أفكار وآراء

ليبيا.. بين مؤامرة التقسيم أو الانتكاسة العسكرية

02 يناير 2018
02 يناير 2018

أحمد إبراهيم عامر -

«يرى محللون أن خطاب المشير حفتر أكسبه استمرار تصاعد شعبيته، ولكنه في الوقت نفسه بدا مختلفا عن رؤية عدد من الدول الصديقة له وعلى رأسها مصر وفرنسا لتستمر الأزمة الليبية في التصاعد»

عامان على توقيع الاتفاق السياسي الليبي الذي شهدته مدينة الصخيرات المغربية برعاية أممية وانتج المجلس الرئاسي، ولا يزال الجميع غير متفق على شكل وعدد أعضائه، وأربعة مبعوثين للأمين العام للأمم المتحدة تعاقبوا على الملف الليبي في محاولة لفك طلاسم التشابك والتجاذب السياسي، آخرهم المثقف اللبناني غسان سلامة، ولم يفطن الجميع إلى أن ما تمر به ليبيا ليس صراعا محليا فقط للتنافس على السلطة، بل هو أعمق ويزداد تعقيداً بالتدخلات الخارجية والصراعات الدولية والإقليمية.

فالدولة النفطية التي تمتد على ثلث الشاطئ الإفريقي على البحر الأبيض المتوسط في مواجهة أوروبا والتي تعد من أكبر احتياطيات النفط العالمي بجانب اكتشافات الغاز التي تبشر بمليارات الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي تصنع حولها صراعا اقتصاديا بين شركات النفط العالمية، فنجد التنافس بين توتال الفرنسية وايني الإيطالية يدخل الحكومتان، الفرنسية والإيطالية، في تنافس لدعم أطراف على حساب أطراف أخرى، وفى الوقت التي تسعى فيه روسيا لتجديد تحالفات قوية بالمنطقة نجد الولايات المتحدة لها نهج لدعم أطراف أخرى. في حين تشتد الحرب والتصدي لها من قبل مصر في سيناء تقوم القاهرة وأبوظبي والرياض بدعم وجود مؤسسات للدولة الليبية وعلى رأسها الجيش الذي يعتبر صمام أمان للأمن القومى المصري لحدوده الغربية، يقابل هذا التحالف لإفشاله تحالف آخر أطرافه معروفة بدعم مباشر للجماعات الإرهابية وعدد من جماعات الإسلام السياسي.

وفى ظل هذا التشابك والصراع الدولي الشرس بدعم أطراف أمام أطراف أخرى، واستمرار المجتمع الدولي باسم الديمقراطية والإنسانية بحظر تسليح الجيش الليبي على مدار أربع سنوات، من مواجهته للإرهاب ودفع جنود وشباب ليبيا للثمن الباهظ، حيث تم استشهاد أكثر من ستة آلاف وإصابة اثني عشر ألفا آخرين ليحقق معجزة عسكرية بكل المقاييس الفنية والاستراتيجية بالانتصار وتحرير مدن بالكامل من قبضة الآلاف من مقاتلي تنظمات «داعش» و«القاعدة» و«أنصار الشريعة» الإرهابية.

لتتغير الخريطة الجغرافية في ليبيا، ويتم دحر الإرهاب بالكامل من المنطقة الشرقية، ما عدا مدينة درنة الصغيرة التي يحتضنها الجبل فهي لا تزال تحت سيطرة ميليشيات «أبوسليم» التابعة لتنظيم «القاعدة»، واستمر الجيش الوطني الليبي في تحقيق التقدم العسكري بالسيطرة على الموانئ والحقول النفطية بالوسط الليبي، والسيطرة على جميع القواعد العسكرية بالجنوب، وإعلان عدد من القبائل والمدن بالمنطقة الغربية، عبر مجالسها العسكرية، تبعيتها للمؤسسة العسكرية، وليصبح قوات الجيش الليبي بقيادة القائد المحنك المشير خليفة حفتر على مشارف العاصمة طرابلس من الناحية الغربية ومن الجنوب. وبدا المشهد يقرأ أنها أيام أو أسابيع لدخول الجيش العاصمة خاصة بعد نجاح ملحوظ لاجتماعات القاهرة لتقريب وجهات النظر بين عسكريين وقادة بالمنطقة الغربية والقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، وترجم هذا المشهد خلال الأشهر الماضية بإعلان المبعوث الأممي غسان سلامة نيته فتح بنود الاتفاق السياسي، وأبدت لجنة الحوار والبرلمان وكل المنغمسين في الشأن السياسي الليبي حتمية تغيير بعض بنود الاتفاق السياسي وإعادة تشكيل المجلس الرئاسي ليتكون من رئيس ونائبين فقط بدلا من تسعة أعضاء. وبدأ الحديث والاجتماعات عن أشكال وأسماء القوائم للمجلس الرئاسي. وبعد أن بدأ الجميع في النظر باتجاه توحيد مؤسسات الدولة وإعادة صياغة الاتفاق السياسي وتشكيل مجلس رئاسي جديد. يقرر الرئيس الأمريكي قلب الموازين والدخول بكل ثقل الولايات المتحدة الأمريكية ليدعم استمرار فايز السراج ومجلسه الرئاسي ممثلا وحيدا للدولة الليبية، وتتم مقابلته في البيت الأبيض واعتبرها الجميع إشارة بالتوجه الأمريكي الذي لن يسمح للجيش الليبي بالتقدم باتجاه العاصمة. وليبدأ ضغط إقليمي ودولي باستمرار المجلس الرئاسي في العمل وتمثيل الدولة الليبية، لحين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، على الرغم من إعلان البرلمان الليبي انتهاء عمل المجلس الرئاسي. ومن جانب آخر أعلن رئيس مجلس الدولة الاستشاري أيضا انتهاء عمل المجلس الرئاسي. خرجت جميع دول العالم تقريبا تقرر دعمها لاستمرار المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج للاستمرار في تمثيل ليبيا لأجل غير مسمى لحين الوصول لانتخابات. ليبقى عدد من التساؤلات غير المحددة من قبل المبعوث الأممي غسان سلامة، وهي كيف ستتم الانتخابات في بعض المدن المسيطر عليها من قبل ميليشيات ومن سيشرف عليها، وما الضمانات الأمنية للمرشحين خاصة بعد اختطاف ومقتل عميد بلدية مدينة مصراتة مؤخرا، بعد أن خرج بتصريحات ضد الميليشيات.

وفى ظل هذا المشهد المعقد والضغط الغربي والعربي بدعم المجلس الرئاسي، خرج المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي صباح يوم 17 ديسمبر، وهو تاريخ انتهاء الاتفاق السياسي بخطاب متلفز يؤكد تعرض الجيش وقادته لضغوط عربية وإقليمية ودولية للتعامل تحت قيادة المجلس الرئاسي الحالي، إلا أنه أعلن بشكل واضح أن الجيش الليبي لن يعمل تحت قيادة أي جسم غير منتخب من الشعب الليبي، وتحدى جميع الإرادات الدولية. وراهن القائد العام للجيش الليبي على القاعدة الشعبية في الداخل. وصرح أن الجيش الليبي يعتبر الاتفاق السياسي منتهي الصلاحية والشرعية.

كما رفض المشير حفتر «أسلوب التهديد والوعيد» كما جاء في كلمته وأكد أن الجيش ملتزم بالانصياع لأوامر الشعب فقط. ووصف الحوارات المتتالية على مدار السنوات الماضية بدءا من الحوارات التي تمت بمدينة غدامس الليبية مرورا بحوارات تونس وجنيف ووصولا لاتفاق الصخيرات وصفها جميعاً بأنها حبر على ورق. وانتظر الجميع أن تخرج مظاهرات عارمة في المدن الليبية كما حدث في مصر إبان ثورة 30 يونية، إلا أن رد الفعل الشعبي جاء أقل بكثير من المتوقع، نظرا لعدد من العوامل أهمها الخوف من تصدي الميليشيات للمظاهرات بالسلاح وهذا ما حدث بالعاصمة طرابلس، عند خروج العشرات في صباح يوم 17 ديسمبر الماضي. ومن جهة أخرى انهيار معنويات المواطن الليبي، بسبب سوء الخدمات وشح السيولة، والظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها.

ويرى محللون أن خطاب المشير حفتر أكسبه استمرارا متصاعدا في شعبيته، ولكنه في الوقت نفسه بدا مختلفا عن رؤية عدد من الدول الصديقة له وعلى رأسها مصر وفرنسا لتستمر الأزمة الليبية في التصاعد وتتجه لترسيخ أحد ثلاثة سيناريوهات:

سيناريو التقسيم، ليبقى الجيش مسيطرا على الشرق الليبي والمناطق التي استطاع تحريرها بالجنوب والغرب ويبقى المجلس الرئاسي مسيطرا على العاصمة طرابلس وبعض المدن بالمنطقة الغربية.

أو السيناريو الثاني وهو حدوث انتكاسة عسكرية بسيطرة الجماعات الإرهابية على بعض المدن الليبية مرة أخرى خاصة بعد ورود التقارير بتدفق آلاف المقاتلين الفارين من العراق وسوريا للأراضي الليبية لإعادة التمركز وبدء الهجوم مرة أخرى على مناطق ومدن بغرض السيطرة عليها.

أما السيناريو الثالث فقد يفاجئ الجيش الليبي العالم بتحرك قواته وسيطرتها على العاصمة طرابلس، وعلى الرغم من استبعاد هذا السيناريو لدى أغلب المحللين العسكريين والسياسيين، إلا أن ما حدث في عام 2014 ببدء عملية الكرامة العسكرية بـ318 ضابطا وجنديا، في مواجهة أكثر من خمسة عشر ألفا من مقاتلي الجماعات الإرهابية في بنغازي كان معجزة عسكرية بكل المقاييس، وسرعان ما التحق بهم آلاف من شباب المدن والقبائل، فهل يكررها حفتر؟!