1218760
1218760
المنوعات

الدكتـور صـابر عـرب في حـوار اللحظات الأخـيرة: لست ثوريا ولا أؤمن بالثورات.. والقيادات مهّدت لنظرية المؤامرة

09 يناير 2018
09 يناير 2018

كل ما يصنع في إطار العمل العربي المشترك هو عناوين للتسلية فقط !!

فكرة الدولة الوطنية بدأت مع اليعاربة والحديثة في 1970 -

التعليم بالمعنى الفني والإنساني خيارنا الوحيد لحياة أفضل -

حاوره: عاصم الشيدي -

كان الوقت صيفا عندما وصل الدكتور محمد صابر عرب إلى منطقة الخوض ليكون أكاديميا في جامعة السلطان قابوس التي لم تفتتح بعد في ذلك الوقت. كان الزمان صيف عام 1986، والمكان منطقة الخوض التي لم تكن كما هي اليوم، منطقة تكاد تكون خالية من المساكن، عدا مبنى الجامعة الوليدة المهيب وبعض البيوت التي تتناثر هنا أو هناك.

وصل الدكتور صابر عرب الذي كان في بداية حياته الأكاديمية وانخرط مباشرة مع فريق يعمل على وضع توصيف للمقررات الدراسية وبعض القوانين . مضت أربعة أشهر وجاء شهر سبتمبر وكانت عُمان على موعد مع افتتاح أول جامعة في السلطنة. لتكون فاتحة لمرحلة جديدة من عمر عمان الحديثة.

بقي صابر عرب في الجامعة حتى نهاية عام 1991، وكانت الجامعة قد خرجت أول دفعة من دفعاتها.

بعد أكثر من ربع قرن عاد الدكتور محمد صابر عرب إلى الجامعة مرة ثانية وكان أستاذا زائرا في قسم التاريخ. لكن كان صابر عرب هذه المرة علما معروفا بعد سلسلة من الكتب والدراسات التي نشرها وبعد أن شغل مناصب عليا في مصر، وبعد شغله لمنصب وزير الثقافة في أربع حكومات متتالية.

التقيت الدكتور محمد صابر عرب وهو يحزم حقائب سفره ويستعد للذهاب لقاعة المغادرين في مطار مسقط بعد فصل دراسي مرّ سريعا. دارت فناجين القهوة ودار الحديث متشعبا حول أحاديث كثيرة بعضها للذكريات وبعضها الآخر محاولة لاستقراء بعض من واقع ما يجري في العالم العربي وفي مصر اليوم.

كانت البداية محاولة لرسم صورة بانورامية للوصول الأول في عام 1986 وبين المغادرة في 2018 وما بينهما.

يقول صابر عرب: كان من حسن حظي أنني أتيت لعمان في بداية حياتي الأكاديمية، كنت في بداية الثلاثينات من عمري وكانت الجامعة موضع اهتمام كل القائمين على أمر عُمان، واهتمام المجتمع الذي كان ينظر لها باعتبارها المستقبل.

يصمت صابر عرب قليلا قبل أن يكمل بكثير من الحماس: الجميع كانوا ينظرون للجامعة باعتبارها نقطة تحوّل جديدة بعد أن كان قد مضى ما يقرب من 15 سنة على بداية عصر النهضة. بدأت الجامعة في ذلك الوقت مهتمة بالكيف على حساب الكم، لذلك كان عدد الطلاب في التخصصات قليلا، وبدأ التعاقد مع خيرة الأساتذة ليشكلوا طاقم هيئة التدريس، وبالنسبة للطلاب كانوا أوائل خريجي المدارس الثانوية ولم تكن معدلاتهم تقل عن 90% في الغالب.

يكمل صابر عرب: الآن وبعد مرور كل هذا الوقت وقد كبرت الجامعة وأصبحت مدينة كاملة أصارحك القول إنني وجدت بلدا جديدا ومختلفا، ومن حيث إنشاءات الجامعة رأيت تطورا كبيرا، الكلية التي كنت أذهب إليها اختلفت، هناك اتساع وهناك حراك تعليمي وحراك ثقافي وأعداد أكبر بكثير مما بدأت به الجماعة، وبدأ أن هناك مناخا جامعيا مختلفا، تشعر أنك في جامعة شبّت عن الطوق، أصبحت جامعة كبيرة، وانبهرت بنوعية التخصصات الجديدة التي دخلت للكليات، مثلا كلية الآداب أعجبت جدا بفكرة أن يكون فيها قسم للموسيقى، توقفت كثيرا عند هذا، ليس الموسيقى كفن راق فقط، ولكن الموسيقى كدلالة أن هذا المجتمع ينشد المعرفة والوعي والضمير وينشد الوجدان لمجتمع يتحرك شوقا نحو بناء دولة حديثة تكتمل كل مواصفاتها نحو الحداثة.

ويطرح الدكتور صابر عرب في حديثه رؤيته حول ما يحدث في الجامعة.. يقول : ما أراه الآن أن الجامعة وكأنها خطط لها لتبقى في مرحلة نمو لمدة 500 عام.

اليوم أيضا أرى أن قرابة 80% من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة من العمانيين ومن خريجي الجامعة أيضا بعد أن تم ابتعاثهم لأرقى الجامعات وهم يشغلون اليوم رؤساء أقسام وعمداء في الجامعة إضافة إلى كونهم أعضاء في هيئة التدريس، فيما لم يكن عددهم عند افتتاح الجامعة يتجاوز 1% فقط.

عندما سألت الدكتور صابر عرب عن شعوره وهو يرى العشرات من طلابه يشغلون مناصب عليا في الجامعة وفي مؤسسات الدولة، قال سريعا:لا تتصور شعوري، الكثير ممن درستهم أصبحوا رؤساء أقسام وعمداء وسفراء في الخارجية ومديري عموم يشتغلون في وظائف كبرى في كل مناحي التنمية في عمان.

«توقف الدكتور عن الحديث قليلا.. ثم تحدث بشيء من التأثر: أعطيك مشهدا إنسانيا حدث لي أمس «اليوم السابق للحوار» حيث كانت لي مداخلة صباحية مع إذاعة سلطنة عمان، وفيه ذكرت المذيعة أنني على وشك السفر، وبعد ساعة تقريبا من تلك المداخلة الإذاعية تفاجأت بمن يطرق باب بيتي بإصرار، وعندما فتحت الباب كان أمامي شخص ملامحه ليست غريبة عليّ لكن لا أعرف اسمه.. قال أنا أحد تلاميذك في الثمانينات، وكنت في طريقي للعمل عندما سمعتك تتحدث في الإذاعة وأنك على وشك السفر، وفورا حولت طريقي للجامعة للبحث عنك، وأنا اسمي راشد وقد أصبحت الآن دكتورا وأعمل في وزارة التعليم العالي.

يقول الدكتور صابر عرب: هذا مشهد قد يراه البعض أنه بسيط ، ولكن أنا أقف أمامه وقفة إجلال وإكبار، وفي الحقيقة ليس من السهل التعبير عن مشاعري اتجاهه، لكن الذي أريد قوله إنني لن أنسى هذا الموقف ما بقيت على قيد الحياة.

وأنا أعتزم في فترة قريبة أن أكتب تجربتي في الحياة: تجربتي في التعليم وفي القراءة والثقافة والمسؤوليات التي تقلدتها وأعتقد أن هذه المشاهد التي مرت علي في عُمان سيكون لها عنوان كبير جدا في هذه المذكرات.

كانت ملامح صابر عرب شديدة التأثر، خاصة أنه كان يتحدث وهو ينظر إلى حقائبه الجاهزة لمغادرة عُمان التي قضى فيها فترة مهمة من فترات حياته.

ولأن صابر عرب درّس التاريخ العماني وكتب عنه، فقد تحدث عن تجربته مع قراءة التاريخ العماني ومعرفته به . يقول: أنا من الجيل الذي التحقت بالجامعة المصرية في نهاية ستينات القرن الماضي، بالتحديد سنة 1969 وهناك درسنا كل تاريخ العرب، شرقا وغربا، وكانت الموضوعات حول عمان قليلة جدا جدا، وعندما أتيحت لي فرصة المجيء لُعمان بدأت أبحث عن مصادر ومراجع عن التاريخ العماني وتبين لي إن أول دراسة علمية أكاديمية كتبت عن عُمان كانت للدكتور جمال زكريا قاسم حينما اختار موضوع «دولة البوسعيد» لرسالته في الماجستير وقد سجل لها في جامعة عين شمس عام 1959، وكان أحد كبار المؤسسين لكتابة التاريخ العربي الحديث في العالم العربي، وهو الدكتور أحمد عزت عبدالكريم، عميدا في جامعة عين شمس ورئيسا للجامعة فيما بعد يوجه الطلاب لمثل هذه الدراسات شرقا وغربا دون الاكتفاء بدراسة تاريخ مصر فقط . بشكل عام عندما أتيت للسلطنة لم تكن هناك دراسات كثيرة عن التاريخ العماني عدا كتابات الأجانب التي كان يغلب عليها الجانب الانطباعي أكثر من الدراسة الأكاديمية، وبدأت في ترتيب ملفاتي وقراءاتي وبحثت عما كتبه العمانيون عن تاريخهم بدءا من القرن الثامن عشر وهي كتابات في غالبها اختلط فيها الفقه والعلوم الشرعية بالتاريخ، كما اعتمدت على الوثائق البريطانية حول تاريخ عمان ووجدت فيها مجالا خصبا.

وتشكلت بيني وبين عمان كمياء في سياقها الجغرافي والسياسي فكتبت في تاريخ عمان وفق ما أتيح لي من الوقت وعندي مشروعات أتمنى أن أجد وقتا لإكمالها.

• هل كان كتابك «الدين والدولة في الفكر الإباضي» تتويجا لهذا الاهتمام؟

هذا مشروع بدأت التفكير فيه عام 2007 لكن في هذه الفترة كنت مشغولا في الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ثم الهيئة العامة للكتاب وكنت في الوقت نفسه أدرس في الجامعة ولذلك أخذ مني هذا المشروع 6 سنوات تقريبا.

• ما الإضافة التي أضافها الكتاب للتاريخ العماني؟

أعتقد أنني أخذت التاريخ العماني برؤية أفقية. من الممكن أن تقول لي لماذا كنت تريد أن تكتب؟ كان هناك مشروع في التاريخ العماني منذ بداية قيام أول إمامة إباضية وكان هناك صراع بين السياسية والدولة، الدولة بالمعنى السياسي والدولة بالمعنى الديني، وكان هناك معركة وكان المقصود أن تكون هناك دولة بالمعنى السياسي والمعنى الديني، ولكن هذه التجربة، وخصوصا منذ عصر النباهنة، تعرضت لمشاكل كثيرة، ثم جاءت ملامح الدولة الوطنية لتتشكل، نسبيا مع عصر اليعاربة.

ونحن نقول إن التاريخ العربي الحديث بدأ وفق إحدى المدارس التاريخية بالقرن السادس عشر: ووجهة نظرهم تنطلق من أن التاريخ الأوروبي بدأ في تلك المرحلة. وهناك مدرسة أخرى ترى أن بداية التاريخ العربي الحديث يبدأ في القرن التاسع عشر مع الحملة الفرنسية حيث حدث الانفتاح على العالم الخارجي. لكن عمان «والحديث ما زال للدكتور صابر عرب» تخرج عن هذا السياق، وأتصور أن التاريخ الحديث فيها بدأ منذ بداية عصر اليعاربة، لأن معهم بدأت محاولة تكوين الدولة بالمعنى الوطني، وأنا عندما أقول الدولة الوطنية لا أغفل الدين أبدا، إنما المعنى الوطني يشمل الدين والسياسة ويشمل ما يعرفه الفقهاء بالمقاصد العامة للشريعة والمقاصد العامة للشريعة هي المقاصد العامة لمصالح الناس وهذه هي ذات المصالح العامة لمصالح الأوطان، فعمان في عصر دولة اليعاربة بدأت دولة لها شخصيتها السياسية، وبدا واضحا أنه ليس بالضرورة أن يكون الإمام فقيها وأكبرهم علما ولكن أكثرهم سياسة ولذلك فإن الفقهاء أنفسهم من اختار ناصر بن مرشد إماما ولم يكن معروفا بالعلم في مجال الفقه وإنما بالسياسة والقدرة على الإدارة وحوله من الفقهاء من يستطيعون تأدية دورهم، وكأن فكرة الفصل بدأت في تلك المرحلة، وهو فصل نسبي وليس بالمعنى القاطع وإنما بالمعنى الوظيفي المهني التخصصي.

ولذلك أرى أن تاريخ عمان الحديث يبدأ بعصر اليعاربة ثم تتبعت خط السياسة والدين في تاريخ الدولة.ويكمل الدكتور عرب حديثه بالقول إن الدولة بالمعنى المدني في عمان بدأت ملامحها في عام 1970 وفي هذه المرحلة يمكن أن نسجل عنوانا جديدا لمرحلة جديدة لدولة لأول مرة تتشكل كل ملامحها المركزية بالمعنى السياسي والاقتصادي وحتى بالمعنى الديني.

بما أنك قارئ للتاريخ العربي والتاريخ المصري بشكل خاص.. أسألك ماذا حصل لمصر لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم؟ هل هذا منسجم مع السياق التاريخ لمصر؟

«صمت وتنهد»: هذا عنوان من قبيل العنوان الكبير الذي يماثله لماذا تقدم الذين تقدموا وتأخر الذين تخلفوا.. حدث لمصر أشياء كبيرة جدا، حدث لمصر اختراق على المستوى الأيديولوجي والفكري واعتقد أن هذا الاختراق بدأ منذ منتصف سبعينات القرن الماضي حينما أتاح الرئيس السادات لبعض القوى التي تحمل شعارات دينية أن تمارس عملها وأن تخرج ويكون لها صحفها ويكون لها نشاطاتها في الجامعة وخارج الجامعة وتستعيد تنظيمها وطاقتها وتستعيد كوادرها وهي قوى منظمة أتيح لها أن تستلب التعليم بشكل أساسي، كان الخطأ الاستراتيجي من السادات الذي وافق لإعطاء القوى الدينية المجال لخلق توازن مع القوى اليسارية التي كان يموج بها المشهد في مصر: الناصريون واليسار الاشتراكي واليسار الشيوعي والماركسي وكانوا يحاولون تشكيل حائط صد ضد القوى الدينية لكن التيارات الدينية استطاعت خلال أقل من خمس سنوات استلاب الجامعات والمجتمع.

• لماذا استطاعوا ذلك وبقية التيارات كانت موجودة ومتاح لها العمل بنفس الطريقة وربما بشكل أكبر؟

لأن الجماعات اليسارية جماعات سلمية لا تغلّب العنف، والجماعات الدينية أكثر تنظيما من الجماعات اليسارية، والجماعات اليسارية مختلفة مع بعضها البعض وتعمل بشكل منفصل وليس بينها أي تنسيق عكس الجماعات الدينية التي كانت تعمل بملف واحد وبمشروع واحد.. فاستلبوا المشهد وأخذوا القيادة في جميع الجمعيات والاتحادات الطلابية وبذلك سيطروا على أنشطة الجامعة بل خرجوا إلى خارجها.

ثم جاء عصر مبارك الذي كان يعمل وفق سياسة التهدئة ولا يريد خلق أي صراع مع القوى الإسلامية أو القوى اليسارية، وارتضى التوازن الذي بدا أنه توازن منذ السبعينات، صحيح أن الدولة كانت تتجه للقبض على شخص ارتكب خطأ هنا أو هناك ولكن مجمل المشهد كان باق في سياق التهدئة.

وحينما حدث ما حدث «يقصد ما حدث في عام 2011» كان بمثابة الطامة الكبرى التي جاءت إلى أوطاننا، لكن الأمر لم يكن منزوعا من سياقه العام السياسي والأمني للمنطقة وأنا لا أؤمن بفكرة المؤامرة ولكن حينما أعيد قراءة التاريخ، ونحن لا نستوعب التاريخ إلا إذا مضى عليه فترة من الزمن، أقول إن هذه المنطقة وهذا العالم العربي كانت عليه مؤامرة كبيرة جدا بدأت بغزو العراق.. ضرب العراق الذي يجمع قوى تبدو في الداخل أنها متنافرة ولكن في النهاية كان هناك دولة مركزية لها سلطة سياسية ووطن موحد ينضوي فيه الجميع تحت القيادة الدولة وبسقوط تلك الدولة ظهرت كل العصبيات والعرقيات والمذهبيات.

يكمل الدكتور صابر عرب حديثه: ما حصل كان رحلة بدأت مع العراق وتواصلت مع كل أنحاء العالم العربي، كل المناطق الرخوة في العالم العربي هي التي تعرضت لهذه الهزات الكبيرة انظر ما حصل في ليبيا وما حصل في سوريا وما يحدث في اليمن وما يحدث في مصر أيضا، رغم ذلك فمركزية مصر، مركزية جيشها ومركزية جهاز الشرطة بها والجهات الحكومية التي تحكم مفاصل الدولة، رغم أنها تعرضت لمشاكل ولكن شفعت لها مركزيتها حيث تغيب عنها فكرة العرقيات والمناطقية والمذهبية ولذلك كانت متماسكة من هذا الجانب.

ولأن مصر مركزية في العالم العربي ولذلك كانت مستهدفة.

ويوضح الدكتور صابر عرب فكرة المؤامرة في الموضوع بالقول: بدأت الأمور تتضح أكثر الآن من خلال الكثير من الكتابات، فالقوى الغربية ترى أنها يئست من التعامل مع تيارات الإسلام السياسي بشكل مجزأ، فهناك القاعدة وهناك الإخوان المسلمين وهناك التيارات السلفية ولذلك كانوا يريدون التعامل مع قوى قادرة على لم الشمل ويكون لها التّسيد في العالم العربي والعالم الإسلامي، قوة مركزية يكون لها أذرع في العالم الإسلامي ومن خلال القوة المركزية يمكن كبح جماح بقية القوى وهذا ما يبدو واضحا اليوم «والحديث ما زال للدكتور صابر عرب».

• هل أفهم من كلامك أن ما حدث في مصر بالتحديد ودول عربية أخرى هو ضمن سياق نظرية المؤامرة؟

«صمت قليلا» ثم قال: انظر، سياق المؤامرة وحده لا يكفي، سياق المؤامرة كان بحاجة إلى أشياء أخرى وهي التي غذته. النظام العراقي هو الذي أتاح لهذه المؤامرة أن تتحقق، وقدم الكثير من المبررات للقوى الغربية الغازية، وهذا متحقق في أغلب دولنا، والذرائع كثيرة، التعليم كان يفترض أن يلقى اهتماما أكبر مما لاقاه، وكذلك المجتمع المدني، وكذلك برامج التنمية في عالمنا العربي، هناك الكثير من التجاوزات والكثير من الفشل في البرامج الاقتصادية دون أن يحاسب أحد على كل ذلك الفشل. ووفق رؤية المكسب والخسارة فإن ما تحقق لا يتناسب أبدا مع الأموال التي أنفقت في المباني وفي البروبجندا، بينما كان الإنفاق الحقيقي يجب أن يكون في بناء البشر بالمعنى الإنساني والمهني، والاجتماعي والعدالة الاجتماعية وإتاحة الفرصة للناس على قدم المساواة.

هناك مؤامرة، نعم هناك مؤامرة ولكن لم يكن لتتحقق لولا أننا أتحنا لها كل الظروف والسبل.

• بما أنك الآن عضو في لجنة مكافحة الإرهاب في بلدك.. أين ترى الحل؟

هذا المجلس لا يملك آليات مباشرة لتنفيذ أفكاره، ولكن له أذرع من خلال التعليم وعبر مجلس الوزراء، وخاصة وزارة التعليم والتعليم العالي، نحن نضع الرؤى والاستراتيجيات وعندما يقرها المجلس تكون بمثابة مشاريع ملزمة للوزارات.

أما كيف الخروج، فمن المدخل الذي آلت له الأمور إلى ما هي عليه اليوم، من خلال الاهتمام بالتعليم وأنا لا أعني التعليم الفني فقط بمعنى أن تعد مهندسا إعدادا جيدا ولكن التعليم بالمعنى الإنساني والمعنى الوجداني. ليس المشكلة أن تعد مهندسا بشكل فني وليس لديه دراية بالفنون والثقافات، الطبيب الذي لديه تذوق للفنون سيكون أكثر مهارة، وغير ذلك ستخرج شخصا جامدا غير مؤهل للتواؤم مع الحياة وغير قادر على إيجاد حلول غير نمطية.

وعندما سألت الدكتور صابر عرب إن كان رهانه فيما حدث في عام 2011 ما زال خاسرا كما قال ذات يوم رد:

مشكلة الذين يعملون في التاريخ أن ردود أفعالهم بطيئة، كنت متفائلا ومتعاطفا جدا مع «الثورة»، كنت أتصور أننا سوف نبدأ صفحة جديدة ونبدأ مرحلة جديدة ولكن اكتشفت أن هذا كان خطأ كبيرا جدا، اكتشفت بعد هذه الخبرة من العمر أن التغيير في أوطاننا هو التغيير الذي يأتي من الداخل، التغيير السلمي، أن تكون هناك قوة ضغط اجتماعية وسياسية تضغط وتقدم أفكارا من خلال صحافة حقيقية وجماعات وطنية تطالب وتتحدث والأنظمة تستجيب وهذا يقلل الفاتورة على عكس ما يحدث مع الثورات.

وعندما لا يكون لديك مجتمع مدني قوي ولا أحزاب سياسية قوية ولا شخصيات قادرة على صياغة المشهد وتقديم رؤية للمستقبل تكون النتيجة أن الحياة تتعطل والتعليم يخرج أناس غير مؤهلين وتتعقد الأمور.

أنا لست ثوريا ولست مؤمنا بالثورات أنا مؤمن بالتغيير بالطرق السلمية لأن فاتورتها أقل تكلفة.

• لو قيض لك أن تكتب عما حدث في العالم العربي ماذا كنت ستكتب؟

أنا فعلا أفكر في الكتابة عن تجربتي وخصوصا أن حياتي ممتدة لفترة طويلة، أنا كنت أمارس الثقافة قراءة وأمارس التاريخ تخصصا منذ نهاية ستينات القرن الماضي، وكنت قريبا جدا من الحراك الطلابي، كنت أحد القيادات الطلابية في بداية سبعينات القرن الماضي، وقمنا بمظاهرات ضد السادات وكنا غير مؤمنين وغير مقتنعين أنه سيحارب، وشهدت هذه الفترة عن قرب وأنا من الجيل الذي التقيت بالسادات مع اتحاد طلاب الجمهورية مرتين، التقيت به ودارات بيننا حوارات طويلة بعضها متعلق بالحركة الطلابية وبعضها بخوفنا من تأخر الحرب، ثم لم تنقطع صلتي بالعمل السياسي، والتقيت برؤساء ووزراء، وكنت وزيرا في أربع حكومات مصرية ولديّ الكثير مما يقال، ولدي الكثير من الأمور التي يمكن أن تقال عن كثير من خطوط التماس مع دول عربية، كنت وزيرا أحضر اجتماعات مع مؤسسات عربية ودولية في اليونيسكو والإيسسكو واشتركت في بعض الاجتماعات في جامعة الدول العربية واستطيع أن أضع لك المشهد في كلمات موجزة أن كل ما يصنع في إطار العمل العربي المشترك هو عبارة عن عناوين مكتوبة لكي يقرأها الناس ويتسلوا بها فقط!!