randa2
randa2
أعمدة

عطر: لا تنازل بل وعي

10 يناير 2018
10 يناير 2018

رندة صادق -

[email protected] -

في وجهها ألف حكاية، وكثيرة هي الدموع التي جعلت كلماتها مجرد أصوات لا يمكن فهمها أو تحليلها، كل ما وصلني: أنها ترغب في الموت من أجل الخلاص، وتلعن حظها وتاريخ قلبها، تتأفف من واقعها وتقارن نفسها بكل امرأة خطرت على بالها معددة روعتها وجمالها ودماثة أخلاقها، كنت كلما نَطقتُ بحرف لتهدئتها تزيد في العويل، كل دوائرها التي تدور فيها لتخبرنا قصتها، دوائر غضب وفوضى، حاولت أن أمسك بخيط صغير أتبعه لأصل إلى بداية قصتها، لم أتمكن من ذلك فبدا لي هو المستحيل بعينه، ثم قررت الصمت ومنحها كل الوقت الكافي لتنفث غضبها وجنون انفعالاتها، فمن أهم قواعد الاشتباك مع المرأة أن تدعها تقول كل شيء دفعة واحدة، لأنه لا تنفع معها المقاطعة، فأي مقاطعة تعني العودة على بدء، اتكلت على الله في منحي قوة الإصغاء والصبر حتى يهدأ بركان الغضب الذي قرر الانفجار في وجهي، وبعد وقت يعد من أطول الأوقات التي انتصر فيها الصبر على الرغبة في الهروب، هدأت المرأة الصغيرة وقالت لي: هل فهمتي كم أنا مظلومة ومقهورة في حياتي معه؟

“نعم كل النساء مقهورات ومظلومات حين يقررن أن الحياة لم تنصف جمالهن ولم تعط ذكاءهن الفرص التي يستحقها” كنت أدرك أنه في هذه اللحظة لا يجب أن أقول لها إلا كلاما مؤيدا لموقفها، داعما لنظريتها القائمة على أن زوجها هو المسؤول عن “خراب مالطة” وعن كل مشكلة عرفتها في طفولتها ومراهقتها، وعلينا أن نصدر عليه حكم الإعدام شتما أمام أعينها وعلى مسمع أطفالها.

وحين أنهت وصلتها في الهجوم على الذكورة ونظام مؤسسة الزواج وعلى أهلها وحظها، ومن ثم التحدث عن ورطة الإنجاب وأنها عالقة بسجن أمومتها، وأنها تعيسة بكل ما في الكلمة من بؤس، قررت التدخل لأنه فاض بي وسألتها: هل تظنين أن المشكلة وحده من يتحمل مسؤوليتها؟ هل فكرتي يوما بمعنى الزواج؟ هل سألتي نفسك إن كان زوجك يشعر بالسعادة معك؟

وحين همت في تأكيد المؤكد لديها أسكتها، وجاوبتها على الأسئلة: بداية عزيزتي في علاقة ثنائية كل من الطرفين يتحمل مسؤولية أي مشكلة تقع، لذا أنت وزوجك تتقاسمان المسؤولية بغض النظر عن نوع المشكلة وحجمها وعمقها، فأول طرق الحل، ليس تبادل الاتهامات بل تبني منطق الحوار الهادئ وتفكيك المشكلة إلى أجزاء والبحث عن أسبابها السرية لا نتائجها، فغالبا تقوم الخلافات الزوجية على أسباب مضمرة لا يصرح بها الطرفان ويتعاملان مع نتائجها لا مع جوهر أسبابها، ثانيا الزواج ليس علاقة حب ستبقى متوهجة مع كل ضغوطات الحياة، الزواج أساسه المودة والرحمة لا العشق والهيام، وإن صمت زوجك في صياغة جمل الغزل في محراب سحرك، قد لا يعني هذا أنّه توقف عن حبك، بل يعني انك بتي عمره وعمق وجودك من عمق وجوده. ان وجود الأبناء يقوي الروابط التي تجمع لا التي تفرق، زوجك عزيزتي لا يمكن أن يشعر بالسعادة مع امرأة تحاكمه على كل تاريخ هفواته معها حين يقع أي خلاف عارض، زوجك غالبا مع أداء كأدائك، هو يعيش تعاسة بحجم تعاستك وربما أكثر.

أنا لا أمنح الرجل صك براءته، ولكن ألفت نظرك أن الغضب الذي يجعلك تثرثرين عن تفاصيل حياتك الخاصة، هو خطأ كبير، لذا تعاملي معه بوعي وحكمة، ستدركين أن المشكلة يبدأ حلها من قناعتك انك انت أيضا مسؤولة وشريكة فيها، اجلسي مع زوجك وحدكما، لتتحدثان عن الجمال في علاقتكما لا عن الغيوم السوداء التي تعبرها، حينها ستصغر وتتقزم خلافاتكما، القضية لا تتطلب تنازلا بل وعيا فقط لا أكثر حاولي.