1217655
1217655
المنوعات

قارئ يسرد تجربته.. بشرى خلفان قارئة: لم أتوقف عن قراءة القصة القصيرة.. وأحب الروايات البوليسية

08 يناير 2018
08 يناير 2018

قراءتي للتاريخ وولعي به قاداني لكتابة «الباغ»

حاورها: عاصم الشيدي -

هذا حوار عن القراءة فقط، عن تحولاتها وطقوسها ومدى علاقتها الحميمة بالقارئ.. كيف يعيش معها وتعيش معه.. كيف يستيقظ ليلا ليبحث عن كتاب، أو يبحث بين صفحات كتاب عن عبارة أو بيت شعر ألحّ عليه في حلمه أو في أرقه. نعرف أول كتاب قرأه القارئ، أو الكتاب الذي يبيت معه في السرير أو الكتب المركونة على مرمى بصره وتنتظر أن يقرأها. عن الكتب التي يعود لها بين فينة وأخرى.

اليوم يقترب الحوار من القاصة والروائية بشرى خلفان نقترب من كتبها المصفوفة على المنضدة، ومن الكتب التي تقرأها خلسة لتكتشف اليوجا عن قرب، من كتب التاريخ والبحث في الموسوعات حتى تبني سردها في الباغ بشكل أكثر تماسا مع التاريخ، وذكريات كثيرة حول القراءة وتفاصيلها.

• ما الكتاب الذي تقرئينه الآن، أو فلنقل الموجود على المنضدة المجاورة لسريرك؟

منذ مدة بدأت بقراءة كتاب «البطل بألف وجه» لجوزيف كامبل، بدأ اهتمامي بالكتاب عندما أشارت إليه واحدة من صديقاتي المقربات والموثوقات في ذائقتهن القرائية بوصفه من الكتب المهمة التي تتناول المغامرة الأعظم للإنسان في بحثه عن ذاته وتمثلها من خلال الأسطورة المكونة.

وفي الحقيقة ومهما بدا العنوان واضحا ومباشرا إلا أن الكتاب ليس بتلك السهولة واليسر، إذ يأخذك عبر طرق متعددة ومعقدة للوصول للفكرة، ويستخدم ميثولوجيات من حول العالم ومقاطع من الكتب المقدسة وأقوال الفلاسفة والأحلام متبوعة بالتحليل النفسي، للوصول إلى فكرة مفادها أن البطل هو البطل في كل ثقافات العالم وأن طريقه محفوف دوما بالتحديات وأن عليه أن يواجهها وأن يخرج منها منتصرا، وأظن أن ما يريد كمبل قوله ليس فقط الحديث عن صورة البطل المجردة، بل إن كل واحد منا بطل على طريقته وأن التحديات التي نمر بها هي مثل أودية الموت المقدسة التي علينا اجتيازها للوصول إلى غاياتنا، وأن حاجتنا للحظات العزلة التي نذهب إليها للتأمل واستنباط رؤية جديدة للعالم من خلال دواخلنا، هي مثل حاجة النبي يونس للخلوة في بطن الحوت حيث اختلى وسبح الله واستسلم بكليته للنور أو مثل خلوات المتصوفة حيث يتوحدون مع الكون وذواتهم العميقة، هي كلها خطوات يحتاجها الإنسان ليتحقق البطل الذي في داخله من خلالها.

الكتاب الثاني الذي أقرأه هو كتاب «الهوية والسرد» للدكتور نادر كاظم، وهو عبارة عن مجموعة مقالات تتناول النقد الثقافي طارحا إياه ـ إن صح القول ـ كبديل عن النقد الأدبي والأكاديمي الذي يقول الكاتب إنه وعلى ما يبدو قد وصل إلى طريق مسدود، وأنه أي النقد قد فقد علاقته بالحياة أو بـ «دنيويته» وانشغل عنها بالنص وشكلانيته ولغته، ويحاول أن يجيب على هذا السؤال من خلال مقال بعنوان «هل وصل النقد إلى طريق مسدود؟»، هذا طبعا بالإضافة إلى عدة مقالات صنفها الكاتب في القسم الأول الذي عنونه بمدار النظرية، ومن ضمنها مقالات مثل «من التناص إلى التورط» و «التاريخ والسرد والاختلاق» و «متوسطات القراءة» ومقالات أخرى، ثم يأتي الجزء الثاني من الكتاب معنونا بمدار الممارسة، حيث ترد مقالات مثل «الرواية والهوية وتحبيك التاريخ»، ووصلت في قراءتي إلى هذه المقالة، لكن تتبعها في الفهرس عناوين مثل «إدوارد سعيد والاستشراق» و «ترحل النسق من مجال الدين إلى مجال السياسة» و«التأويل الثقافي وتفكيك ثقافة المطابقة» وغيرها من العناوين التي تثير الفضول والرغبة في الاستزادة، خاصة عندما يتناولها الدكتور نادر كاظم برؤيته العميقة وأسلوبه الممتع.

أما الكتاب الثالث فهو كتاب خفيف عن اليوجا التي أمارسها كطريقة علاجية.

• هل تغيرت توجهاتك القرائية مع مرور الزمن؟

طبيعي جدا أن تتغير توجهاتنا القرائية أما التنوع فهو أمر لا بد منه، إذ إن المعرفة الموسوعية برأيي مهمة للكاتب الذي يعمل على توسعة أفقه وتعميق رؤيته الإنسانية للحياة والوجود في الآن نفسه.

والكتابة عندي هي رؤية وصنعة، وأنا أعمل من خلال قراءتي على هذين الأمرين، إجادة صنعتي ككاتبة، قاصة كنت أو روائية، وأيضا على توسيع رؤيتي للوجود وتعميقها الإنساني والمعرفي، لذا فمواضيع الفكر والتاريخ والسياسة والأنثروبولوجيا وعلم النفس والسير وأدب الرحلات وغيرها من المواضيع المهمة عندي.

• هل تشكلت لديك تقاليد في موضوع القراءة، بمعنى هل لديك توقيت يومي تختلين فيه بنفسك للقراءة ولا تحبين أن يقتحمه أحد عليك؟

في السنوات الأخيرة وخاصة بعد تقاعدي من الوظيفة واستقلال أبنائي النسبي، صار وقت القراءة عندي أوسع بطبيعة الحال، فإن لم يكن لدي عمل أقضيه أو مشوار أنجزه أو كتابة تنتظر قضيت صباحي كله في القراءة. ولكن هذا لا يحدث دائما، فالصباح وقت إنجاز المعاملات ومتطلبات الحياة اليومية، وتكرس فترة العصر غالبا للقراءة البحثية الجادة، أما قراءة الليل فتكرس للخلوة مع السرد أو الشعر.

• من الكاتب المفضل لديك والذي تعودين لقراءته بين حين وآخر؟

أحب القراءة لفيرجينيا وولف، وهي عندي واحدة من أفضل الكتاب الإنجليز في القرن المنصرم، ليس فقط لكونها واحدة من رواد تيار الوعي الذي يأخذك في رحلة سبر لأفكار الإنسان ومشاعره العميقة بشفافية ووضوح، ولكن لرهافة لغتها وجمال بنائها السردي وتعقيد حياتها الشخصية، لذا أحب العودة لقراءة رواياتها خاصة «مسز دالاوي» و «المنارة»، كما أحب قراءة مقالاتها الموسعة، بالإضافة إلى قراءة كل ما يقع تحت يدي من كتب تناولت سيرة حياتها أو مراسلاتها.

• بعد أن كتبت أول رواية لك هل ما زلت تحتفين بقراءة القصة القصيرة أم أن الزمن هو زمن الرواية كتابة وقراءة؟

لم أتوقف أبدا عن قراءة القصة القصيرة، حتى أثناء كتابتي للرواية، بل والبحث فيها لأني بالإضافة إلى كوني كاتبة قصة أساسا وأعتز بنتاجي القصصي جدا، فأنا أقوم بتنفيذ ورش عمل في الكتابة الإبداعية وفي القصة القصيرة تحديدا، على المستويين المحلي والإقليمي، لذا فهي بالنسبة لي عملية مستمرة بغرض المتعة والبحث والمعرفة، ولقد كنت مولعة بقراءة الرواية وأنا أكتب القصة القصيرة وأنشرها، لذا لا أجد مبررا للتوقف عن قراءة القصة القصيرة الآن وأنا أكتب الرواية.

• هل هناك كتاب قد ندهش لو عرفنا أنك قرأته؟

لا أعرف مسببات الدهشة عند قارئ هذا الحوار، لأني أظنها مختلفة باختلاف المرجعيات الثقافية والذائقة القرائية وأيضا بحسب تصوراته المسبقة، ولكن ربما سيجد بعض الناس شيئا من الطرافة لو عرفوا أني أحب قراءة الروايات البوليسية الجيدة.

• أول كتاب قرأته وتعتقدين أنك ما زلت مسكونة به؟

العلاقة بين القارئ وكتبه علاقة شائكه ومعقدة، وحساسيته الشديدة والمتغيرة ونموه المعرفي، وافتراضا أن القراءة عند الكاتب هي رديف لفعل الكتابة ذاته، تجعل في الإجابة على سؤال كالذي تكرمت بطرحه أمرا فيه شيء كثير من عدم الدقة ويدعو لنقاش أكبر.

لكن للإجابة على سؤالك، وباستسلام كبير للنوستالجيا، سأقول، ربما كانت رواية «الأرض الطيبة» لبيرل باك التي قرأتها في المرحلة الإعدادية هي الرواية التي سكنتني لسنوات، وسأورد دليلا هشا على ذلك، فلقد عدت لقراءتها قبل سنتين على ما أظن، وللمرة الثانية استمتعت بها ولكن بطريقة مختلفة، رغم أني كنت أظن أني قد تجاوزتها في السنوات الماضية بقراءات كثيرة في الأدب الصيني.

• ما هو آخر كتاب قرأته وجعلك تجهشين بالبكاء؟

هي فقرة مباغتة في رواية نرسيس وغولدموند لهيرمان هسه، فقرة تقول «ولكن كيف يمكن أن تموت أنت يا نرسيس؟ أنت لا تعرف لك أما، كيف يمكننا أن نحب دون أم؟ إننا بغير أم لا نستطيع أن نموت».

نعم، عندما ترحل أمك يرحل جزء كبير منك معها، الجزء الأهم، يحدث ذلك في البداية بشكل غائم وكأنك تدخل في طريق محفوف بالضباب، ثم تحس به بشكل مباشر وصادم، فيكون القلب أول ما يرحل معها، وبعده الشعور بالاطمئنان للعالم، لذا عندما قرأت تلك الفقرة، بوغتّ وعرفت أني لن أتمكن من الحب ثانية وأني لن أعرف أبدا كيف أقبل مسرات العالم مرة أخرى، نعم في تلك اللحظة أجهشت بالبكاء.

• كتاب مازلت تتمنين أن تجدي الوقت لقراءته؟

منذ مدة بدأت بقراءة موسوعة السرد للدكتور عبدالله إبراهيم، وهو كتاب مهم خاصة وأنه في جزئه الأول يتناول نشوء السرد العربي تاريخيا مفندا مزاعم كثيرة حوله، ولكني توقفت عن قراءته لظروف كثيرة، الآن أتمنى أن تمنحني سنة ٢٠١٨ الفرصة لأكمل فيها ما بدأته من قراءة.

• روايتك «الباغ»، اعتمدت على التاريخ كثيرا، كم كتابا ومرجعا تاريخيا قرأتِ حتى تستطيعين إنجاز هذه الرواية؟

لا أتذكر الرقم تحديدا، لكن ربما كانت حوالي ٣٠ أكثر أو أقل، باللغتين العربية والإنجليزية، من بينها، سير حياة بعض المناضلين من الخليج الذين انخرطوا في ثورة ظفار أو مقالات كتبوها عن تجربتهم، وأيضا بعض المراجع السياسية حول تلك الحقبة التاريخية، بالإضافة إلى أدبيات الثورة وروايات عمانية وعربية كتبت حول مرحلة الثورات، وملفات في الأرشيف البريطاني وسير الرحالة في عمان والخليج العربي، كما استعنت بشبكة المعلومات للحصول على الكثير من المعلومات حول الأسلحة وشركات النقل البحري، وشاهدت الكثير من الأفلام الوثائقية أيضا.

• هل ساهم هذا في توجهك لقراءة التاريخ؟

هو العكس تماما، فلربما كانت قراءتي للتاريخ وولعي به هما سببان من أسباب كتابتي للباغ، فمادة التاريخ كانت دوما مادتي المفضلة في المدرسة، والرواية «التاريخية» من مفضلاتي في القراءة الروائية، وأهتم كثيرا بقراءة تاريخ عمان والخليج، إلا أن البحث الذي قمت به لأجل كتابة «الباغ» كان متخصصا في المادة ومحصورا بفترة تاريخية معينة.

• من خلال قراءتك للروايات هل هناك شخصية روائية تمنيت لو تصادفينها في الحقيقة وتعيشين في جوارها؟

بعض الشخصيات الروائية تترك أثرا بالغا على قارئها كما فعلت «نهيلة» في باب الشمس لإلياس خوري، أو آمنة في رواية «الطنطورية» لرضوى عاشور، وهناك شخصيات تتعاطف معها وأحيانا تتمنى إنقاذها مثل «آنا كرننينا» في رائعة تولستوي، وهناك شخصيات تريد أن تكون بمعيتها وهي تفكك الألغاز مثل شارلوك هولمز مثلا، وهناك شخصيات روائية تريد أن تجلس معها وتناقشها طويلا مثل بعض الشخصيات في الروايات الفلسفية، لكن هل أريد لأي شخصية روائية أن تكون صديقتي أو جارتي؟ لا أعرف، لا أظن، فحياتي الواقعية زاخرة بنماذج من الشخصيات المعقدة والعميقة، ولكل منها حكايتها الفارقة التي تصلح لأن تكون أعمالا روائية بدورها.

• هل تذكرين لنا خمسة كتب موجودة على الطاولة القريبة منك تنتظر دورها في القراءة؟

هناك أربعة كتب أتمنى البدء فيها حالما أنتهي من الكتب التي بين يدي:

١- المجتمع المدني، التاريخ النقدي للفكرة، لجون إهرنبرغ.

٢- سنة القراءة الخطرة، أندي ميلر.

٣ - عندما قابل طاغور آينشتاين.

٤- ما بعد الشيوخ. كريستوفر م. ديفيدسون.

ورواية واحدة حتى الآن وهي عساكر قوس قزح. أندريا هيرتا.