1213468
1213468
المنوعات

تمكنا من نقل الطاقة لاسلكيا إلى الطائرة عبر موجات المايكرويف

03 يناير 2018
03 يناير 2018

«عمان» تحاور الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء 2014 أمانو هيروشي:-

في عام 2030 سيتجاوز الذكاء الاصطناعي العقل البشري -

حاوره: عاصم الشيدي و رحمة الكلبانية -

أكاديمية متخصصة يمكن أن تنشر حوارا علميا جدا فيما لو تمكن المحرران من ذلك. وكان الاقتراح أن لا تكون الأسئلة متخصصة جدا، وهو أمر وافق عليه البروفيسور منذ البداية، البروفيسور الذي كان جدول أعماله مزدحما منذ وصوله للسلطنة للمشاركة في حفل افتتاح مركز تاريخ العلوم في الجامعة الألمانية للتكنولوجيا.. وكان أمر استقطاع نصف ساعة لحوار صحفي ليس بالأمر الهين، لكنه لاقى ترحيب البروفيسور خاصة عندما عرف أن الحوار سينشر باللغة العربية.

ندرس تقنية لتنقية المياه باستخدام موجات ضوئية تدمر الحمض النووي للبكتيريا الملوثة للمياه والهواء -

بدا البروفيسور أمانو هيروشي أكثر شبابا وحيوية مما كنا نتوقع لفائز بجائزة نوبل، حيث اعتدنا أن يفوز بها العواجيز وربما هذا الاعتقاد آت من معرفة أغلب الذين فازوا بها في مجال الآداب. وأمانو من مواليد سبتمبر 1960 وبذلك يكون عمره اليوم 57. قابلنا البروفيسور بابتسامة وترحاب كبيرين.

كان أول سؤال عن زيارته الأولى للسلطنة وما إذا كان قد أتيح له مساحة للتجوال.. ابتسم «ستظل هذه الابتسامة والضحكات الخفيفة تلازمه طوال اللقاء»: لقد قمت بزيارة لمدينة نزوى، كانت مدينة مدهشة جدا، أعتقد أنها أعطتني الكثير من المعرفة عن عُمان بشكل عام، لقد تعلمت من زيارتها الكثير. أيضا أعجبتني مسقط كثيرا فهي مدينة تمزج بين الأصالة والمعاصرة بشكل جميل جدا ومتناغم.. أيضا هي مدينة نظيفة جدا.

كان ما يزال يبتسم عندما أبقيت السؤال عن عُمان، وبالتحديد عن تصريحه الذي نشرته الصحف المحلية والذي ذكر فيه ان عمان «تمتلك إمكانيات تؤهلها للقيام بالبحوث والدراسات التي تعزز من تطورها وتقدمها في المجالات كافة».. قلنا له ما تلك المجالات بالتحديد؟

أرجع رأسه للخلف حتى استقر على آخر الكرسي قبل أن يقول: «هناك العديد من المجالات التي يمكن أن نتعاون فيها مع سلطنة عمان لتعزيز تطورها وتقدمها. من ضمن ذلك تحسين تقنيات الإضاءة العامة بالاعتماد على تقنية المصباح الثنائي الباعث للضوء أو الديود الباعث للضوء باعتبارها واحدة من أفضل أنظمة الإضاءة الصناعية على الإطلاق، ومن الأنظمة الموفرة للطاقة بشكل جيد. كما يمكننا إدخال تقنيات خاصة وجديدة فيما يتعلق بالمياه.

«صمت قليلا ثم عاد للحديث»: كما أننا سنعمل بالتعاون مع الجهات الأكاديمية في عُمان على أنظمة جديدة تتعلق بنقل الطاقة عن بعد كما هو الحال مع الانترنت.

طلبنا منه إيضاحا أكثر فقال: على سبيل المثال تحلق الطائرات بدون طيار لمدة قد تصل بين 20 إلى 30 دقيقة فقط بسبب بطارياتها، ولكننا إن تمكنا من نقل الطاقة لاسلكيا إلى الطائرة عبر موجات المايكرويف من الأرض فسيصبح من الممكن أن يدوم بقاؤها في السماء حتى 24 ساعة. وهذا ما نحاول العمل عليه حاليا.

المسلمون وعلم الجبر

سألناه عن معرفة العلماء في اليابان بجهود علماء المسلمين العرب في الأزمنة القديمة التي أسست للكثير من العلوم الحديثة: علم الجبر على سبيل المثال وعلوم الكيماء وعلوم الفلك. استفسر البروفيسور إذا كنا نقصد لدى العلماء أم لدى عامة الناس أو الدارسين في اليابان. قلنا له العلماء بالتحديد. كان رده سريعا: بالتأكيد نحن في اليابان على دراية جيدة بتلك الجهود، حيث إننا تعلمنا في دراستنا الثانوية أن علوما مثل الجبر والكيمياء كانت قد اكتشفت على أيدي علماء العرب قديما.. والعلماء على وجه الخصوص هم الأكثر دراية بهذه الجهود أكثر من الدارسين العاديين، خاصة علم الجبر كونه أحد العلوم الأساسية والمهمة في جميع المجالات تقريبا، إلا أن التركيز على تاريخ هذه العلوم يتفاوت بين العلماء بحسب اهتماماتهم فنرى البعض يتعمق لدراستها والإلمام بها، في حين يتطرق إليها البعض الآخر بشكل سطحي وعام.

وكان البروفيسور قد تحدث في كلمة له خلال افتتاح مركز تاريخ العلوم بالجامعة الألمانية عن مستقبل برمجيات الذكاء الاصطناعي القادرة على هزيمة العقل البشري. قلنا له: إلى أي مدى يمكن أن نثق بالعقل الاصطناعي مقابل العقل البشري؟

قال بشيء من الاستغراب:هذا سؤال مهم، ولكن الإجابة عنه صعبة. وبعد برهة صمت واصل حديثه: من المحتمل ـ من وجهة نظر علمية ـ أن تتخطى وتتفوق برمجيات الذكاء الاصطناعية قدرات العقل البشري بحلول عام 2030. أما عن إذا كان بإمكاننا الاعتماد عليها أو لا فيجب أن نعلم أن هذه البرمجيات هي من صنع وتحكم البشر وإنها تتطور بحسب المعلومات الخلفية والمعطيات التي تحتفظ بها منذ بداية برمجتها، ففي حال كانت هذه المعلومات والذاكرة التي تمتلكها هذه البرمجيات جيدة وإيجابية فإن عملية تطورها ستسير في الاتجاه ذاته.

قلنا له إن السينما تطرح منذ سنوات طويلة استشرافها لما يمكن أن تؤول إليه هذه الطفرة الكبيرة في الذكاء الاصطناعي.. وأنها يمكن أن تشكل كارثة على البشرية.

نسيطر على البرمجيات

رد بسرعة وبكثير من الحماس: لا. لا أعتقد ذلك فنحن بإمكاننا دائما السيطرة على هذه البرمجيات، حيث إن الهدف الأساسي منها هو أن توكل إليها بعض الأعمال والمهام الصغيرة حتى يتفرغ الناس للقيام والتركيز على الأعمال الأخرى خاصة الإبداعية منها والتي تساهم في تطوير مجتمعاتهم. وكما أسلفت فإنه بإمكاننا الاعتماد على هذه البرمجيات طالما كانت عملية التعليم التي تمر بها جيدة.

• جيد، إذن دعنا نسألك بشكل مباشر وواضح: هل يستطيع علم الفيزياء أن يكفر عن جرمه/‏‏ ذنوبه التي ارتكبها في حق البشرية لمساهمته في اختراع الكثير من الأسلحة الفتاكة؟ نسأل هذا السؤال وما زال الذي حدث في اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية حاضرا في أذهان الجميع، حيث كانت اليابان ضحية تزاوج العلم بالسياسة؟

ابتسم الدكتور وإن بدت عليه لمسة حزن جاءت عبر استدعاء الذاكرة وقال: حين اخترع نوبل الديناميت كان الهدف منه تشييد المباني ولم يكن مصمما ليكون سلاحا خلال مراحل تطويره الأولى. لكن بشكل عام وعلى مدى السنين فإن العلوم والفيزياء قدمت اختراعات جيدة وسيئة ولكن المهم في كل هذا هو عقل العالم نفسه، ومدى التزامه بمسؤوليته تجاه هذه العلوم واستخدامها في منفعة البشرية. إن وجود مثل هذه المبادئ يعد أمرا مهما جدا.

نعم للناس لا للدول

قلنا له ليس دائما يمكن التعويل على مسؤولية العالم الأخلاقية.. ولكن دعنا نسألك في السياق نفسه: ماذا لو وجهت اليابان كل هذه الطاقة العلمية التي تمتلكها نحو صناعة الأسلحة، خاصة وأنكم في اليابان تجاورون كوريا الشمالية؟

رد بسرعة:

هذا الأمر مستحيل، مستحيل؛ والسبب هو أننا نعمل لمصلحة الناس لا الدول، والناس هم الأهم بالنسبة لنا لهذا من الصعب أن نتوجه بهذه التقنية لصناعة الأسلحة.

• لكن هناك علماء في دول غير اليابان سخرت مثل هذه العلوم لخدمة الأغراض السياسية وأحيانا لخدمة الديكتاتوريات في العالم.

رد بشيء من التأسي: نعم. نعم على الدول حماية نفسها أحيانا، وهذا أمر بديهي والعلوم بشكل عام في العالم قد تستخدم لأغراض الخير، ولكن أيضا لأغراض الشر.. ولكي نقود الناس ونوجههم لطريق الخير يجب أن يكون هناك شراكة وتعاون عالمي، فمن وجهة نظر العلم المشاركة العالمية هي أحد أهم الوسائل لتهدئة الصراعات.

• إذن بروفيسور ما حدود الصورة التي ترسمها لشكل التطور العلمي خلال العقود القادمة؟

رد: التغيرات في مجال العلوم تكبر وتتزايد يوما بعد يوم، لذلك من الصعب توقع ما يمكن أن يحدث بشكل محدد، ولكن على سبيل المثال تزايد معدل أعمار الناس في اليابان وبعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا يمثل تحديا ومشكلة حقيقية، وهنا يجب على الهندسة والعلوم المختلفة بشكل عام أن تبذل جهودها لمساندة كبار السن والعمل على توفير سبل حركة وتنقل أسهل لهم والعمل على تسهيل حياتهم بشكل عام، هذه واحدة من المشاكل التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار خلال العقود القادمة، ولكن عُمان على سبيل المثال قد لا تواجه مشكلة من هذا النوع نظرا لأن أغلبية السكان فيها هم من صغار السن ولكن في دول أخرى تعتبر هذه مشكلة جدية جدا.

الصمام الباعث للضوء

وكان أمانو هيروشي قد حصل على جائزة نوبل عن فرع الفيزياء هو ومواطنه أكساكي إيسامو عن تطويرهما للصمام الثنائي الباعث للضوء، والذي صار يعرف بتقنية LED وهو كما جاء في موقع جائزة نوبل «مصدر ضوئي مصنوع من مواد أشباه الموصلات يّبث أحد أطياف الضوء حينما يمر خلاله تيار كهربائي حيث يقوم بتحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة ضوئية مباشرة، لا ينتج عنها أثناء تلك العملية أيّ فقدان للحرارة، وهذا ما جعلها تجذب انتباه العالم كباعث للضوء موفر للطاقة». قلنا له حدثنا بشكل تفصيلي ولكن مبسط عن تقنية الصمام الثنائي الباعث للضوء الأزرق التي أوصلتك إلى نوبل، فقال: أهمية هذا الأمر تكمن في ان اختراع الصمام الثنائي الباعث للضوء الأزرق إلى جانب الأحمر والأخضر اللذين تم اختراعهما على أيدي علماء سابقين أدى إلى إمكانية توفير مصادر ساطعة وموفرة للضوء الأبيض، والذي لم يكن من الممكن الحصول عليه من اللونين الأحمر والأخضر سابقا.

• هل وجدت أي من الأضواء التي قمت باختراعها موجودة هنا في عمان؟

نظر إلى سقف فندق الشيراتون وقال وهو يبتسم: نعم يمكنك أن ترى ذلك في المصابيح هنا وكذلك في الهواتف الذكية الحديثة التي بين أيدينا وحتى في شاشات التلفاز المسطحة.

• ما هي البحوث العلمية التي تعمل عليها حاليا؟

نعمل في هذه الفترة على تقنية جديدة لتنقية المياه باستخدام موجات ضوئية فوق البنفسجية والتي بإمكانها تدمير الحمض النووي للبكتيريا الملوثة للمياه والهواء أيضا. أما المشروع الثاني فهو كما شرحت سابقا حول إمكانية نقل الطاقة لاسلكيا.

كان الوقت الذي منحه لنا البروفيسور يمضي سريعا، وكان علينا أن نعجل في أمر الحوار، رغم أن هناك تساؤلات كثيرة كانت تظهر خلال الحوار. سألناه: إلى أي مدى يمكن أن يصمد هذا الكوكب أمام هذا التقدم العلمي التكنولوجي الذي يعمل بشكل مواز على تدمير البيئة وبالتالي تدمير البشرية؟

رد بعد برهة صمت: يمكننا أن نرى المســــتقبل بنظـــــرة متفــــائلة أكثر، فنحـــــن في تقنياتنـــا نسعى للوصول لكفاءة طاقة بمقدار 100%، فاليوم نحن نستخدم هواتفنا بكفاءة تصل فقط إلى 5% في حين يمكننا رفع هذه الكفاءة إلى 100% في الأجيال القادمة من هذه الهواتف، كما يمكن للعلوم مستقبلا الاعتماد على الطاقات النظيفة فقط وبالتالي المساعدة على الحفاظ على بيئة نظيفة ومستدامة.

ماذا حدث في اليابان؟

قلنا للبروفيسور لو نتوقف قليلا عند اليابان التي تشهد هذه الطفرة العلمية لنسأل: كيف استطاعت اليابان بشكل عام أن تخلق هذه النهضة الكبيرة من بعد كارثة عام 1945 خاصة وكأنها قد قامت من الصفر، واليوم أصبح فيها أعظم العلماء والمصانع وأصبحت صانعة التكنولوجيا؟

رد البروفيسور بعد أن قهقه ورد رأسه لآخر الكرسي:لا..لا أعتقد أن البداية كانت من الصفر بعد هذه الحادثة، فاليابان الحديثة نشأت في عصر مييجي وهي الفترة التي بدأت خلالها اليابان تطور من نفسها للتمكن من مواكبة دول الغرب آنذاك، وبعد حادثة 1945 أحس اليابانيون بأنهم يجب أن يلحقوا بالركب مجددا، وهذه العودة القوية لليابان كانت بسبب حماس الشعب الياباني لتطوير بلاده وتركيز الناس على صنع مستقبل أفضل لهم وهو ما جعل اليابان البلاد التي عليها اليوم.

قبل أن نختتم حديثنا معك.. حدثنا عن وقع خبر فوزك بجائزة نوبل وكيف كان شعورك لحظة سماعك للخبر، خاصة وأنك نلت هذه الجائزة في عمر صغير مقارنة بالآخرين؟

تفاجأت جدا بالطبع عندما وصلني خبر فوزي بالجائزة، ولحسن حظي أنني لازلت في سن يسمح لي أن أساعد في قيادة التقنية لخطواتها القادمة لذا فأنا أعمل جاهدا كي أساعد في ايجاد مجتمعات ذكية ومستدامة وأعتقد أنني اليوم أملك فرصة أكبر للوصول لعلماء آخرين يتفقون معي في نفس الأفكار لإيجاد فرص للتعاون بيننا وتحقيق هذه الأهداف.

انتهى الحوار مع صاحب نوبل ولكن الأسئلة لم تنته، بل أسئلته كعالم فيزيائي لم تطرح. كنا نراجع تسجيلاتنا وصورنا للحوار فيما استغل البروفيسور الفرصة للرد على بريده الإلكتروني.. فالوقت لديه له ثمنه وهو طرف من أطراف معادلاته الفيزيائية.