أفكار وآراء

ثقافة الاندماج والنهوض بالمسرح العُماني

07 يناير 2018
07 يناير 2018

أ.د.حسني نصر -

[email protected] -

عندما يتعلق الأمر بالحديث عن المسرح ورسالته في المجتمع وشؤونه وشجونه وسبل النهوض به تتبادر إلى الأذهان أسئلة عديدة حول مكانة المسرح ودوره في المجتمعات الإنسانية المعاصرة في ظل سيطرة وسائل الإعلام الجديدة التي ملأت حياة الناس وشغلت أوقات فراغهم، ونقلت المسرح بكل ما فيه إلى غرف نومهم. ولعل هذا ما يدفع البعض إلى التساؤل أحيانا عن جدوى الحديث ودعم فن آخذ في الذبول، حسبما يعتقدون، ولا تهتم به الأجيال الجديدة من الشباب الذين عاصروا الثورة الرقمية ولم يسبق لغالبيتهم أن ذهبوا إلى مسرح أو شاهدوا مسرحية، وأصبحوا يستبدلون الهواتف الذكية بكل وسائل الإعلام والثقافة والتسلية التقليدية تقريبا.

مع هذا يبقي الحديث عن المسرح، باعتباره أبا الفنون الذي لا غنى لمجتمع عنه، مهمًا ليس للمسرحيين ودارسي المسرح والباحثين فيه فقط، ولكن أيضا لأجيال أكبر، أسهم المسرح بشكل مباشر في تشكيل ثقافتها ووعيها على مدار سنوات، وما زالت تجد فيه وسيلة حية للحصول على المعرفة والتسلية والمتعة الشخصية المباشرة، وتحرص، رغم تعقد الحياة وتعدد وسيطرة وسائل الإعلام الجديدة، على الاقتطاع من وقتها ومالها للذهاب إلى المسرح ومتابعة الأنشطة المسرحية.

الذي ذكّرني بالمسرح والحديث عنه هو ما شهدته الأيام الأخيرة، من تزايد واضح في الاهتمام الشعبي والرسمي بالمسرح العُماني، وهو الاهتمام الذي تمثل في تخصيص مجلس الدولة جلسة لمناقشة دراسة تعدها لجنة الثقافة والإعلام والسياحة عن المسرح، وما سبق ذلك من رواج مسرحي نتج عن مهرجان المسرح العماني السابع الذي نظمته الشهر الماضي وزارة التراث والثقافة بمدينة صحار.

ورغم أننا لم نعرف على وجه الدقة ما الذي تضمنه المقترح الذي ناقشه مجلس الدولة حول المسرح العماني ودوره في المجتمع، في اجتماعه الأربعاء الماضي برئاسة معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس المجلس، سوى أنه يهدف إلى الوقوف على واقع المسرح اليوم، والتعرف على المعوقات التي تحول دون النهوض به والتحديات والصعوبات التي تحد من حراكه وتطوره واقتراح الحلول والآليات الملائمة للنهوض به، فإن مجرد طرح هذا الموضوع على طاولة البحث بالمجلس خطوة في الاتجاه الصحيح تستحق الثناء والتقدير في هذا التوقيت المزدحم بالأحداث والقضايا الوطنية والإقليمية. وفي هذا السياق لا نعرف لماذا تأتي مثل هذه الأخبار الرسمية المهمة التي تتضمن مقترحات ودراسات أكثر أهمية خالية من التفاصيل في الصحف ووسائل الإعلام، وهل يقع اللوم في ذلك على عاتق المؤسسة الرسمية التي توزع هذه الأخبار على الصحف من خلال إدارة الإعلام والعلاقات العامة، أم على الصحف التي قد تكون حذفت هذه التفاصيل المهمة عند النشر؟

ما يهمنا في هذا المقال أن الاهتمام الأخير الذي أولاه مجلس الدولة للمسرح يعبر عن اهتمام مجتمعي حقيقي بالأنشطة المسرحية في السلطنة، خاصة وأنه تزامن تقريبًا مع نجاح مهرجان المسرح العماني السابع الذي نظمته وزارة التراث والثقافة واختتمت فعالياته في الخامس والعشرين من الشهر الماضي في مدينة صحار، والذي شهد حركة مسرحية مبشرة تضمنت عروضا ودورات تدريبية وحلقات عمل وندوات مسرحية جديدة وثرية.

لا جدال في أن المسرح ما زال يمثل أحد أهم الأدوات الثقافية ووسائل الاتصال الجمعي والجماهيري القادرة على طرح ومناقشة قضايا المجتمع في قوالب درامية تستطيع الوصول إلى عقول وقلوب الجماهير، وتشكيل المعرفة والوعي الوطني. وقد كان المسرح أول وسيلة اتصال جمعي تعرفه البشرية وظل محتفظا بمكانه ومكانته حتى بعد أن تعرض لمنافسة شديدة من وسائل الاتصال الجماهيري المرئية والمسموعة، السينما والراديو والتلفزيون، التي نقلت المشاهد التمثيلية بالصوت والصورة إلى الجماهير سواء في قاعات السينما التي فاق عددها عدد المسارح بشكل كبير أو في المنازل. ومع ذلك ظل المسرح في غالبية دول العالم أداة مهمة للتثقيف لا غنى عنها من جانب، ومصدرًا رئيسيًا للإبداع وتكوين المبدعين من كُتاب وممثلين ومخرجين ومهندسي الديكور والمنتجين، الذين سرعان ما ينتقلون للعمل في الأفلام السينمائية والدراما التلفزيونية والإذاعية من جانب آخر. ومن هنا ظل المسرح التقليدي رغم تراجع جمهوره المدرسة الفنية الحقيقية التي ترفد فنون الأداء الأخرى بالمبدعين. نعم تراجع المسرح قليلا ليفسح المجال لوسائل الإعلام الجماهيرية الجديدة، ولكنه استطاع خلال القرن الماضي أن يواجه المنافسة الشديدة ويواكب المتغيرات التكنولوجية ويتأقلم معها ويوظفها للوصول بالأعمال المسرحية إلى شرائح واسعة من الجماهير لم يكن بالإمكان الوصول لها عبر القاعات المسرحية المحدودة، وعلى سبيل المثال فإن نقل التلفزيون المسرحيات وتكرار عرضها حتى بعد انتهاء عرض المسرحية بسنوات طويلة حافظ على التراث المسرحي من جانب، وقرب المسرح وأبطاله إلى الناس بشكل لم يكن يحلم به أغلب المسرحيين من جانب آخر. الآن يشهد العالم موجة جديدة من تطور المسرح ينبغي أن تكون على رأس أولويات وزارة التراث والثقافة وجمعية المسرح والمهتمين بالشأن المسرحي وكذلك اللجنة المعنية بدراسة النهوض بالمسرح في السلطنة. تقوم الموجة الجديدة على فلسفة وثقافة الاندماج بين المسرح وبين وسائل الإعلام الجديدة التي قدمت فرصا جديدة سواء للمسرحيين أو جمهور المسرح بما يعزز بقاء المسرح كشكل من أشكال الفنون في عصر تكنولوجيا الاتصال الجديدة. لم يعد بالإمكان في هذا العصر الرقمي أن نقصر مفهومنا للمسرح على فكرة جمع الناس في وقت واحد وفي مكان واحد ليشاهدوا عملا دراميا ويشاركوا الممثلين وفريق العمل المسرحي التجربة الذاتية التي قد يمتد عرضها لساعتين أو أكثر، فقد نقل الاندماج بين المسرح ووسائل الإعلام الجديدة هذا النشاط الاجتماعي والثقافي من الواقع الحقيقي إلى الواقع الافتراضي عبر شبكة الإنترنت. وعلى هذا الأساس فإن تطوير التجربة المسرحية في عُمان يجب أن يواكب الاتجاهات الحديثة في هذا المجال التي لا تنظر إلى الإنترنت كمنصة لنشر وتوزيع الأعمال المسرحية على جمهور واسع فقط، ولكن كوسيلة يتم عليها الأداء المسرحي الإبداعي، وهو ما يستلزم ابتكار طرق جديدة لتقديم الأعمال المسرحية التي تتناسب مع الوسيلة الجديدة وطبيعة جمهورها وسماته التي تختلف عن سمات جمهور المسرح التقليدي، إلى جانب تطوير علاقة تفاعلية بين فناني المسرح وبين الجمهور تتناسب مع هذا السياق المسرحي الجديد.

إن علينا في هذه المرحلة أن نبدأ بمحاولات النهوض بالمسرح من حيث انتهى الآخرون، وان لا نعيد اختراع العجلة، فلم يعد النهوض بالمسرح يقتصر فقط على إنشاء القاعات وتكوين الفرق المسرحية وتعليم فنون المسرح في المدارس والجامعات، إذ يمكن أن يتم كل ذلك افتراضيا على شبكة الإنترنت ودون تكلفة باهظة إذا عرفنا كيف نستثمر الاندماج بين المسرح ووسائل الإعلام الجديدة.