أفكار وآراء

مواجهة الإرهاب والتطرف في العام الجديد !!

05 يناير 2018
05 يناير 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

على عتبات هذا العام الجديد 2018 .. ما أهم ملف يواجهه العالم من حولنا ، ويتحتم على الجميع التصدي له ومحاولة التغلب على تبعاته مرة وإلى الأبد؟

الشاهد انه لا يزال ملف الإرهاب والغلو والتطرف هو الملف الأول الذي يقض مضاجع المسكونة وساكنيها، وهو في الوقت ذاته متشعب ومتعدد، بمعنى أن الإرهاب هو نتيجة حتمية للغلو والتطرف، مهما كانت أفكار هذا الغلو أو منطلقات ذلك التطرف، دينية أم سياسية، قومية أم عرقية، جماعات تنفخ النار في الماضي العنصري أم مجموعات تبتكر وسائل جهنمية جديدة لإلحاق الأذى بالإنسان.

والمؤكد أن الحديث عن الإرهاب في 2018 لا ينفصل بحال من الأحوال عن مجريات الأمور في 2017 وما سبقها فكيف ترك الإرهاب العالم الأيام الأخيرة من العام المنصرم؟

المؤكد ان الكثيرين تفاءلوا بهزيمة داعش، ذلك التنظيم الشيطاني الذي لا يمت للإسلام ولا للمسلمين بصلة، غير أن الهزيمة العسكرية في العراق وسوريا لا تعني ان المعركة انتهت، وأن الخطر زال دفعة واحدة، ولذلك سببان:

الأول: هو أن يتامى وفلول داعش لا يزالون يعدون بالآلاف وهؤلاء لم يتبخروا مرة واحدة، حتماً رحلوا ، أو الأصح أن هناك من رحلهم إلى جهات لوجستية بعينها ، من أجل إتمام بقية العمل المرسوم لهم، فداعش لم تنشأ من فراغ، ولن تمضي إلى الفراغ، ولعل الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» كان في مقدمة الذين حذروا من العائدين من معارك داعش، وهو يعلم تمام العلم أن قوى عالمية بعينها تقف وراء داعش، وجل همها استخدامهم كأداة لتحقيق استراتيجيات سياسية تقود للهيمنة المطلقة على مقدرات العالم الجغرافية.

الأمر الثاني يتصل بالأبعاد الحقيقية في المواجهة على الأرض مع داعش ومن لف لفها من تلك الجماعات الإرهابية فقد صارت مجموعات الإرهاب الحديثة على خلاف ما كانت قبل عقدين، أي في زمن القاعدة .... كيف ذلك؟

حينما نشأت القاعدة، كانت تراتبية التنظيم هرمية، بمعنى أن لها رأسا مفكرا ومدبرا ومجلس مستشارين ومريدين، ولها أجنحة وأطراف، والتعليمات تبدأ من القمة إلى أن تصل إلى القاع لترتطم بالأبراج كما جرى الحال في أحداث سبتمبر من عام 2001، لكن الوضع الآن تغير جملة وتفصيلاً، وأصبحنا في مواجهة استحقاقات الوجه الجديد للإرهاب والتعبير هنا لـ «الكسندر لاكروا» الكاتب والصحفي والروائى الفرنسي والذي يشغل منصب مدير تحرير موقع «مجلة الفلسفة» في باريس.

يسمى «لاكروا» نسق الإرهاب القديم بـ «الشركة» الصغيرة التي كانت تدار بمفهوم كلاسيكي، كتلك التي قامت بهجمات نيويورك وواشنطن عام 2001 ، لكن عنده ان هذا النظام يوشك أن يندثر بسبب النسق الجديد للإرهاب الداعشي، ويلفت نظرنا إلى تصريحات «أبي محمد العدناني» المتحدث باسم داعش لمريديه حول العالم والذي قال فيه: «إذا لم تتمكنوا من تفجير قنبلة او إطلاق رصاصة، يمكنكم ضرب رؤوس الكفار من الفرنسيين والأمريكيين بالحجارة أو طعنهم بخنجر أو دهسهم بسيارة». في هذا الإطار يمكن للمرء أن يتفهم تفتح القريحة الإرهابية يوما تلو الآخر على أدوات جديدة في العمل الإرهابي، فمن كان له أن يتصور استخدام الطائرات كقنابل أو صواريخ طائرة وموجهة على النحو الذي رأيناه، ولاحقاً استخدمت الشاحنات والسيارات، ولهذا تبقى المخيلة الشيطانية ماضية قدماً، فما الذي تغير ويجب أن يتنبه له الجميع في عام 2018؟

يبدو أنه تطبيق «أوبر الإرهابي» كما يسميه «لاكروا» و«أوبر» كما هو معروف نظام لوسائل النقل، لا يتطلب أن تكون صاحب شركة او شريكا متضامنا في شركة، إذ يكفي أن يكون لديك التطبيق على هاتفك لتتلقى طلبات التوصيل.... هذا بالضبط ما يحدث الآن مع الإرهابيين الجدد وبالوجه الأكثر خطورة وكارثية، فالإرهاب على طريقة «أوبر» لا تجمعه عناصر شبه كثيرة بالإرهاب على طريقة الشركات الصغيرة في التسعينات من القرن الماضي.

إنه يشبه أكثر موقعاً افتراضياً يمكن لأي كان أن يتصل به وفي يسر، ولهذا السبب يتوجب علينا أن ننتبه لسياق الرابط بين إنتاج الثروة المسيطر اليوم على العالم وإنتاج العنف، لان دينامية النمو السريع تطبع اليوم الرأسمالية وأشكال إنتاجها الحالية. هل يتوجب أن يكون 2018 عام لمقاومة الإرهاب العالمي؟

الجواب على الالسنة حتماً سيكون «نعم»، لكن الواقع يستدعي علامات استفهام حول علاقات بعض القوى الكبري بتلك الجماعات الارهابية، وهل هي تكافحها وتنافحها بالفعل كما تدعي في تصريحاتها العلنية أم أن الامر في باطنه على خلاف ما هو في ظاهره؟

الثابت ان المعارك التي رآها العالم خلال العامين الماضيين مع داعش في سوريا والعراق تثبت بما لا يدع مجالاً للشك ان هناك جهات دولية نافذة تمدها بالأسلحة والمعلومات وبقية الدعم اللوجيستي اللازم لهجماتها الإرهابية فيما كانت الأقمار الاصطناعية ترسل لها صور ملاذات ومسارب تمكنها من الخروج من قلب معركتها إلى ممرات سالمة، وهو ما أثبتته القوات الروسية في سوريا أكثر من مرة.

هنا يتعين علينا التساؤل ومن جديد «ألم يحن الوقت لمؤتمر عالمى ملزم تحت منصة الجمعية العمومية للأمم المتحدة لوضع النقاط على الحروف، وتبيان من معنا ومن علينا، وتشكيل أجهزة كونية مختصة لمطاردة حقيقية لا وهمية للارهاب، ولتجفيف منابعه، والقضاء عليه، عبر تعاون كل شعوب الخليقة بعدما باتت البشرية كلها مهددة في حالها، في صحوها ومنامها؟

أغلب الظن ان العالم الآن في حرب عالمية مع الإرهاب وطرح «أوبر» الإرهابي الذي أشار إليه المفكر الفرنسي سالف الذكر، يفيد بأن العالم كله قد صار فضاء مستباحاً، وخير دليل على ما نقول به، هو ما جرت به المقادير في الأسابيع القليلة الماضية داخل الولايات المتحدة نفسها، فقد أصدرت داعش تعليمات لخلاياها الفكرية التابعة بان تعمد إلى الأسواق الأمريكية لتشتري منها ما تشاء من أسلحة تستخدمها في عملياتها الإرهابية.

هنا كان الأمريكيون العقلاء يفكرون ويتساءلون كيف لو حصل هؤلاء الإرهابيون على أسلحة دمار شامل أولي او استطاع احدهم تركيب قنبلة قذرة؟ كيف سيكون المشهد الدولي وكم قدر الخسائر التي ستحيق بالأبرياء؟ أسئلة مزعجة كثيرة يتوجب على المفكرين طرحها مع بدايات العام. على أن الوجه الآخر للإرهاب الذي نراه يتجلى ببشاعة في الأعوام الأخيرة هو ذاك الذي يعزف لحناً مشوهاً بل وممسوخاً على أوتار الصراعات العقائدية، وكأني به إرهاب يحاول إحياء زمن الحروب الدينية مرة أخرى، وما جرى ويجري في أوروبا وروسيا ومصر مؤخراً يؤكد ذلك، لقد تم استهداف أكثر من مكان عبادة في أوروبا، وقتل أكثر من رجل دين، وقد كان لهذا رد فعل سلبي عكسي ولا شك، ساهم في نمو ظاهرة الاسلاموفوبيا وبطريقة مثيرة بين ردات الفعل والفعل، ما جعل من أزمة الإرهاب أزمة مواجهة دينية، وهذا ما يريده الإرهاب أن يتحول العالم إلى لهيب مشتعل، من نيران الكراهية والعنصرية.

وما نقوله عن أوروبا رأيناه في روسيا الأيام الماضية، فروسيا الأرثوذوكسية القيصرية كادت إحدى أهم كاتدرائياتها في سان بطرسبرج أن تدمر من جراء جماعة إرهابية داعشية لولا تبادل معلوماتي استخباراتي على أعلى مستوى بين واشنطن وموسكو، ومع ذلك استطاع بعضهم لاحقاً زرع عبوة ناسفة أسفرت عن إصابة العشرات. اما في مصر فالمشهد لا يزال موجعا للقلب، إذ يراد أن تتحول أرض الكنانة التي عرفت الأديان والإنسان منذ فجر الزمان إلى ساحة للحروب الطائفية، والدواعش لا يستنكفون عن إطلاق الرصاص على الأقباط في كنائسهم لا لشيء إلا لإشعال فتيل الفتنة الطائفية، وكأن المراد من هذا الإرهاب أن يكون أداة غير مباشرة في هدم الوطن من الداخل، ولا يغيب عن أعين الناظر للمشهد المصري، أن النسيج الاجتماعي المصري من القوة والمنعة لدرجة التصدي والتحدي لمثل تلك المؤامرات.

ولعل 2018 يحمل لنا تصنيفاً جديداً من الغلو والتطرف وثيق الصلة بالإرهاب، انه تيار القوميات والأصوليات، الشوفينيات والعنصريات التي تتنامى بسرعة وقوة، رافضة الآخر بشكل حاد .

لقد كان من جراء العمليات الإرهابية التي رأيناها في أوروبا الأعوام القليلة الماضية صعود التيارات اليمينية السياسية ففي البرلمان الألماني «البوندستاج» هناك الآن نحو 92 نائبا من حزب «البديل من أجل المانيا» ، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، عطفاً على ذلك فقد فاز التيار اليميني في النمسا، وحقق نتيجة لم يحققها منذ زمن النازي، ووراء الباب توجد حركات يمينية أخرى في هولندا وفرنسا وإيطاليا، ما يعني أن الإرهاب بات يواجه اليوم بالمزيد من العنصرية. هل أمريكا تشذ عن القاعدة؟

الذين قدر لهم قراءة كتاب الكاتب الأمريكي «دافيد نايورت» الأخير والمعنون «أمريكا البديل: صعود اليمين الراديكالي في عصر ترامب» يدرك كيف أن اختيار الرئيس ترامب ليس أمراً عشوائياً، وانه لم يفز بسبب الركود الاقتصادي في شمال الوسط الغربي للولايات المتحدة، بل لأن حركة عنصرية يمينية متطرفة كانت تنمو منذ أوائل التسعينات، أتاحت فوز ترامب وشرعنها فوزه في آن واحد.

ولعل الذين تابعوا مشاهد الأعمال العنصرية في أمريكا الأعوام القليلة الماضية، يدركون ان هناك تناميا غير مسبوق لنزاعات العنف لدى النازيين الجدد، ما يعني أن العالم اليوم بات قريبا جداً من أن يختطف على ايدي الإرهابيين واليمينيين ، وما بين هؤلاء و أولئك يضيع أمن وسلام العالم... ما الذي يتبقى قوله قبل الانصراف؟

المؤكد انه إذا كان عام 2018 هو العام الذي يتوجب فيه مكافحة الإرهاب بشكل عالمي، فإنه لا بد من بلورة خريطة فكرية أول الأمر وآخره للمواجهة، فقد أثبتت التجربة منذ 11 سبتمبر 2001 وحتى الساعة ان مقاومة الإرهاب عبر القوة المسلحة فحسب ، إنما يعني محاولة طرد الذباب وهشه بعيداً لكن بمطرقة من فولاذ، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يستقيم بحال من الأحوال، وعليه تضحى المراجعات الفكرية وتقديم طروحات خلاقة جديدة لانتشال الأجيال الشابة من براثن الإرهاب أمر واجب الوجود، فالوقت يداهم الجميع والخوف من أن يسبق الإرهاب الآخرين.