إشراقات

الإخلاص والإتقان في العمل التطوعي يقوي العلاقات بين أفراد المجتمع

04 يناير 2018
04 يناير 2018

المواطنة في الإسلام (11) -

إعداد: نادر أبو الفتوح -

قال محمد الجزار من علماء وزارة الأوقاف المصرية، في لقائه معنا: إن الشريعة الإسلامية أيضاً أوجبت على المسلم أن يبادر بكل صور الخير، من أجل تقدم الوطن الذي يعيش فيه، كما طالبت الشريعة بأن يتعاون المسلم مع غير المسلم لتحقيق آمال وطموحات الوطن، من أجل حياة أفضل لكل المواطنين، والمسلم عليه أن يعلم علم اليقين، أن التسابق إلى الخيرات، والعمل من أجل الوطن، من القيم النبيلة التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، والعمل التطوعي من صور المواطنة في الإسلام، وبمثل هذه القيم والأخلاق تتقدم وتنهض المجتمعات، ودعوة الإسلام للعمل التطوعي تأتي لتقوية العلاقات بين أفراد المجتمع، والنبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث الشريف: (الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضًا)، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: «مَنْ فَرَّجَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

ويضيف أن المجتمع القوي، هو الذي تكون فيه العلاقة متينة، بين جميع أبنائه، فكل منهم يسعى ويجتهد بهدف خدمة الصالح العام، والمؤكد أن قيمة ومعنى العمل التطوعي، تجسد مبدأ من مبادئ المواطنة في الإسلام، لأن الهدف من العمل التطوعي، هو أن تعود فائدة هذا العمل، على كل من يستفيد منه، سواء كان الذي يستفيد مسلما أو غير مسلم، فالأصل هو خدمة الوطن، وهذا من أهم متطلبات المواطنة في الإسلام، لأن نتيجة العمل التطوعي، تؤدي لحالة من الوحدة بين جميع المواطنين، كما تظهر قيمة العمل التطوعي عند المحن والشدائد، التي يتعرض لها المجتمع، لأنه في مثل هذه الحالات يكون المجتمع، في حاجة لجهد كل أبنائه، للمساعدة في مواجهة هذه الأزمات والشدائد، لأن أي مشكلات عامة يتعرض لها الوطن، لن تفرق بين مسلم وغير مسلم، ولذلك ففي مثل هذه الأزمات، تظهر قيمة المواطنة الحقيقية، من خلال تقديم يد العون للمحتاجين والفقراء وأصحاب الحاجات، وقد حث القرآن الكريم على ذلك في قول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الآية 71 سورة التوبة].

ويشير الشيخ الجزار إلى أننا في الوقت الحالي في حاجة للاستفادة من هذه التوجيهات الكريمة، التي حملتها لنا الشريعة الإسلامية، لأن الضغوط والأزمات المعاصرة، تتطلب أن نرسخ مفهوم المواطنة من خلال العمل التطوعي، وذلك حتى تتجاوز المجتمعات المحن والأزمات التي تتعرض لها، من خلال جهد جميع أبناء الوطن، فالكل لابد أن يقدم الجهد علي قدر طاقته، لتعود الفائدة في النهاية على الجميع، كذلك يجب أن نغرس هذه المفاهيم لدى الأجيال الجديدة، من خلال بيان أهمية العمل التطوعي، وأنه يمثل خدمة حقيقية لعامة الناس في الوطن، ويجب على الدعاة والأئمة القيام بهذه الرسالة، لأن الحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الآية 48 سورة المائدة].

ويؤكد أن مجالات العمل التطوعي متعددة، ويمكن لكل إنسان داخل المجتمع، أن يقدم ما يستطيع في هذه المجالات، لأن أي عمل يعود بالخير علي عامة الناس، هو عمل تطوعي، وأن الله عز وجل سوف يعطي الجزاء العظيم لكل من يفعل ذلك، فمجالات العمل التطوعي تشمل إطعام الفقراء والمحتاجين، وإغاثة الملهوف وإعانة العاجز، وقضاء حوائج ذوي الإعاقة، وكذلك مجالات الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليم، وكل المجالات التي من الممكن أن تخفف عن غير القادرين من أفراد المجتمع، والحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [الآية 133 سورة آل عمران}، وقد علمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، قيمة العمل التطوعي، فقال في الحديث الشريف: (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ)، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (إِذا قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَغْرِسْهَا)، وهذه التوجيهات النبوية الكريمة، تؤكد على أن كل عمل تطوعي يخفف من أعباء الناس، ويسهل عليهم حياتهم وحركتهم اليومية داخل المجتمع، فهو عمل حثت الشريعة الإسلامية.

ويوضح أن العمل التطوعي، يتطلب الإخلاص والإتقان، وأن يبذل الإنسان كل الجهد، للوصول إلى النموذج الأمثل في المجال التطوعي الذي يؤديه، وأن يكون هذا العمل خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى، فلا يوظف لمكاسب معينة سواء لفرد أو جماعة من الناس، وإنما يكون الهدف من أداء هذا العمل، هو تحقيق خدمة لعامة الناس في المجتمع، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو أي اختلافات أخرى، كذلك فمن الضروري أن يكون العمل التطوعي، متوافقا مع النظام العام للمجتمع، والقوانين واللوائح والضوابط، وذلك منعا لأي استغلال سلبي لهذه الأعمال.