1210774
1210774
إشراقات

د. الحوسني: الأمة الإسلامية أمة قراءة وعلم ومعرفة

04 يناير 2018
04 يناير 2018

القراءة رفعة للمجتمع وتهذب النفس وتسمو بها إلى الرقي الإنساني لأن القارئ يطلع على أحوال الناجحين والصالحين -    مطالبة بإعداد جيل محب للعلم والقراءة لتصل إلى أهدافها -

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد الدكتور صالح بن سعيد الحوسني أن الأمة الإسلامية أمة قراءة وعلم ومعرفة وهي مطالبة بإعداد جيل محب للعلم والقراءة لتصل إلى أهدافها. مذكرا بأن أول قطرات الوحي على قلب النبي هي «اقرأ» ما يعني أن هذه الأمة هي أمة قراءة وعلم ومعرفة ومذكرا كذلك بموقف النبي- صلى الله عليه وسلم- واهتمامه بالتعليم والقراءة حينما جعل فدية أسارى بدر تعليم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة. وأشار الحوسني إلى أن القراءة تهذب النفس، وتسمو بها لمدارج الرقي الإنساني لأن القارئ يطلع على أحوال الناجحين والصالحين ويقف على مآثرهم وأخبارهم في كثير من شؤون حياتهم فيتعلم من ذلك المعاني السامية والأخلاق الراقية والقيم الرفيعة، كما أنها تعين على فهم مجريات التأريخ الإنساني وتعين على أفضل الأسباب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوصول لهذا الواجب الذي هو من صفات هذه الأمة لا يكون من أهل الجهل والطيش، وإنما من الذين اتخذوا القراءة منهجا ومسلكا وعادة مستمرة في حياتهم. وعزا الحوسني إلى أن أسباب عزوف الناس عن القراءة رغم عظيم أثارها وفوائدها عدم وجود هدف في الحياة عدم امتلاك أساسيات القراءة الطفرة الكبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي.. وإلى الجزء الأول من اللقاء.

بداية تحدث الدكتور صالح الحوسني عن مفهوم القراءة وذكر أنه يمكننا أن نقف مع موضوع القراءة بصورة عامة ونعطي توضيحا بسيطا لها بأنها مصطلح يراد به بذل القارئ جهدا باستعمال لسانه أو بصره لاستخلاص المادة المقروءة ونقلها إلى ذهنه وفكره، ويحدد مدى انتباهه وإدراكه قوة الفهم وتذكر تلك المادة المقروءة واسترجاعه إياها بحسب نوع المادة والحالة التي كان عليها القارئ أثناء قراءته ونحوها من المعطيات المهمة.

اهتمام الإسلام

وعن مدى اهتمام الإسلام بموضوع القراءة يؤكد الدكتور الحوسني: نلحظ اهتماما كبيرا لهذه القضية المهمة جدا والتي لها صلة كبيرة بموضوع العلم، فأول قطرات الوحي على قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- هي كلمة اقرأ، وهذا معناه أن هذه الأمة هي أمة قراءة وعلم ومعرفة؛ بل ونلحظ أن القلم هو من أهم أدوات العلم التي قد ذكرت في الموضع نفسه الذي جاء فيه الأمر بالقراءة، وهذا يعني أن القلم لصيق الصلة بالقراءة؛ ونجد كذلك أن كلمة العلم ومشتقاتها كثيرة الورود في كتاب الله تعالى فقد ذكرت أكثر من 750 مرة، مع التنويه بشأن العلم والعلماء كثيرا كما في قوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، وقوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، يضاف لهذا جملة من الآيات الكريمة التي تدعو للنظر والسعي في الأرض واستخدام العقول لأجل تحصيل المعارف واكتساب العلوم، بل ونجد في سنة النبي- صلى الله عليه وسلم- اهتماما بالغا بالعلم ووسائله، فقد كان النبي- عليه الصلاة والسلام- معلما لهذه الأمة، فكان يُلقي على أصحابه ما ينزل عليه من الوحي، وكان يجلس مع أصحابه موجها ومرشدا لهم، كما قال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عيهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)، ووردت جملة من الأحاديث الشريفة تحث على السعي لطلب العلم والاطلاع، بل جعلت ذلك من الواجبات على كل مكلف كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وبين عليه الصلاة والسلام أن طريق العلم يوصل لمرضاة الله تعالى كما في قوله: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة»، وبلغ من اهتمام النبي بالتعليم والقراءة أن جعل فدية أسارى بدر تعليم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة إيمانا بأن هذه الأمة هي أمة حضارة وتعليم وتعلم وأنها لن تصل إلى أهدافها إلا عن طريق إعداد جيل محب للعلم والقراءة.

فوائد

أما عن فوائد القراءة فيشير إلى جملة كبيرة من الفوائد من بينها، اكتساب المعارف والعلوم النافعة، فالقراءة هي مفتاح العلم بحق، لأن الكتاب هو وعاء للعلوم عبر العصور.

ومعرفة الواجبات والتكاليف الشرعية التي افترضها الله على عباده من مثل الصلاة، والزكاة والحج وغيرها، وكذا الحال في أحكام الزواج والطلاق، وفقه المعاملات والمواريث ونحوها كثير والتي يُتوصل لمعرفتها من خلال القراءة والاطلاع.

وأن من أنسب الطرق لعمارة الأرض فالإنسان فيه قابلية للتعلم والتطور، وهو ما يشاهد بوضوح في التطور البشري عبر العصور وهو ما لا نجده في بقية الكائنات الأخرى التي هي على نسقها ووضعها منذ خلقها الله تبارك وتعالى، فالنحلة تقوم بالعمل نفسه الذي كانت تقوم به من الآلاف السنين لم يتغير حالها بخلاف الإنسان الذي في كل يوم يضيف لحياته بعدا جديدا من الاكتشافات والاختراعات المختلفة التي تتغير معها أنماط حياته.

كما أن القراءة أنسب طريقة لاستغلال الوقت فيما يفيد وينفع، فالكتاب أنيس في الخلوة، وصاحب في الحضر والسفر، لا تجد معه إلا الفائدة والمنفعة والمتعة، وهذا ما حدا بالكثير من القراء أن يتغنوا بحبهم ولذتهم العارمة عند القراءة فهذا أحدهم يقول:

أعز مكان في الدُنا سرج سابح

وخير جليس في الزمان كتاب

وذاك آخر يقول:

خير المحادث والجليس كتاب

تخلو به إن ملّك الأصحاب

لا مفشيا سرا إذا استودعته

وتنال منه حكمة وصواب

وذاك أبا العتاهية يقول: رغيف خبز يابس تأكله في زاوية، وكوز ماء بارد تشربه من صافية، وغرفة ضيقة نفسك فيها خالية، أو مسجد بمعزل عن الورى في ناحية، تدرس فيه دفترا مستندا بسارية، معتبرا بمن مضى من القرون الخالية، خير من الساعات في فيء القصور العالية..

وأيضا القراءة تهذب النفس، وتسمو بها لمدارج الرقي الإنساني لأن القارئ يطلع على أحوال الناجحين والصالحين ويقف على مآثرهم وأخبارهم في كثير من شؤون حياتهم فيتعلم من ذلك المعاني السامية والأخلاق الراقية والقيم الرفيعة.

كذلك القراءة تعين على فهم مجريات التأريخ الإنساني؛ ذلك لأن التأريخ يحتوي على رصيد من التجارب والمواقف المختلفة التي تضع الإنسان على مسار بناء الحضارات بين فترات قوتها وضعفها، وكما قيل فإن التأريخ يعيد نفسه فمن هاهنا يدرك القارئ أسباب القوة فيأخذ بها، ويعلم أسباب الضعف والإخفاق فينأى بنفسه عنها.

وتعين على أفضل الأسباب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه الأمة هي أمة أمر بمعروف ونهي عن منكر كما قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، والوصول لهذا الواجب الذي هو من صفات هذه الأمة لا يكون من أهل الجهل والطيش، وإنما من الذين اتخذوا القراءة منهجا ومسلكا وعادة مستمرة في حياتهم.

وإن القراءة طريق للحياة السعيدة؛ فالقارئ منشغل بنفسه لا يجد وقتا يقضيه في الخصومات، وتتبع عثرات الناس، فيشعر الإنسان براحة وسعادة غامرة تملأ كيانه، إذ أن الفارغين والبطالين هم من يثيرون المشكلات ويختلقون الأزمات لأن الفراغ أساس كل مشكلة كما قال القائل: لقد هاج الفراغ عليه شغلا وأسباب البلاء من الفراغ.

أسباب العزوف

ويعزو الدكتور مدير الحج بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أسباب عزوف الناس عن القراءة رغم عظيم أثارها وفوائدها إلى جملة من الأسباب اختلقت العداء بين الناس والكتاب، ومن أهمها، عدم وجود هدف في الحياة، فصاحب الهدف والغاية تراه في حركة ونشاط لأجل بلوغ هدفه والوصول لمبتغاه وتحقيق ما يطمح إليه، وتراه يستعين بشتى الوسائل الممكنة لذلك من نحو القراءة والإطلاع والنظر في التجارب المختلفة لتوظيفها لتحقيق ما يصبو إليه، وأما من لم يكن له هدف أو غاية فأمر القراءة لا يستهويه لعدم وجود ما يدعوه لذلك؛ خاصة وأن القراءة فيها بذل للجهد والوقت، وهو يحبذ الكسل على ذلك.

كذلك عدم امتلاك أساسيات القراءة: فالقراءة تحتاج إلى وسائل مختلفة ومن أهمها القدرة على القراءة بفهم المادة المقروءة، وهو ما يستلزم التعليم المناسب للناشئة وتعوديهم على القراءة بطرق مختلفة ليتمكنوا من الانتفاع بما يقرؤونه، وأما إن فقد الشخص ذلك عسر عليه القراءة وهو ما يؤدي إلى ترك القراءة رأسا.

ومن الأسباب أيضا كثرة الأشغال والصوارف المختلفة: فعند تكاثر الأعمال على الإنسان وخاصة المتعلقة بكسب العيش والحصول على الرزق فإن التضحية غالبا تكون بالقراءة لظن الناس أن القراءة هي أمر ثانوي أو أنها حاجة تكميلية، أو هي نوع من الترف الذي قد يُستغنى عنه.

كما أن الطفرة الكبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي من أسبابها، فوجود التقنية الحديثة التي استهلكت البقية الباقية من أوقاتهم صرفت الناس عن الكتاب، بل جعلتهم في دوامة هذه المنتديات والحوارات الجماعية والشخصية في تلك الوسائل المختلفة، وذلك لسهولة هذه الوسائل وتنوعها بخلاف التعامل مع الكتاب والذي يحتاج لجهد وتركيز كما لا يخفى.

وأيضا عدم وجود خطة في القراءة؛ وقد يريد الشخص أن يكون قارئا نهما، يفض أبكار الكتب، ويلتهم أفكارها، ويغوص في قعرها ولكنه لا يدري من أين يبدأ؟ أو كيف يبدأ؟ فتارة يبدأ بهذا الكتاب فيأخذ في قراءته وما يكاد يبدأ حتى يرى غيره أفضل منه فيتركه إلى غيره؛ وهكذا ينتقل من كتاب لآخر كالنحلة لا يكاد يستقر على موضوع أو كتاب محدد.

ومنها هجوم الملل وسرعة الضيق أثناء القراءة، وهو أمر طبيعي للقارئ المبتدئ الذي ما زال يحبو في قراءته فتراه ما إن يبدأ في قراءة حتى تتقاصر همته ويرى أن وقوقه على جمر الغضى أهون عليه من الاستمرار في القراءة. وعدم وجود التشجيع على القراءة، فعندما يكون المجتمع بداية من الأسرة وإلى المدرسة وانتقالا إلى وسائل الإعلام المختلفة لا تعير الكتاب أو القراءة كبير اهتمام فإن الأجيال أيضا يسري إليها هذا الداء وترى من الكتاب شيئا بغيضا لا يصلح أن يكون طريقا يوصل للخير أو السعادة.