المنوعات

ظهـيرة اللقـاء الأخـير

11 يناير 2018
11 يناير 2018

محمد بن سليمان الحضرمي -

ترجل فارس من فرسان البيان العماني، تاركا الساحة الأدبية والشعرية للأجيال الجديدة، ويرحل الشيخ الشاعر والأديب سليمان بن خلف الخروصي، ليلة أمس الأول الأربعاء، طاويا من العمر 85 عاما، حيث ولد في مدينة نخل عام 1932م، وبموته يترجل فارس من فرسان الشعر العماني، تاركا للساحة قصائد كثيرة في حب الوطن والإنسان، كتبها في مناسبات مختلفة، وجمعها في ديوان طبع بعنوان (قلائد الدهر)، ليزين به جيد الزمان الذي عاش فيه، ويكون له أثرا أدبيا وبصمة لا تمحى.

وخلال عملي الصحفي بجريدة عمان، تكررت لقاءاتي بالأديب سليمان بن خلف، سواء أكان في النادي الثقافي، ملقيا لقصيدة أو حاضرا لاستماع قصيدة، أو في «مجلس الاثنين الشعري» الذي أحياه الشاعر عبدالله الخليلي في السنوات الأخيرة من عمره ببيته في مدينة القرم، أو كانت الزيارة له في مكتبه، حيث عمل في مكتب معالي السيد محمد بن أحمد البوسعيدي مستشار جلالة السلطان للشؤون الدينية والتاريخية، وفي كل لقاء يجمعني به، يكون الشعر أعذب وسيط بيننا، الشعر يلهج به وينساب منه، منظوما في قصائده، أو متحدثا به عند أقرانه وأصدقائه وأبنائه.

وفي آخر لقاء جمعني به، وكان منزل الأديب الكاتب حمود بن سالم السيابي بمدينة الإعلام، هو المكان الذي تشرفت باللقاء معه، في اليوم الرابع من نوفمبر 2014م، بدا لي الشيخ سليمان متعبا، فقد شارف على عقد الثمانين، والكهولة امتصت صحته وأخذت الكثير من قوته، ومع ذلك كان يتحدث بلسان شاعر مبين، وكان الشعر هو الجوهر المنظوم، يتناثر من حديثه العذب، كما يتناثر الدر من سموطه وقلائده الفريدة.

اقتربت من الشاعر أكثر، وتصفحت معه كتابيه، فقد أهداني مشكورا نسخة من كتابه (ملامح من التاريخ العماني)، فتذكرت الأيام التي كان فيها يرسل إلى مقر الجريدة، حلقات هذا الكتاب، فتنشرها الجريدة، وتلقى حفاوة من القراء، إذ لا يزال البحث في علم الأنساب يثير أشواق الناس إلى محتدهم وجذورهم الذهبية، فظهر الشيخ سليمان في هذه الحلقات المنشورة نسَّابة يكتب تاريخا عمانيا، بروح شاعر وحس أديب وحصافة مؤرخ، مطعما سردياته في أنساب القبائل والتراجم عن بعض الشخصيات والأعلام البارزين في تلك العصور، بما يتيسر له من الأدبيات الشعرية، التي قيلت في تلك الدول والأسر الحاكمة والأئمة والسلاطين، وفي هذا الكتاب كما جاء في عنوانه، يرسم ملامح من التاريخ العماني، فيأتي جامعا بين الأدب والنسب.

في تلك الظهيرة الأخيرة، ظهيرة اللقاء الأخير التي جمعتني به، أحسست في داخلي بانقطاع التلاقي بيننا، فلقد أهداني كتابه (الملامح) ومعه أيضا نسخة من ديوانه (قلائد الدهر)، إهداء مودع يستودع القلب فيما كتب، فشممت وأنا أتصفحهما بين يديه عطر الأيام الماضية، وعمرا زاهيا عاشه الأديب في رياض الشعر الغناء، بين نخل شاذون وسمائل الفيحاء، وبين نزوى التاريخ ومسقط العامرة، وكل المدن والدول التي زارها في حياته، فالعصافير لا تعرف الاستقرار في غصن واحد، وإنما تتنقل من روضة إلى أخرى، ومن غصن إلى آخر.

وأسأل الله أن يكون انتقال الشيخ الأديب الشاعر سليمان بن خلف إلى دار الآخرة، موصولا برياض الجنة، كما تحلق العصافير بعيدا، بحثا عن غصن أخضر.