز وجل، لن يسير في طريق الفتنة، لأنه علم جزاء من يفعل ذلك، لأنه إذا انتشرت الفتنة في مجتمع من المجتمعات، فلن تترك الأخضر واليابس، وسوف يهلك الجميع، ومن هنا كانت دعوة الإسلام لمواجهة الفتن، للحفاظ على الأوطان، لأن الأوطان هي التي تحتوي الجميع، وإذا سقطت نتيجة للفتن، فلن يستطيع أي مواطن أن يؤدي واجبه في هذه الحياة.

ويشير إلى أن كثير من الأزمات والمحن التي تحدث حاليا، هي نتيجة للوقيعة بين أبناء الوطن الواحد، وكثيرًا ما يتسلل أعداء الأوطان، لإشعال نار الخلاف بين المجتمع في الوطن الواحد، وقد تحدث جرائم قتل وغيرها في ظل هذه الأحداث، التي تكون بداية لاستنزاف المجتمع، والدخول في حالة من الفرقة والانقسام، بل قد تشتعل نار الخلاف في مناطق أخرى، نتيجة لهذا الحادث مثلا.

وطالب بضرورة التصدي لمثيري الفتنة في المجتمع، لأن هذه الأفعال التي تؤدي للوقيعة بين أبناء الوطن الواحد، تتعارض مع مبدأ المواطنة في الإسلام، لأن الإسلام هو دين السلام، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ).