صحافة

الاستقلال: قراءة في تصويت الليكود على ضم الضفة الغربية

05 يناير 2018
05 يناير 2018

في زاوية أقلام وآراء كتب جميل عبد النبي مقالا بعنوان: قراءة في تصويت الليكود على ضم الضفة الغربية، جاء فيه:

حتى اللحظة لا يعترف العالم بسيطرة «إسرائيل» على أي جزء من الأراضي التي احتلت عام 1967م، باستثناء الاعتراف الأمريكي الأخير بالقدس كعاصمة لإسرائيل، كما أن قطار المفاوضات الذي انطلق رسميا في مدريد أواخر عام 1991م كان على أرضية القرارات الدولية المتعلقة بأراضي الـ67، حتى وإن اختلفت تفسيرات تلك القرارات منذ اللحظة الأولى لانطلاق المفاوضات رسميا، خاصة قرار 242 ذي القراءتين البريطانية والفرنسية، المختلفتين في التعريف، الموجودة في النص الفرنسي، وغير موجودة في النص البريطاني، حيث تتمسك إسرائيل بالقراءة البريطانية، وتعتبر بناء عليه أن القرارات الدولية لا تلزمها بالانسحاب من كل الأراضي المحتلة عام 1967م، وإنما من أراض احتلت عام 67، أي جزء من تلك الأراضي، وهي نسبة غير محددة، يمكن للطرف القوي أن يفرض وقائعه على الأرض، بما يناسب رؤيته لهذه القرارات. العالم أيضا لم يكن واضحا ولا حاسما فيما يتعلق بهذه المسألة رغم وجود القرارات الدولية، حيث كان الخطاب الرسمي دائما يعلن قبوله بما سيتوصل إليه الطرفان، دون أن يمارس ضغوطا حقيقية لفرض وجهة معينة، سوى على الطرف الأضعف الذي لا يملك الكثير من أوراق القوة على الأرض، والمتمثل في الفلسطينيين.

لكن، ومع ضعف الموقف الدولي فيما يتعلق بإلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي لا يزال العالم يصفها بالمحتلة، فإن الموقف الفلسطيني- حتى اللحظة على الأقل- لم يبد أي استعداد للتنازل عن سقف الـ 67 الذي هو أقل بكثير من الحقوق الفلسطينية، المتمثلة في كل فلسطين التاريخية، التي هي أرض آبائهم وأجدادهم.

لا الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولا الحالي محمود عباس، ولا أي فلسطيني آخر يمكن أن يخلفهما، يمكنه أن يقبل بدولة على أقل من نصف الضفة الغربية، وبدون القدس وبدون عودة اللاجئين، حتى وإن كانت أفكاره السياسية تقبل بما هو أقل من ذلك، لكن في الحقيقة لن يستطيع رسميا أي زعيم فلسطيني أن يقبل بذلك.

عمليا تمارس إسرائيل على الأرض ما من شأنه أن يسقط تماما خيار الـ67، وللمرة الأولى تجد دعما رسميا من أمريكا، سواء في القضية الأكثر حساسية المتعلقة بالقدس، أو بالصمت الأمريكي على قرارات الضم الأخيرة.

يمكننا أن نعلن الآن رسميا أن خيار الـ67 قد أسقطته إسرائيل، وأنه لم يعد ممكناً التحقيق عبر المفاوضات بمواصفاتها الحالية على الأقل، رغم ما أبداه الرئيس عباس من ليونة تفاوضية، وإصرار على ألا يذهب في اتجاه العنف، لكن إسرائيل لم تتجاوب مع توجهات الرئيس عباس، ويبدو أنها الآن تسعى لأن تعيد معه ما فعلته مع الرئيس الراحل ياسر عرفات.

السؤال الآن: ماذا تريد إسرائيل؟ طالما أنها رسميا قتلت حل الدولتين بحده الأدنى الذي يمكن لأي فلسطيني أن يقبله.

قد نكون للمرة الأولى مضطرين لأن نفكر في الخيارات الإسرائيلية، قبل أن نتفق على الخيارات الفلسطينية..! وذلك أن إسرائيل هي الطرف الأقوى على الأرض، والمدعومة من القوة الأعظم في العالم، لا ينطلق هذا التفكير من قاعدة التسليم بما تخطط له إسرائيل، وإنما من قاعدة معرفة سبل مواجهة المخططات الإسرائيلية، بالطرق الفاعلة التي تمنع إسرائيل من تحقيق مخططاتها.

يحتاج هذا التفكير إلى شيء من الهدوء الذي أحب دائما أن أذكر به، حيث غياب الهدوء يساهم في إدخال الديمغاوجيا لمربعات لا يمكن أن نحقق فيها أي منجزات حقيقية، إن لم نستبعد كل المؤثرات المشوشة للتفكير.

بالعودة إلى سؤال المقال، ماذا تريد إسرائيل؟ وما هي خياراتها البديلة عن حل الدولتين؟ الخيارات التي تم تداولها في ساحة التفكير السياسي الإسرائيلي وغير الإسرائيلي هي على النحو التالي:

1. كانتونات فلسطينية في الضفة الغربية، أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي، تحافظ إسرائيل من خلالها على تحكمها بالأمن والحدود.

2. كونفدرالية مع الأردن من خلال حشر الفلسطينيين في المناطق الأكثر التصاقا بالأردن.

3. ضم الضفة الغربية بكل سكانها لإسرائيل.

4. استغلال أي ظرف دولي يسمح بالتهجير تتخلص إسرائيل بواسطته من العبء الديموغرافيي الذي تصفه إسرائيل بالقنبلة الذرية، التي من شأنها أن تدمر الحلم الصهيوني بدولة يهودية القومية، ما يجعل الخيار رقم 3 غير ممكن، ومرفوضاً إسرائيلياً.

لاحظوا أن غزة خارج نطاق الخيارات السابقة، وأظن أن أي حل تفكر فيه إسرائيل لها، يفضل أن يكون بعيدا عن إعادة ربطها بباقي فلسطين، ومن الواضح أن «إسرائيل» تفضل حلا في اتجاه مصر، إما بتوسيعها على حساب سيناء المصرية، وإعلان دولة فلسطينية هناك، أو ربطها بمصر أبديا.

ما يهم الآن أن نحاول قراءة الخيارات الإسرائيلية وأن نعيد فحصها، ومن ثم الاتفاق على خطط مواجهة هذه الخيارات بالوسائل والسبل المناسبة والقادرة عمليا وحقيقيا على إفشال الخطط الإسرائيلية.

كلمة أخيرة تعبر عن وجهة نظر شخصية:

برأيي أن العقل السياسي الإسرائيلي ذاهب الآن في اتجاه إعادة التهجير، وأن المسألة بحاجة إلى إنضاج الظروف، وربما خلق مبرراتها من خلال خطة محكمة، يساهم فيها الفلسطينيون بغير وعي، أو ربما تجعل من الهجرة مطلبا لأجيال شبابية باحثة عن شيء من الحياة، مما يعفي إسرائيل من المسؤولية الأخلاقية عن عملية غير أخلاقية.