abdallah-75x75
abdallah-75x75
أعمدة

هوامش.. ومتون: سماءٌ قلقةٌ.. وكأسٌ أحمر

06 يناير 2018
06 يناير 2018

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

لست من المواظبين على مشاهدة مباريات كرة القدم بالشكل الذي يعُرف به البعض، لكنّني أحرص على المباريات النهائيّة للمنتخبات الوطنيّة، ففيها جانب المتعة، والحماس، والدافعيّة أكبر، وفيها تتحوّل تلك المباريات من متابعة لكرة دائريّة تتقاذفها الأقدام في مستطيل أخضر، إلى حالة تدخل في نسيج الوجدان الجمعي، وتوقظ المشاعر التي تجمع الأفراد الذين يعيشون على أرض واحدة، لتغرّد بلحن واحد، ولغة واحدة، و«نبض واحد».

وهكذا وجدتُ نفسي حريصا على مشاهدة المباريات النهائيّة للأحمر، في بطولة خليجي 23 خصوصا بعد اجتياز كبوته مع منتخب دولة الإمارات في مباراته الأولى، وفي الوقت الذي توجّه به المشجّعون إلى الكويت لدعم «الأحمر» في نزاله الأخير لكسب الكأس، كان عليّ أن أتوجّه إلى الشارقة مدعوّا لمهرجان الشارقة للشعر العربي، ومن المفارقة أنّ توقيت المباراة الحاسمة التي لعبها مع منتخب الإمارات تزامن مع موعد سفري! لذا أحسست أنني سأكون معلّقا في السماء، فيما سأترك قلبي ينبض في الأرض، وأنا في طريقي للمطار تزاحمت الرسائل في هاتفي من أماكن عديدة تؤكّد مؤازرتها لـ«الأحمر»، وتدعو له بالفوز، ومن بينها تلك الرسالة التي وصلتني من بغداد بعثها صديق من أصدقاء الطفولة هو الشاعر جليل صبيح، وله الكثير من الأغاني الجميلة، وكان منذ طفولته أكثرنا اهتماما، ومتابعة، وهوسا بكرة القدم، لذا عمل في الأقسام الرياضية في الصحف، والفضائيّات، وآخرها «العراقية الرياضية»، وكانت رسالته تتجاوز ذلك إلى نص أغنية جميل كتبه يقول المقطع الأوّل:

«سمعونه شلّات وغنه

الكأس كأس السلطنة

يوعد وماتعذّر

سوّاهه فاز الأحمر

حيّوا نجوم السلطنة

سمعونه شلات وغنه»

فوجدتها تحمل بشارة خير، وبعد ذلك بعث مقطعا صوتيّا، وإذا بالكلمات تحوّلت إلى لحن جميل، طعّمه بايقاع خليجي بصوت الملحن ستّار الجابر:

«من كل ولاية وكل صوب

جاكم عماني موهوب

سوّاهه جاب أجمل هدف

أحمر وقاني وله شرف

لابس قميص السلطنة»

وحين أخذت مكاني في الطائرة سألتُ أحد المضيفين عن قناة في الشاشة التلفزيونية التي قبالتي تنقل المباراة التي كانت قد بدأت، فبحث كثيرا، ولكن دون جدوى، ولم يكن أمامي سوى أن أطلب من الأخ جليل صبيح، أن يكتب لي وقائع المباراة، فقام بهذا الدور، بحس العارف بتكتيك اللعب، والعارف ببواطن الأمور، وكان يشيد بأداء الهجوم رغم أنّ محاولاته لم تكن تسفر عن هدف يريح الأعصاب، ويتوّج مشوار المنتخب، حتّى بدأت الطائرة بتسخين عجلاتها، وإذعاني للتنبيه الصادر من قيادة الطائرة بإغلاق الهاتف عند الإقلاع، وشيئا فشيئا سبحث في سماء ملبّدة بالقلق، والاحتمالات، والترقّب، وكان أوّل شيء فعلته عند الهبوط هو فتح جوّالي لأجد الأخ جليل قد بعث لي عشرات الرسائل التي تقدّم وصفا دقيقا عن مجريات المباراة لكنها لم تسفر عن خبر يثلج الصدر!، لاحظت موظّفة العلاقات العامّة التي استقبلتني، وكانت من تونس الشقيقة، قلقي، فشرحت لها، وتفهّمت الحال، ولكن أمنيتها كانت تمضي بالاتجاه المعاكس بحكم إقامتها، فتبادلنا الضحكات، والتعليقات الطريفة، حتى وصلتُ الموظّف المسؤول عن الجوازات، وكان يتابع المباراة من إحدى الإذاعات عبر هاتفه، أخذ جوازي، ولم يلق سوى نظرة خاطفة على وجهي لمطابقة الصورة، ثم ختمه، وهنا وصلتني رسالة من صبيح تقول أنّ الحكم احتسب ضربة جزاء، فتوقفت، قالت موظّفة الاستقبال: ماذا جرى؟ شرحتُ لها، وجريت لاستلام الحقيبة التي وضعتها في جهاز التفتيش الإلكتروني، وعند ذلك سمعت صرخة من الشرطيّتين المسؤولتين عن ذلك، فظننت أنّه الهدف القاتل، وصرخنا نحن الثلاثة، وللمرّة الثانية تتعاكس الأماني، وحين انتبهتا لزيي الوطني، ساد صمت، ثمّ ضحكنا، لكنّ رسالة صبيح طمأنتني أنّ الكرّة صدّها حارس المرمى فايز الرشيدي، فحمدت الله، وسحبت حقيبة مبتعدا، وهنا ودّعتني التونسية متمنية حظا موفّقا: لي؟ أم للأحمر؟ سألتها، فأجابتني بابتسامة عريضة، حين صعدت السيارة التي كانت تنتظرني نفد الشحن في هاتفي، فوجدت نفسي سابحا في المجهول، استفسرت من السائق «ممتاز» الباكستاني عن المباراة التي دخلت شوطيها الإضافيين، فلم يكن يعلم شيئا، كانت السيارة تقطع الطريق الموصل من دبي إلى الشارقة تنطلق مسرعة، لخلو الشوارع من الزحام الذي اعتدتُ عليه، أحسستُ أنّ الكلّ كان يترقّب مثلي، وحين ظلّت الشوارع هادئة، سادت نفسي السكينة، وأدركت أنّ شيئا ما قد حدث هناك، في استاد جابر الدولي ، وأنّ البشارة الحمراء في الطريق، عندما وصلت الفندق، استقبلني شاب إماراتي مرحّبا، ثم شدّ على يدي قائلا: مبروك الكأس!