أفكار وآراء

ترامب والشرق الأوسط.. إلى أين ؟

10 يناير 2018
10 يناير 2018

عبد العزيز محمود -

يبدو أن إخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط خلال عام 2017، هي التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لانتهاج سياسة أكثر تشددا في مطلع عام 2018، تجاه إيران وباكستان، والتمسك ببقاء القوات الأمريكية في سوريا وأفغانستان، وتوسيع دائرة الحرب على الإرهاب لتشمل مناطق جديدة.

ومن الواضح أن التحديات التي واجهتها إدارة ترامب في العام المنصرم لم تكن عادية، فالانتصار على داعش في سوريا والعراق، ربما سهل من وجهة نظر البعض في واشنطن أن تملأ إيران الفراغ بشكل أو بآخر.

كما أن الدعم الأمريكي للأكراد الذين قاتلوا داعش في شمال سوريا، وجه ضربة قاصمة للعلاقات الأمريكية التركية، بينما تسبب إخفاق واشنطن في الإطاحة بالحكم السوري أو حتى حماية المعارضة السورية في تنامي النفوذ الروسي في المنطقة.

ومع تكليف جاريد كوشنر بإعداد وتنفيذ السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، انتقلت واشنطن وحلفائها من أزمة إلى أزمة، بسبب فشل كوشنر في بلورة استراتيجية مترابطة وذات أهداف متسقة، وبسبب صراعه مع الخارجية الأمريكية ، حيث ظلت ثماني سفارات أمريكية في المنطقة بدون سفراء.

والمتوقع أن تواجه الولايات المتحدة في عام 2018 مزيدا من الإخفاقات في ظل أزمات داخلية، لعل أخطرها التحقيقات الجارية حول اتصالات محتملة لأفراد في إدارة وحملة ترامب الانتخابية للرئاسة مع روسيا، فضلا عن تحديات خارجية أبرزها تهديدات كوريا الشمالية وتوتر العلاقات مع الصين وروسيا.

وبعد عام من توليه السلطة، كشف الرئيس ترامب عدم دراية كافية بقضايا المنطقة، وهو ما انعكس على قراراته التي جاءت بنتائج عكسية أحيانا ، بدءا بقراره المثير للجدل بحظر سفر مواطني سبعة بلدان إسلامية إلي الولايات المتحدة، مرورا باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعتزامه فرض عقوبات جديدة على إيران على خلفية احتجاجات داخلية.

بل إن عداء ترامب لإيران، يأتي انعكاسا لرؤية المحافظين الجدد، بتوجهاتهم اليمينية الأصولية المتشددة، ورغبتهم في شن حرب على إيران، وهي نفس الرؤية التي دفعته في إطار الحرب علي الإرهاب، إلى استهداف المنظمات الجهادية الشيعية إلى جانب المنظمات الأصولية الجهادية.

وهي حرب تتركز حاليا في اليمن وأفغانستان والصومال والعراق وسوريا، لكن يتوقع أن تمتد إلى بلدان أخرى، من بينها لبنان وغيرها في المنطقة ، بعد حصول البنتاجون على 600 مليون دولار إضافية لتسليح وحدات خاصة لمكافحة الإرهاب في تلك الدول.

وفي تطور لافت للنظر هدد ترامب بالتنصل من الاتفاق النووي مع إيران، ما لم تجمد طهران برنامجها الصاروخي، وتتوقف عن دعم الحوثيين في اليمن، والتدخل في شؤون الدول المجاورة، حسب قوله ، وهو ما رفضته طهران باعتباره تدخلا في سيادتها، وهددت بالتصعيد.

ومع دعم التعاون مع إسرائيل ضد الوجود الإيراني في سوريا، باستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية.

توالت وتزايدت الغارات الإسرائيلية، على أهداف مختلفة في أراضي سوريا، بالتزامن مع مناورات عسكرية إسرائيلية واسعة جرت قبل فترة ، استعدادا لحرب برية مع حزب الله في لبنان، وسط تقديرات بأن هذه الحرب، قد تعرض المدن الإسرائيلية لهجمات صاروخية من لبنان وغزة وبشكل ربما غير مسبوق .

التحالف الذي يدعو إليه ترامب، لهذا الغرض ، يتوقع أن يضم الولايات المتحدة وإسرائيل والدول التي تعتبر إيران تهديدا، وهو لا يستهدف النفوذ الإيراني في سوريا فقط، بل والنفوذ الروسي، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط ، وإحداث تغييرات جذرية داخل الدول التي لا تتفق مع توجهات الإدارة الأمريكية.

وفي هذا الإطار جاء اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، بهدف استخدام الجيش الإسرائيلي في أي مواجهة عسكرية محتملة مع إيران، مع طرح مشروع لتسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، يكون بمثابة مظلة سياسية لأي تعاون عربي محتمل مع إسرائيل في مواجهة إيران.

هذا المشروع يبدأ بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والسماح باستمرار الاستيطان في الضفة الغربية، لتشجيع إسرائيل على القبول بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، في حال تنازل الفلسطينيون عن القدس الشرقية وحق العودة.

لكن الاعتراف بالقدس ألحق إخفاقا جديدا بالسياسة الخارجية الأمريكية، عقب قرار بالإدانة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرار مماثل من مجلس الأمن أبطله استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو، بينما أعلنت السلطة الفلسطينية فقدان واشنطن لدورها كوسيط في عملية السلام.

ورغم تهديد واشنطن بقطع مساعدات مالية عن السلطة الفلسطينية، إلا أن الأخيرة لم تتراجع حتى الآن عن موقفها، بل هددت بالانسحاب من المفاوضات، بينما لم تبد الحكومة الإسرائيلية ترحيبا بحل الدولتين، والذي لا يمكنها قبوله لاعتبارات دينية وأيديولوجية، مما جعل محاولة إيجاد تسوية للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين مهمة اكثر صعوبة في الواقع .

لكن ترامب لم يستسلم، وكثف اتصالاته لإقناع الطرفين بالجلوس إلى مائدة المفاوضات، في ظل تصور يربط بين مشروع التسوية، وبين تشكيل تحالف إقليمي يسعى اليه بشكل او بآخر في المنطقة ، يستهدف أيضا تصحيح أخطاء أوباما في الشرق الأوسط، التي تسببت في انتشار الفوضى والعنف في ليبيا وسوريا واليمن والعراق وسوريا، وتغلغل تنظيم داعش، وتنامي النفوذ الروسي.

المشكلة أن روسيا أصبحت رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في المنطقة، من خلال تواجدها العسكري في سوريا، وتعاونها مع إيران وتركيا ودول أخرى، عبر صفقات السلاح والتعاون العسكري، ومشروعات الطاقة المتجددة والتعاون الاقتصادي والتقني.

بل إن التقارب الروسي مع تركيا يثير قلقا بالغا لدى الإدارة الأمريكية، خاصة بعد رعاية البلدين لعملية السلام في سوريا، وحصول أنقرة على صفقة صواريخ روسية من طراز( اس 400)، في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية التركية توترا مكتوما، بسبب دعم واشنطن للأكراد، ورفضها تسليم فتح الله غولن لأنقرة، التي تتهمه بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، وهي اتهامات نفاها جولن نفسه اكثر من مرة.

وهكذا لم يعد أمام واشنطن إلا مواصلة دعم علاقاتها مع دول الخليج العربية، وإعادة بناء علاقاتها معها، وتعزيز الشراكة مع العراق، وتطوير التعاون مع مصر والأردن، والتمسك ببقاء القوات الأمريكية في أفغانستان وسوريا، ثم جاء الهجوم الصاروخي علي قاعدة حميميم الروسية في سوريا مؤخرا، ليثير أزمة بين موسكو وواشنطن، على ضوء تقارير اتهمت واشنطن بالوقوف وراء هذا الهجوم.

ووسط هذه الأجواء العدائية، اتهم ترامب باكستان بدعم حركة طالبان، التي تسيطر علي نصف مساحة أفغانستان، مهددا بقطع مساعدات عنها قيمتها 255 مليون دولار، ما لم تبذل جهدا اكبر لدعم الحملة الأمريكية على الإرهاب، وتوقف أي تعاون نووي محتمل مع تركيا.

وهكذا تنتقل السياسة الأمريكية في المنطقة من أزمة إلى أزمة، بسبب افتعالها معارك مع حلفاء سابقين، وتصميمها على شن حروب بالوكالة، وتأجيج الصراع السني - الشيعي، ومحاولة تغيير أنظمة، مما يوسع دائرة الأعداء المحتملين للولايات المتحدة، وقد يدفعهم إلى توحيد صفوفهم لمواجهة ما يعتبرونه تهديدا وجوديا لهم ولمصالحهم بشكل او بآخر .

ويبدو أن الخطوات غير المحسوبة لإدارة الرئيس ترامب، سوف تؤدي إلى نتائج عكسية على المديين المتوسط والبعيد، ما لم يتم تعديلها قبل أن تتسبب في اتساع دائرة العنف والتطرف، ووأد عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وتوسيع دائرة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.

ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة.