أعمدة

نوافـذ :الحياة فاتورة .. مدفوعة الثمن

06 يناير 2018
06 يناير 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

ليس هناك عطاء بلا مقابل في هذه الحياة، وليس هناك شيء مجاني يهديك إليه الآخرون، وليس هناك حق بلا واجب، وليس هناك حاضنة موضوعة «للقانع والمعتر» هذا هو قانون الحياة، ومن يقول إنني أعطيت فلانا فقيرا كان أو غير ذلك، أو أهديته بلا مقابل، أو أسديت له خدمة بلا مقابل، فهو يتلبس الكذب جهارا نهارا، لأن قانون الحياة قائم على مقابل، والقانون الفيزيائي المعروف: «لكل فعل رد فعل؛ مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه» لم يأت من فراغ، وإنما يؤصل حقيقة كونية شديدة الوضوح، وحقيقة الوجود، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه العزيز: (اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ).

ولذلك نسمع كثيرا من يتبجحون بالقول: أنا ساعدت فلانا دون مقابل، وأنا أسديت خدمة لفلان دون أن آخذ منه شيئا، ففلان هذا الذي أسديت له خدمة من الخدمات لم تقدم على عملك هذا هكذا بمحض إرادتك، وإنما هناك رابط (معنوي/‏‏‏ مادي) قائم بينكما، أو في طريقه إلى التأسيس، وهذا الرابط ليس محددا بمسمى معين، حيث يدخل فيها الروابط النسبية والقربى، بالإضافة أيضا إلى روابط الصداقة، وروابط المصالح العامة التي تنعقد بين مختلف الأطراف.

ولا تقتصر هذه الصورة على العلاقات القائمة بين الأطراف البشرية، وإن مثلت أغلبها، وإنما حتى على الإنسان نفسه، عندما يدفع بالمرض ثمنا للصحة، وعندما يدفع بالعمل والجهد ثمنا للرزق، وعندما يدفع بالوقت من عمره ثمنا لنمو علاقاته بالآخرين، وعندما يدفع بالعمر ثمنا لبقاء وطنه، وقس على ذلك أمثلة كثيرة في هذه الحياة، إذن ووفقا لهذا المشهد التبادلي يظل الثمن مقوما محددا لمختلف العلاقات القائمة بين الناس؛ لذلك لا يجب أن يتملكنا العجب عندما نرى الأسود الضارية التي يقابلها ألف إنسان في قوتها وضراوتها، وهي تسجد خاضعة منكسة رؤوسها نحو الأرض ويقف أمامها الإنسان بقامته الضئيلة الضعيفة متطاولا متسلطنا كأنه ملك المشرقين والمغربين وسط تصفيق الجمهور – الذي هو دفع الكثير؛ مقابل أن يعيش - هذا الانتصار الذي يمثله عنه هذا المروض في تلك اللحظة؛ لأنها قبضت ثمن خنوعها واستسلامها منه، عندما أروى غريزتها بكم كبير مما يسد غريزة الافتراس عندها، ولذلك عندما ينقص هذا الثمن المدفوع، وتتحرك الغريزة عندها لا تلبث أن تلتهم هذا الجبار أمامها في لحظة الزهو، وهناك مشاهد كثيرة حدثت أمام الجمهور الذي كان يصفق قبل قليل لهذا الانتصار، وكانت مأساة بكل ما تعنيه هذه الكلمة والإنسان مع الإنسان لا يقل ضراوة، في أخذ الثمن، عن ذلك، بل قد يأخذ أثمانا مضاعفة، ذلك بتكرار الممارسة.

في إحدى المرات كنت أمارس رياضة المشي بجانب الشاطئ، فحضر شاب غر بسيارته الفارهة، وأخذ يمارس هواية؛ ما يسمى محليا بـ«التفحيص» وأشعل البيئة المحيطة بالكثير من الإزعاج الصوتي، والتلوث البيئي، من حضر استمتع بالمشهد الـ«فنتازي» ولكنهم دفعوا ثمن استنشاقهم للدخان «أول أكسيد الكربون» والإزعاج الصوتي الذي صم الآذان، وهو حظي بالإشادة لجنونه، ولكنه سيدفع مقابل تصليح مركبته الكثير من المال، هذا إذا سلم من المخالفة المرورية المشددة على ذات السلوك.

في حياتنا اليومية هناك الكثير مما ندفعه كمقابل دون أن ندري، فأعمارنا، وصحتنا، وتعقلنا، وجنوننا، وتفكيرنا، ودموعنا، وحتى ضحكنا وبكاؤنا، وصراخنا، وهدوؤنا، وضغطنا، كلها – لو فكرنا فيها – هي أثمان ندفعها للآخر، بغض النظر عمن يكون هذا الآخر، فطوال يومنا، وعلى امتداد أعمارنا ندفع أثمانا باهظة، أحيانا يكون المقابل يستحق، وأحيانا لا يستحق، ولكن في كل أحوال الاستحقاق وغيره المهم هناك ثمن يدفع.