1216613
1216613
عمان اليوم

«سبوت كير» ابتكار عماني جديد بعالم الطب.. في طريقه ليرى النور

07 يناير 2018
07 يناير 2018

الدكتور يوسف الملا في ايرلندا على هامش حفل التكريم[/caption]

في محاولة للتقليل من الأخطاء الطبية الناتجة عن نقل معلومات المريض -

د. يوسف الملا: الابتكار يضمن نقل معلومات المريض بين الكادر الطبي بشكل دقيق وبمدة 3 إلى 5 دقائق

المستشفيات مازالت تستعمل التدوين الورقي والنقل الشفهي بين الأطباء في حالة مشاركة حال المريض

حوار: عامر بن عبدالله الأنصاري -

الأخطاء في نقل ومشاركة معلومات المريض، إحدى المشاكل الطبية في معظم المؤسسات الصحية العالمية، وتعقد لأجلها المؤتمرات المتعددة محاولة بذلك تقليص تلك الأخطاء إلى حد كبير، إن كانت لا تستطيع تلافيها مطلقا. وفي محاولة مميزة انطلقت من أرض السلطنة، وبلغ صداها عددا من دول العالم، تتمثل في ابتكار يحمل اسم «SPOT care» يمنح الثقة بين الأطباء فيما بينهم حول نقل بيانات المرضى بصورة دقيقة وعملية وشفافة وسريعة، هكذا جاءت الفكرة عند الدكتور العماني يوسف بن علي بن محمد الملا البلوشي أحد أبناء ومنتسبي وزارة الصحة، إذ تحولت تلك الفكرة إلى ابتكار مسجل عبارة عن نموذج إلكتروني طبي من خلاله يستطيع الكادر الطبي، وخاصة الأطباء والمناوبون ان ينقلوا تفاصيل حالة المريض أو يتشاركوا بالمعلومات الطبية والتاريخ المرضي للمريض بشكل واضح. وحول هذا الابتكار، كانت لنا وقفة مع الدكتور يوسف الملا، تحادثنا عن تفاصيل هذا الابتكار الحديث والفريد والبسيط في آن واحد، فكان هذا الحوار:

بداية الفكرة

حول بداية الفكرة قال الدكتور يوسف الملا: «الابتكار عبارة عن برنامج طبي حوسبي، أو نظام الكتروني اطلقت عليه “SPOT care” يصبح معيارا ملزما للأطباء يضمن نقل بيانات المريض من طبيب إلى آخر، إذ وجدت من خلال دراسات كثيفة على المستويين المحلي العالمي أن موضوع نقل المعلومات المتعلقة بالمرضى بين الأطباء من العوامل الرئيسية في تكامل العلاج في أية مؤسسة طبية، وهو ركن أساسي في موضوع الشخيص وموضوع العلاج إلى أن نصل إلى مرحلة شفاء المريض، كما استنتجت من خلال الدراسات التي قمت بها أن تلك المشكلة تعاني منها مؤسسات طبية على المستوى العالمي، فالمعلومات التي يتناقلها الأطباء شفهيا أو كتابيا في ورقة للملاحظات قد تكون ناقصة نتيجة غفلة الطبيب ونسيانه لبعض الجزئيات التي قد تكون مهمة، فجاءت الفكرة على أن يكون هناك برنامج يتضمن واجهة بسيطة عبارة عن نموذج طبي يلتزم الطبيب بتعبئته وحفظه، ليقوم الطبيب المناوب بعده بالاطلاع على تلك الاستمارة ومناقشتها مع زميله الطبيب بشكل سريع ودقيق يضمن مشاركة حقيقية للحالة الصحية».

وضرب الدكتور مثالا قائلا: «عندما يأتيك مريض تم إدخاله عن طريق قسم الطوارئ في أية مؤسسة صحية كانت، يأتي الطبيب الأول يأخذ معلومات المريض ثم ينقله إلى القسم المراد تنويم المريض فيه، ليتولى في اليوم التالي زمام استكمال الخطة العلاجية والتشخيص الطبي طبيب آخر، إما من نفس الفريق أو فريق طبي مختلف تماما، والحاصل عالميا أن معلومات هذا المريض يتم تناقلها إما شفهيا، أو كتابيا على الورق، وهنا تحدث مشكلات في بعض الأحيان، قد يغفل الطبيب الأول عن معلومة مهمة تتعلق بتاريخ المريض الطبي، وحول ما يعانيه من بعض الامراض التي لا تتناسب ونوعية بعض الادوية، وبالتالي قد يتعرض المريض لمضاعفات نتيجة التوصيف الخاطئ للأدوية، أو التوصيف غير الملائم وحالة المريض، وهذا بطبيعة الحال من أهم أسباب ولادة هذا الابتكار، الذي يرتكز على وجود آلية نستطيع من خلالها أن ننقل معلومات المريض بين الأطباء بشكل صحيح ومحدد وسريع بحيث لا تتجاوز مدة القراءة من 3 إلى 5 دقائق».

وحول تدوين الملاحظات الطبية، قال الدكتور يوسف: «بالرغم من وجود سجل طبي إلكتروني للمريض، ويحتوي على معلومات شاملة وكثيرة حول المريض، وتلك المعلومات كثيرة منها يندرج تحت التنويم السابق للمريض والتاريخ المرضي، وتاريخ العلاج وغيرها من المعلومات، تكون كثيفة وتحتاج إلى قراءة طويلة وهي مهمة اذا اخذنا بذلك ومع ذلك وكما أسلفت ثبتت الدراسات وجود أخطاء أو تقصير في نقل المعلومات الطبية للمريض عند مناقشة الحالة ومشاركتها مثلا بين الأطباء المناوبين في الوحدة الطبية، أما الابتكار كما ذكرت، فيعتمد على واجهة بسيطة عبارة عن استمارة الكترونية يتم تعبئتها –الزاميا في حالة اعتماد الابتكار- من قبل الطبيب ليضمن تسجيل معلومات صحيحة ومحددة وسريعة بحيث لا ينسى الطبيب أية جزئية مهمة تتعلق بالمريض، كما عملت على عدة استمارات حسب القسم الطبي والعلاجي، فقسم الجراحة تختلف محتويات استمارته عن قسم الأطفال، وهكذا بقية الأقسام».

الأجهزة اللوحية

وعن الوضع في حالة تطبيق النظام المبتكر قال الدكتور الملا: «الابتكار بشكله المبدئي وفي حال اعتماده سيكون جزءا من المنظومة الصحية الإلكترونية المطبقة في معظم مؤسساتنا الصحية بالسلطنة، وأريد أن اذكر هنا أن هذا النموذج الطبي بمحتوياته وأقسامه وفي حالة تطبيقه يمكن جعله كنظام مستقل بنفسه أو أنه يصبح جزءا من المنظومة الحالية ويستقي المعلومات بشكل أدق منها وهذا حقيقة ما نأمله غداة بدئنا تطبيقه، كما أن هنالك طموحا أن نجعل النموذج الطبي، يطبق على اجهزة الآي باد أو الهواتف المحمولة لضمان سرعة اكثر في الحصول على معلومات المريض ومشاركتها من خلال الكادر الطبي المتابع، وطبعا ضمن نطاق المؤسسة الصحية نفسها».

الأسباب

كما تحدث الدكتور يوسف عن دواعي ابتكار هذا البرنامج، إذ قال: «من أسباب هذا الابتكار كذلك الكثافة السكانية وازديادها وزيادة الضغط على المؤسسات الصحية كالمستشفيات الثنائية والثلاثية من قبل المرضى، والذي يترتب عليه وبشكل غير مباشر ضغط هائل على الكادر الطبي تصحبه عادة الأخطاء الطبيه، وهذا ورد ضمن دراسات عالمية تؤكد ذلك، وبالرغم من ذلك فان الكادر الطبي قائم بدوره ويعي ويقدر أفراد المجتمع ذلك، وبذلك جاء الابتكار هنا معاونا ومعينا للفريق الطبي، ويحفز الأطباء لاتباع معيار جديد معين وثابت يكفل نقل معلومات المريض، ولأن البرنامج المبتكر بمثابة معيار ملزم يتقيد به جميع الاطباء ويجنبهم السهو أو النسيان، وفي حالة لم يتم تعبئة خانة من خانات الاستمارة لأي سبب ما، فإن الطبيب التالي الذي سيشرف على المريض يفترض منه أن يبحث عن سبب وجود هذا الفراغ ويمكن أن يسأل المريض عما يعاني منه، فيظهر الفراغ بصورة مميزة على البرنامج لكي ينبه الطبيب الآخر».

ابتكار جديد

وتابع الدكتور قائلا: «على المستوى العالمي، يعتبر الابتكار جديدا على مختلف المستويات، فهو ابتكار خاص بين الأطباء، وسريع ودقيق وصحيح، كما أن واجهة البرنامج المبتكر لن تأخذ من وقت الطبيب، سواء في تعبئة الاستمارة أو في قراءتها، سوى 3 إلى 5 دقائق، ويمكن تطويره مستقبلا ليكون بين الممرضين، او اي كادر طبي يخدم ضمن المؤسسة الطبية، كما ان البرنامج المبتكر وضعته للاستخدام في المستشفيات الكبرى التي توجد بها مختلف التخصصات الطبية والفرعية الدقيقه وبها ضغط عالٍ من المرضى، وحركة مستمرة، وهناك ثلاثة انواع أو أنظمة من المستشفيات في السلطنة، منها الأولية وتندرج تحت مظلتها المراكز الصحية، والنوع الثاني والذي يحتضن معظم التخصصات العامة كمستشفى صحار على سبيل المثال، أما النوع الثالث من المستشفيات فهي التي تحتضن معظم التخصصات بالاضافة للتخصصات الفرعية والدقيقة كمستشفيات السلطاني وخولة على سبيل المثال، وبهذا الابتكار فإنني استهدف النوعين الثاني والثالث من المستشفيات، لما تعانيه من ضغوط عالية وتشمل كذلك غُرف التنويم، الأمر الذي يزيد من ضرورة نقل بيانات المريض من طبيب إلى آخر بشكل دقيق وسريع».

ثقة بين الأطباء والرضا

واسترسل الدكتور يوسف الملا: «اعتقد من خلال البرنامج، ستكون هناك ثقة أكبر بين الأطباء في موضوعنا المتعلق بتقليل الأخطاء في نقل معلومات المرضى وكذلك الاستمرارية في زرع الثقة بين المرضى، فإذا ما عرف الجميع أن هناك آلية جديدة تضمن المعومات الصحيحة فإن ذلك سيكون له ثمار يانعة على عدة مستويات، سواء التشخيص، وسرعة العلاج، واطمئنان المريض، وتدني مستوى الأخطاء، وتقليل التكلفة».

الأدوات

وحول الادوات المستخدمة قال الدكتور الملا: «الابتكار عبارة عن برنامج طبي الكتروني، في حال التطبيق يعتمد على المؤسسة الصحية، هل ستطبقه على اجهزة حاسوب، أو ستطبقه على أجهزة لوحية، او تطبقه حتى على أجهزة الهواتف الخاصة بالأطباء، الأمر ممكن تطبيقه بكل تلك الأجهزة، كل ما على الطبيب ادخال رقم المريض في البرنامج لتكون المعلومات والواجهة بين يديه».وتابع: «الاهم من كل ذلك نأمل أن نبدأ بالعمل بالنظام في السلطنة واعتماده وفي تلك الاثناء يمكن تطويره بشكل أسرع».

دعم إيرلندا

وحول سير مراحل الابتكار قال الملا: «قدمت الابتكار في حلقات عالمية، مثل بريطانيا وايرلندا، وهناك وجدت دعما كبيرا خاصة في إيرلندا، حيث تم تبني تطوير البرنامج وتطبيقه تجريبيا في إحدى المستشفيات الجامعية هناك، وتم تكريمي من قبل الجمعية الايرلندية للأطباء، وحاليا اقوم بمتابعتهم بشكل متواصل، وكلما سنحت الفرصة أسافر إلى هناك للوقوف على آخر النتائج التي وصل إليها الابتكار، وقبل فترة ليست بالبعيدة في الاسابيع الماضية وفي مشاركة لي في أحد المؤتمرات الطبية المحلية في السلطنة، سنحت لي الفرصة الحديث مع معالي وزير الصحة الدكتور أحمد بن محمد السعيدي الموقر عن الابتكار وما وصل اليه من تقدم في تطبيقه، وبارك هذا الابتكار وابدى استعداده لتوفير الدعم، واشكر سعادة الدكتور درويش المحاربي وكيل وزارة الصحة للشؤون الادارية والمالية ومبادرته وتشجيعه لي في فرصة تطبيق الابتكار في المؤسسات الصحية في المستقبل القريب وبشكل مبدئي لقياس مدى الفاعلية».

الملكية الفكرية

وحول حقوق الملكية الفكرة، أشار الدكتور يوسف الملا إلى أنه سجل الابتكار كبراءة اختراع، أو براءة فكرة، وذلك من قبل وزارة التجارة والصناعة، قائلا: «لا خوف على الابتكار من ناحية الملكية الفكرية، كلانا مستفيد –السلطنة وايرلندا- من الابتكار، بالنهاية سيبقى يحمل الهوية العمانية».

الترويج المادي

ومن ناحية الترويج الربحي قال: «أولا جاءت الفكرة كمبادرة مقدمة لوزارة الصحة خدمة للوطن ومؤسساته وفضلا للوطن الذي أعطى الكثير لابنائه وما زال، ولكن هذا لا يمنع أن يتم الاستفادة من الابتكار ماديا، وفي حالة أصبح الابتكار جاهزا للتطبيق فيمكنني الترويج له في المؤسسات الصحية الخاصة، والمؤسسات الصحية خارج السلطنة، خاصة وأن الابتكار يزيد من ثقة المرضى بالمؤسسة الطبية، فهي بالنسبة للمؤسسات الصحية الخاصة ورقة ربحية».

الاشتغال الحقيقي

قد يتصور البعض أن الابتكار عبارة عن برنامج الكتروني بسيط، إلا أن البرنامج أخذ من الجهد والوقت الكثير، إلى أن تم الوصول به إلى برنامج تجريبي في إيرلندا. وحول ذلك قال الدكتور يوسف: «عملت على الفكرة وأخذت قرابة العامين لأجل التطبيق الفعلي خاصة وارتباطي بعملي الدائم، وعملت على تأليف وصنع النماذج المبدئية، إلى أن وصل الابتكار إلى مرحلة التطبيق التجربيبي في إيرلندا».وتابع: «أي مشروع طبي يجب أن يكون متشبعا بالدراسة والبحوث، حتى إذا ما وصلنا لنقدمه للمعنيين تكون الرؤية والاهداف واضحة كل الوضوح، لذلك عملت على تلك الدراسة والاعداد الدقيق لفكرة المشروع قبل تقديمها أمام اي مسؤول أو اية جهة اخرى سواء مؤتمرات دولية أو حلقات طبية متخصصة، بداية من نشأة الفكرة وانتهاء إلى الشكل النهائي للابتكار، ومن خلال تبني إيرلندا للمشروع لتطبيقه وتجربة الابتكار، فإن تلك التجربة والتطوير تحت مظلة مؤسسة حكومية طبية إيرلندية وهي هيئة مشرعة لكل جديد في عالم الطب في تلك البلاد، وتلك المؤسسة المشرعة منفصلة عن وزارة الصحة، وقبل تبنيها لمشروعي كان لا بد عليَّ من تقديم تصور كامل ودقيق، من خلاله يتأكد للمسؤولين في تلك المؤسسة جدية الفكرة ومدى امكانية تطبيقها على ارض الواقع ومدى الاستمرارية ومسيرة التطوير».

ارتفاع نسبة الثقة

وتابع: «التطبيق التجريبي مفيد جدا في تطوير الابتكار وخروجه بالصورة النهائية، حيث يتم الأخذ بالملاحظات ونقاط الضعف، والاخطاء الواردة، ليتم معالجة كل تلك الامور بأعين الكثير من المشرفين عليه، وبالقياس المبدئي لمستوى الثقة بين الاطباء بعد التطبيق التجريبي وجدنا في ايرلندا بأن نسبة الثقة والرضا للنموذج الطبي ارتفعت». موضحا ان «من مراحل تطبيق الابتكار، تم اختبار النموذج في عدد من الوحدات والاقسام العلاجية، وفي كل وحدة 25 طبيبا، مقسمين إلى 5 مجموعات، لكل مجموعة مسؤول واحد، وذلك بهدف قياس مدى تقبل الاطباء لذلك الابتكار الجديد، والشيء المشجع حقيقة أننا توصلنا إلى نتيجة محفزة، حيث كانت نسبة ثقة والرضا الادائي للأطباء فيما بينهم 36 % - حسب استفتاء بين الأطباء- ولكن بعد تطبيق الابتكار ارتفعت نسبة الثقة إلى 65 %، كما أن الابتكار زاد من مستوى ثقة المرضى هناك، رغم أن المريض من المفترض أن لا يشعر بالفارق، على اعتبار أن الاخطاء الطبية نادرة، إلا انني اجد بأن مستوى الوعي في المرضى بإيرلندا مرتفع جدا، ويمكن أن يشكل الابتكار فارقا في مستوى ثقة المريض هناك». وفيما يتعلق بالمستشفى السلطاني قال: «حقيقة أوجه الشكر لقسم الجراحه العامة والقائمين عليه والكادر الطبي والذي من خلالهم قمت بالعمل على النواة الأساسية لهذا الابتكار او المشروع الطبي بالرغم من الفترة القصيرة التي طبقت فيه الابتكار».

واشار الى ان «البرنامج بسيط لأنه مقسم إلى أقسام محددة بعينها، وكل هذه المعلومات بعد الانتهاء من علاج المريض يتم تخزينها مباشرة في النظام الالكتروني لوزارة الصحة، وفي حالة تقصير الطبيب في تعبئة تلك البيانات يمكن محاسبة الطبيب بالتقصير، لأن البرنامج المبتكر يجب أن يكون – كما قلت- معيارا الزاميا».

ختام

واختتم الدكتور يوسف بن علي بن محمد الملا البلوشي حديثه قائلا: «بذلت على الابتكار الجهد الكبير سواء أكان ماديا أو ذهنيا، وما ترتب على ذلك من متابعة للمشروع الطبي، كون الابتكار يحمل اسمي وكوني أمثل الوطن، واشكر الجهات المعنية المشجعة للمشروع، وأخيرا هذا الابتكار يأتي ليجسد الاهتمام العميق بسلامة المريض لدى مؤسساتنا الصحية، وما يعكسه من الاستمرار الحقيقي لنيل ثقة المرضى والرقي بخدماتنا الصحية على الصعيدين المحلي والدولي».