أفكار وآراء

الأنشطة الصاعدة

03 يناير 2018
03 يناير 2018

مصباح قطب -

[email protected] -

رجال الأعمال ورواد الأعمال يشتركون معا في خصيصة مهمة ألا وهي البحث عن الواعد ، أو الذي سيكون هو الرائج في المستقبل، أو يحقق أرباحا أكثر، ويهتم الاثنان بسبق الآخرين ، واحتلال مواقع متقدمة في هذا الذي سيأتي، أو يتنبأون هم بقدومه دون غيرهم أو أكثر من غيرهم ، وهم يراهنون على أن قيامهم بالسبق سيجعل مهمة منافسيهم الذين سيأتون من بعدهم أكثر تعقيدا . من أجل ما تقدم نسمع كثيرا كلمة « بوتنشيال» أو الـ«بوتنشيالتي» ، وصفا للدولة أوالشركة أو النشاط المحدد ، في المؤتمرات المختلفة ، وخاصة تلك التي يتم فيها الترويج لدولة استثماريا أو لكيانات في السوق.

قد تلعب «الميديا» أحيانا دورا في اكتشاف المقبل أوالتنبيه إليه أو بيان طبيعته ومقارنته بما مرت به بلاد أخرى ، وقد يسبقها غيرها في ذلك ، ومن الطريف أنه في حالات نادرة يقوم صحفيون أو إعلاميون بالسبق بالاستثمار في المجال المرتقب بزوغه ويتركون المهنة الصحفية أو لا يتركونها بحسب الأحوال . ما علينا.

إنه لغرام لي النظر إلى الأمام وقراءة ما هو آت ، واعتقد أن الميزة التي تفتنني اكثر من غيرها ، في الكتّاب الكبار، هي قدرتهم على هذا النوع من القراءات الاستبصارية في ضوء معطيات قد لا يراها العاديون أو لا يرونها إلا متأخرا جدا .

في الأعراف السائدة ، فإن من يقوم بالاستثمار في مجال جديد أو بازغ هو رجل /‏‏ امرأة ، يأخذ مخاطرة أعلى من الذين يستثمرون في المضمون ، كما أن القاعدة تقول أيضا أنه كلما زادت المخاطرة  (واحتمال حدوث خسائر أعلى ) زاد العائد .

أسرد كل ذلك لأصل إلى محاولة تحليل نشاط يصعد ببطء ولكن بثقة ، وهو نشاط التخصيم (الفاكتورنج). العالم كله الآن مشغول بما يسمى سرعة دوران رأس المال ، وقد بلغ الهوس بتسريع الدورة حدا جعل البعض في أعقاب الأزمة المالية العالمية يطالب بإبطاء دوران رأس المال عن عمد ، حتى تقل المضاربات التي كانت سبب الكارثة ، بل واقترح كتاب اقتصاديون عالميون ، إعادة «النحاسة» إلى البنوك وقصر عملها على جمع ودائع وتقديم ائتمان فقط !! .

حدث تقدم في بلد مثل الولايات المتحدة ، لكن الحال في عالمنا العربي مختلف ، فالدورة بطيئة بطبيعة أمور وتعقيدات كثيرة ، ونحن بالكاد على أعتاب محاولة تسريع جادة لدوران السيولة ، ومن هنا كثر الحديث عن الشمول المالي ومنح حق النفاذ إلى التمويل للجميع ، وإتاحة التعامل مع البنوك بيسر لكل مواطن قدر المستطاع .

لقد شاركت مؤخرا في ندوة  فاتحة للشهية حول التخصيم ، وعرفت فيها ما أود أن أنقله الى القراء الأعزاء ، فالنشاط يبدأ بالكاد في مجتمعاتنا وملايين التجار أو الحرفيين أو المنتجين أو الموردين الصغار والمتوسطين -الذين هم هدف التخصيم الأول- لا يعرفون عنه الكثير ، رغم أنه يمكن أن يكون الباب الملكي لتغيير حجم أعمالهم.

التخصيم هو خدمة مالية تمكن من الحصول على النقد بطريقة سريعة ، عن طريق بيع الأوامر المالية المؤجلة الدفع لشركة التخصيم ، وهو ليس قرضاً إذ إنه لا يمول عمليات البيع والشراء ، وشركة التخصيم تحصل الهامش الخاص بها من المورد بما يجعل التكلفة على الزبون أعلى قليلا من قرض البنك ، غير أن شركة التخصيم تنهي الإجراءات أسرع بكثير وبأقل مستندات ، وتقدم خدمات أخرى مهمة للزبون ، كما أن طريق البنوك صعب على الشركات دون المتوسطة والصغيرة بالأصل.

في الندوة -التي نظمتها الجمعية المصرية للتخصيم مع شعبة المحررين الاقتصاديين بنقابة الصحفيين مع المعونة الألمانية - نوه جمال محرم - رئيس الجمعية الشغوف بكل ما هو مستقبلي ، الى أن «الجمعية» تأسست منذ سنة ونصف ، وأن بمصر 8 شركات تعمل في مجال التخصيم ، وهم كأي شركات في مجال التمويل غير المصرفي يخضعون لرقابة هيئة الرقابة المالية مع سوق المال والتأمين والتأجير التمويلي والتمويل متناهي الصغر. قال إن ثمة أربع شركات جديدة توشك أن تدخل المجال مع عناية متزايدة من البنوك وبنوك الاستثمار بالدخول في هذا الحقل الاستثماري الواعد . الطريف أنه ذكر أن إحدى الشركات القائمة تقوم بتخصيم الأوراق المالية (الفواتير والشيكات والكمبيالات) لحساب شركات توزيع سيارات يملكها نفس مالك شركة التخصيم ! .( أمر غريب لكنه منطقي) . هناك شركات تخصيم عبر الحدود أي غير محلية تقوم بضخ سيولة إلى المصدرين ، وتأخذ هي أوراق القبض الخاصة بهم ، وتحصلها ، وكل ذلك مقابل عمولة بالطبع ، والأهم أن شركات التخصيم العابرة للحدود لابد أن تكون مسجلة لدى الاتحاد العالمي للتخصيم ، وتتبادل الشركات التي تخدم المصدرين، الخدمات ، والمعلومات ، مع الشركات التي تخدم المستوردين لنفس الصفقات ، وذلك لجعل المخاطر أقل ما يمكن . أيضا فهناك تخصيم مع شرط العودة الى الزبون إذا ظهر أن المنوط به الدفع (المشتري) غير قادر على السداد ، بيد أن هذا النوع غير مفضل وتسعى الشركات عادة الى تخصيم بدون عودة الى الزبون عادة . وهناك تخصيم عكسي أي تمويل البائع قبل أن يبيع الصفقة ، ويعد ذلك بمثابة قرض اكثر منه تخصيما . ويتيح القانون لشركات التخصيم الاطلاع على الأوضاع المالية للعميل ، ويشترط أيضا أن يكون لكل شركة ظهير بنكي ، ويراجع البنك الظهير عمليات الشركة حالة بحالة ، ومع ان ذلك تزيد ، لكنه بمثابة صمام أمان خاصة في بدء النشاط ، وخاصة أيضا أن البنوك يمكن ان تقرض شركة التخصيم الى حدود عشرة أمثال رأس مالها بينما لا تقرض الشركات العادية الا بواحد إلى اثنين أو ثلاثة من رأس مال الزبون، وعليه فمن حق البنك أن يتأكد من سلامة عمليات المقترض بهامش (مارجن).

وقد طالب جمال محرم وخبراء ماليون وقانونيون حضروا اللقاء ، بسرعة إصدار قانون التأجير التمويلي والتخصيم الموجود بمجلس الدولة حاليا لكي يحقق هذان النشاطان انطلاقة تتناسب مع ما هو مطلوب في الأسواق ومع ما تقوم به دول شبيهة بمصر في هذين المجالين ، مذكرين بأن عدد شركات التخصيم ثماني أي أقل من الموجود في إسرائيل (10) ونحو عشر شركات في تركيا (66) كما انه لا يوجد استثمار عربي أو أجنبي حتى الآن في هذا النوع من التمويل غير المصرفي ولكن صدور القانون المنظم للنشاطين سيدفع التطور بقوة ، وأكد الخبراء أن الشركات الحكومية الدائنة والصحف القومية والصحف الخاصة وكل كيان له حقوق غير محصلة ويحتاج الى السيولة يمكن ان يستفيد من التخصيم فالأخير يشتري الفواتير من البائع ويسدد له ما يصل الى٩٠% من قيمتها في وقت قصير ثم يتولى لاحقا تحصيلها. وقالت الدكتورة علياء سليمان الخبيرة المصرفية وخبيرة التمويل غير المصرفي  أن التخصيم يخدم بشكل خاص الشركات الصغيرة والمتوسطة وعددها بالملايين كما أنه يساعدها في حل مشاكلها التنظيمية والمحاسبية والإدارية لكن الوعي بالتخصيم لا يزال محدودا جدا كما أشار علاء جودة - الشركة المصرية لضمان الصادرات - أن نسبة تخصيم الصادرات لا تزيد عن ١١ %  من إجمالي النشاط في مصر لكنها تصل في العالم الى نحو ٣٧ /‏‏  وعلق جمال محرم رئيس الجمعية بالقول إن التخصيم لا يزال في بدايته في مصر وقد استطاع في نحو عام ونصف أن يشق طريقه رغم الصعوبات وتوقع أن يختلف حجم النشاط تماما في غضون سنوات قليلة من الآن ، فالتاجر في مصر يعرف أن « القرش صياد» - أي أن السيولة الحاضرة تقتنص الفرص - و التخصيم يمكن أن يجعله ينمو بقوة ويقتنص المزيد من الفرص وهكذا الحال مع المنتج الصغير ومن هنا فمعرفتهم بالتخصيم ستغير تفكيرهم التمويلي ، وتزيد من سرعة دوران الأموال ، ما ينعكس على الناتج والإنتاجية ، لكن الشركات الكبيرة عادة ما تعمل مع البنوك .

ثمة عوائق أمام النشاط لا تخطر على البال فتخصيم الصادرات لا يزال رقما صغيرا لأن  جهة دعم الصادرات تشترط أن تدخل الحصيلة إلى حساب الشركة المصدرة مباشرة ، لتحصل على الدعم المستحق ،  وفي حال نشاط التخصيم فإن الحصيلة تدخل أولاً لشركات التخصيم ثم للشركات نفسها ، ومن أمثلة التعثر التي ظهرت بخاصة بعد تعويم العملة شركات الورق ، حيث زاد سعر الورق بعد التعويم ، حيث فعجز زبائن عن السداد.

في كل الحالات، المجال واعد وقادم لا محالة ، فالفجوة بين مصر وبين غيرها رهيبة ، وحجم السوق في مصر الآن نحو ربع مليار دولار في العام بينما في تركيا 33 مليار دولار وهذا مثل .