إشراقات

الرفق والرحمــة والـرأفــة بالأطفــال

11 يناير 2018
11 يناير 2018

سلوك طفل مسلم (12) -

القاهرة : أماني أحمد -

الرحمة هي العطف والإحسان واللين مع الناس وخاصة المحتاجين الفقراء والمحرومين منهم، وكانت الرحمة من أبرز أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم يقول حامد أحمد الطاهر في كتابه «من وصايا الرسول للأطفال»: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» وقال صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» متفق عليه. الرفق والرحمة صفتان كريمتان نادى بهما الإسلام ورسولنا صلى الله عليه وسلم، والإنسان الرحيم هو رقيق القلب الذي يفعل الخير دائمًا.

ومن مظاهر الرحمة في المجتمع: رحمة الأطفال الصغار وعدم القسوة عليهم ورحمة اليتيم والعطف عليه، رحمة الكبار من الناس، رحمة الوالدين عند كبر سنهما. والدعاء لهما بالرحمة بعد الموت: (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) سورة الإسراء الآية 24. رحمة الحيوان وعدم تعذيبه وإيذائه.

وقد سمى الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) سورة التوبة الآية 128. فالرحمة خلق رفيع لا يتصف به إلا المؤمنون فقط. وقد قال الله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولا كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك) سورة آل عمران الآية 159. وكان صلى الله عليه وسلم لينًا -أي رحيما- أحبه الناس حتى قال الله عز وجل فيه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) سورة الأنبياء الآية 107. ومن أسماء الله تعالى وصفاته: (الرحمن الرحيم، والرفيق، والرؤوف) وكل الكائنات تعيش برحمة الله، وتحيا في ظلالها.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم قلبه رقيقا يفيض بالرحمة يعامل المسلمين بالرحمة وينبض قلبه بالحنان، يعامل الكل برحمته الكبير والصغير، والمؤمن والمشرك. فقد كان واسع الصدر، ضربه الكافر حتى سال الدم على وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو يبكي، فلما نزل عليه جبريل عليه السلام يقول له: «لو شئت لأهلكهم الله». فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».

وجاء أعرابي من البدو، والأعراب هؤلاء اشتهروا بالقسوة وغلظة القلوب، فإذا بالأعرابي يقول: يا محمد أعطني من المال، فهو مال الله، ليس من مالك ولا مال أبيك. ثم جذب النبي صلى الله عليه وسلم من ثيابه جذبة أثرت في عنقه الشريف، وقام الصحابة ليقتلوا هذا الأعرابي. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «اتركوه». فقال الأعرابي: إنك يا محمد تجزي السيئة بالحسنة. فرحمه النبي صلى الله عليه وسلم، وعفا عنه، وصدق من سماه بالمؤمنين رؤوف رحيم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الأطفال الصغار، ويقبلهم، وقد جاءه رجل فوجده يقبل طفلا فقال: إن لي عشرة من الأطفال لم أقبل منهم أحد قط. فقال صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الله، من لا يرحم الناس لا يرحمه الله». وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا».

يقول أحمد حسن عرابي في كتاب «قصص الأخلاق»: أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يرحم كل من يرحم الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: (ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء). ذات يوم أراد الصحابي أبو مسعود الأنصاري أن يضرب خادما له يريد أن يؤدبه، فلما هم بضرب الخادم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام. فاعتذر أبو مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا، وهو حر لوجه الله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أما لو لم تفعل لمستك النار».

المسلم رحيم في كل أموره، فيأخذ بيد كل من يحتاج، ويحسن إليه. رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ذات يوم شيخًا يطلب من الناس أن يتصدقوا عليه، وعلم أمير المؤمنين أنه غير مسلم، فرق له قلبه وشعر بالرحمة والشفقة نحوه، ثم أمر أمير المؤمنين أن يصرف له مبلغًا من المال يكفي حاجته كل شهر، حتى لا يسأل الناس.

وقد وصّى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يرفقوا بالحيوان، ويرحموه، فلا يجوع الحيوان، ولا يضرب، أو يظمأ ويعطش، ولا يحبس حتى يموت.

وفي أحد أسفار النبي صلى الله عليه وسلم نزل المسلمون واديا ليرتاحوا فيه، فجاء رجل من المسلمين ببيضة لطائر، وهذا الطائر هو«الحمرة»، فجاء الطائر يرفرف بجناحيه فوق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال صلى الله عليه وسلم: «أيكم أخذ بيضتها؟». فقال الرجل: أنا يا رسول الله أخذت بيضتها. فقال صلى الله عليه وسلم: «ارددها رحمة لها».

وحكى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل كان يمشى في الطريق، فاشتد به العطش، فوجد بئرًا، فنزل فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من شدة العطش. فنظر الرجل إليه ثم قال: إن هذا الكلب عطش مثلما عطشت واشتد عليه العطش. فنزل الرجل إلى البئر وملأ خفه ماء ثم أمسكه، وسقى الكلب، فغفر الله للرجل.

وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرحم الحيوان إذا ذبحناه وذلك بإراحة الذبيحة، وإبعادها عن السكين. وإحسان الذبحة يعني إسراعها. أن تكون السكين حادة فلا يشعر الحيوان بالألم. لا يذبح الحيوان أمام أمه، أو أي حيوان آخر. لا تعطش الحيوانات، ولا تحبس، أو تجوع حتى الموت.

وأخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم عن امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت من العطش والجوع، فلا هي تركتها لتشرب، أو أطعمتها، أو تركتها ولم تحبسها..

وهذه هي أخلاق الإسلام، فقد كانت الرحمة هي صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وصفة الصحابة جميعا من بعده، فلابد من التحلي بها.

ومن المؤكد أن غليظ القلب لا يدخل الجنة لأن الله تعالى لا يحبه، ويكرهه الناس وينفرون منه ولا يرحم الله عز وجل من لا يرحم الناس. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلظة والقسوة، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي». ذات يوم رأى رسول الله رجالا جالسين على ظهور دوابهم يتحدثون كأنهم اتخذوا الدواب كراسي يجلسون عليها، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم: «اركبوها سالمة ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة هي خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه».

وجزاء الرحمة والرفق واللين هي حب الله عز وجل ودخول الجنة، يرحمه الله عز وجل، ويقربه منه، يحب الناس ويقتربون منه، ويودونه. يكون متشبها برسول الله صلى الله عليه وصحابته.