أفكار وآراء

أوروبا واليمين الشعبوي في عام ٢٠١٨

03 يناير 2018
03 يناير 2018

عبد العزيز محمود -

مع تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وأزمة الديون في منطقة اليورو حقق اليمين الشعبوي مكاسب انتخابية كبيرة في عام ٢٠١٧، وساعده على ذلك سخط الناخبين الأوروبيين تجاه السياسات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، وفقدان قطاعات واسعة منهم للثقة في الأحزاب التقليدية التي تتصدر المشهد،

مع تنامي المشاعر المعادية للهجرة والإسلام والعولمة والاتحاد الأوروبي يواصل اليمين الشعبوي تمدده في أوروبا، بعد أن حقق انتصارات انتخابية كبيرة خلال عام ٢٠١٧ مستثمرا القلق الأوروبي من التهديدات الأمنية والاقتصادية.

وهي انتصارات يتوقع أن تستمر عبر ١٨ عملية انتخابية تشهدها أوروبا خلال عام ٢٠١٨ بدءا بالانتخابات الرئاسية في التشيك وقبرص وفنلندا وجورجيا وأذربيجان وأيرلندا وروسيا مرورا بالانتخابات التشريعية في البوسنة والمجر وإيطاليا ولاتفيا ولكسمبورج ومولدوفيا وسلوفينيا والسويد، وانتهاء بالانتخابات المحلية في بلجيكا وهولندا وبريطانيا.

ويبدو أن المشهد السياسي في أوروبا سوف يشهد أكبر عملية تحول لصالح الشعبويين خلال عام ٢٠١٨م، بعد أن أكدت استطلاعات الرأي ارتفاع نسبة تأييدهم من ٥٪ في عام ١٩٩٧ إلى ١١٪ عام ٢٠٠٧ لتصل إلى ٢٤٪ في انتخابات عام ٢٠١٧م، وهو ما انعكس على عدد الأحزاب الشعبوية في أوروبا حيث ارتفع عددهم من ٢٤ حزبا في عام ٢٠٠٠ إلى ٦٤ حزبا في عام ٢٠١٧، لتغطي حزاما يمتد من بحر البلطيق شمالا إلى بحر إيجه جنوبا، وطبقا للأرقام فقد صوت ٣٠ مليون شخص لصالح اليمين الشعبوي في ٢٢ دولة أوروبية خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وهكذا شكلت الأحزاب الشعبوية حكومات أغلبية في المجر وبولندا والنرويج والتشيك وسلوفاكيا وصربيا والبوسنة، وشاركت في حكومات ائتلافية في النمسا وسويسرا وبلغاريا وفنلندا، وتقود المعارضة في برلمانات بلجيكا وهولندا وألمانيا.

بالتأكيد اليمين الشعبوي أقوى في أوروبا الشرقية، حيث يحكم خمس دول، ويشارك في حكم اثنتين أخريين، ويهيمن على المعارضة في ثلاث دول إضافية، وبفضل جذوره القومية ومناهضته للهجرة ارتفعت نسبة التصويت له من ١٪ عام ٢٠٠٠ إلى ٣١،٦٪ عام ٢٠١٧

أما في أوروبا الغربية فقد ارتفعت نسبة التصويت له من ٤٪ عام ٢٠٠٠ إلي ١٣٪ عام ٢٠١٧، وحصل في انتخابات الرئاسة الفرنسية على ثلث أصوات الناخبين، وفاز في ألمانيا بربع مقاعد البوندستاج لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.

وهو صعود دفع أحزاب يمين الوسط لتبني سياسات أكثر تشددا تجاه الهجرة، وأصبح من الصعب تشكيل حكومات ائتلافية متماسكة فكريا في أوروبا الغربية، حتى أن تشكيل الحكومة في هولندا استغرق ٢٠٨ أيام، ولا زال تشكيل الحكومة في ألمانيا يواجه صعوبات.

وفي جنوب أوروبا يميل الشعبويون جهة اليسار، خاصة في اليونان وفرنسا وإيطاليا، حيث يهيمنون على السياسة في اليونان، ويشكلون قاعدة المعارضة في إسبانيا، ويتوقع أن يلعبوا دورا أكبر في إيطاليا عقب انتخابات مايو المقبل.

وفي شمال أوروبا يمثل اليمين الشعبوي ثالث قوة سياسية في السويد، وقد يحتل المركز الأول بعد انتخابات سبتمبر المقبل، كما يمثل ثاني قوة سياسية في الدنمارك، ويحظى بتمثيل جيد في حكومات فنلندا والنرويج، ويشارك في برلمانات لاتفيا وليتوانيا واستونيا، وهو منافس قوي لأحزاب يسار الوسط بمواقفه المناهضة للهجرة، والداعمة للرعاية الاجتماعية.

ومع تزايد مخاوف الأوروبيين من الهجرة والإسلام والعولمة، يبدو أن الأحزاب الشعبوية سوف تحقق مكاسب انتخابية أكبر خلال عام ٢٠١٨، خاصة الجبهة الشعبية الوطنية- ايلام في قبرص، والتقدم في الدنمارك وحزب رابطة الشمال وحركة خمسة نجوم في إيطاليا، والحزب الوطني في البوسنة، وحزب الحرية والديمقراطية في التشيك، وحزب اليمين الفنلندي في فنلندا، وتحالف الوطنيين في جورجيا، والتحالف الوطني في لاتفيا، والحزب الراديكالي في صربيا، والديمقراطيون السويديون في السويد.

كما يتوقع أن تحقق هذه الأحزاب تمثيلا أكبر في انتخابات البرلمان الأوروبي في عام ٢٠١٩، بعد أن ارتفع تمثيل اليمين الشعبوي في البرلمان الأوروبي من ٣٪ عام ١٩٩٩ إلي ١٠٪ عام ٢٠٠٩ إلى ١٥٪ عام ٢٠١٤، وهو ما دفعه لتشكيل تحالفات عبر القارة أهمها الحركة من أجل أوروبا الأمم والحرية، والتحالف الأوروبي من أجل الحرية، والتحالف من أجل الديمقراطية المباشرة في أوروبا.

يذكر أن اليمين الشعبوي تأسس في أوروبا في مطلع الثمانينات من القرن العشرين، كتيار سياسي رافض للهجرة والعولمة وأوروبا الموحدة والإسلام، كما يرفض سياسة التوافق ويحشد عامة الشعب ضد النخب والمؤسسات الحاكمة، مستمدا جذوره من الحركات الفاشية التي تأسست في ألمانيا وإيطاليا والمجر وإسبانيا بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.

ومع تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، في عام ١٩٩١م ويوغسلافيا في عام١٩٩٢، تبنى الشعبويون إحياء القوميات الأوروبية، وطرح رؤية سياسية تمزج بين ما يعرف بالتحضر والمسيحية والعلمانية، مما ساهم في دخولهم برلمانات 6 دول، والمشاركة في حكومات ائتلافية في 9 دول أوروبية، وتشكيل حكومات أغلبية في دولتين هما المجر وبولندا، وخلال مرحلة الكساد الكبير بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠١٢ ارتفعت نسبة شعبيتهم في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا.

ورغم اختلاف الأحزاب الشعبوية في برامجها، ولكنها تتشارك نفس الموقف ضد العولمة والهجرة وأوروبا الموحدة، وتتعامل مع الإسلام باعتباره تهديدا وجوديا، وتتهم اللاجئين، وتحديدا المسلمين بالمسؤولية عن ارتفاع معدلات الجريمة والفوضى. ومع تعرض أوروبا لسلسلة عمليات إرهابية تبناها تنظيم داعش، تبنى ٥٨٪ من الأوروبيين نفس الموقف ضد الإسلام.

من جهة أخرى يدعو اليمين الشعبوي في أوروبا الى دعم إسرائيل، باستثناء الشعبويين الألمان الذين يعتبرون السامية خطرا على التجانس العرقي والثقافي للأمة الألمانية، وفي عام ٢٠١٥ استثمر الشعبويون موجات الهجرة الجماعية من الشرق الأوسط وإفريقيا لتحقيق مزيد من التمدد، وقدمت روسيا دعما سياسيا وماليا كبيرا للأحزاب الشعبوية، بهدف استخدامها في تفكيك الاتحاد الأوروبي.

ومع تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وأزمة الديون في منطقة اليورو، حقق اليمين الشعبوي مكاسب انتخابية كبيرة في عام ٢٠١٧، وساعده على ذلك سخط الناخبين الأوروبيين تجاه السياسات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، وفقدان قطاعات واسعة منهم للثقة في الأحزاب التقليدية التي تتصدر المشهد، بدءا بالمحافظين والاشتراكيين والليبراليين وانتهاء باليساريين، مما دفع تلك الأحزاب خاصة يمين الوسط لتبني سياسات أقرب لليمين الشعبوي تجاه الهجرة والإسلام كما سبقت الإشارة .

كل المؤشرات تقول إن اليمين الشعبوي في صعود، وإنه سيحقق مزيدا من المكاسب الانتخابية خلال عام ٢٠١٨، وهو ما سيدفع بالسياسة الأوروبية نحو مزيد من القومية والحمائية والسلطوية، ليس فقط في أوروبا الشرقية، وإنما في غرب وشمال أوروبا كذلك، وهو ما يعني تراجع الديمقراطية الليبرالية التي تعمل على حماية حقوق الفرد، حيث يميل الشعبويون لتقويض سيادة القانون وانتهاك حقوق الأقليات، في إطار مخططهم لإعادة تشكيل الخريطة السياسية لأوروبا.