أفكار وآراء

التعاطي الإقليمي والدولي مع تداعيات اتفاق «الصخيرات»

02 يناير 2018
02 يناير 2018

بشير عبد الفتاح -

,, منذ إطاحة المجموعات المسلحة بدعم من حلف الناتو، بحكم الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي عام 2011،انزلقت ليبيا إلى هوة الاضطرابات والانقسامات وغياب السلطة المركزية وانتشار التنظيمات الإرهابية،حتى جاء توقيع اتفاق الصخيرات قبل عامين مضيا،بمثابة طوق نجاة لليبيين التواقين إلى الأمن والاستقرار والتنمية,,

وفي العام الماضي تم بموجب ذلك الاتفاق تشكيل ما أطلق عليه اسم «حكومة الوفاق الوطني» برئاسة فايز السراج ، التي تتمركز في طرابلس وتدعمها الأمم المتحدة، لكنها تواجه صعوبات جمة في بسط سلطتها، كما تعارضها قوات تسيطر على شرق ليبيا،على رأسها «الجيش الوطني الليبي» بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي يؤيده مجلس النواب في مدينة طبرق برئاسة عقيلة صالح . وفي يوليو الماضي، تعهد الزعماء المتناحرون بالعمل على إجراء انتخابات في العام 2018 ووقف مشروط لإطلاق النار، غير أن تطورات الأوضاع لا تشي بأن أعين الليبيين يمكن أن تقر بتنفيذ تلك الوعود البراقة.

ولكن ما يسترعي الانتباه أن إعلان القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر عن انتهاء اتفاق الصخيرات قد تزامن بدوره مع سلسلة من العمليات الإرهابية التي قضت مضاجع الليبيين خلال الآونة الأخيرة ، فيما يبدو وكأنه محاولة للإيحاء بأن هذا القرار من شأنه أن يقود البلاد والعباد إلى أجواء قاتمة من الفوضى لا محاله. ففي شهر أكتوبر الماضي شهدت مدينة مصراته ثالث أكبر المدن الليبية والواقعة على بعد 200 كلم شرق طرابلس ،عملية انتحارية تبناها تنظيم «داعش» الإرهابي ، وأوقعت أربعة قتلى في مجمع المحاكم بوسط المدينة والذي يضم مختلف المؤسسات القضائية. وفي وقت سابق من شهر ديسمبر ، قامت جماعة ليبية متطرفة باختطاف وتصفية ، محمد مفتاح اشتيوي، رئيس بلدية مصراتة ، أثناء عودته من زيارة رسمية خارجية كان يقوم بها إلى تركيا برفقة أعضاء آخرين في المجلس البلدي ، كانوا قد تم انتخابهم جميعا في عام 2014 ويفترض أن تنتهي مدة ولايتهم الدستورية بحلول نهاية العام المقبل 2018.

ويحمل هذا الحادث الإرهابي الأليم في طياته رغبة جادة من قبل جهات مجهولة لدفع ليبيا باتجاه الغرق حتى أذنيها في مربع الفوضى ، محاولة الاستفادة من الحديث بشأن انتهاء المدة المخصصة لاتفاق الصخيرات والخلاف بين الطبقة السياسية حوله ، لاسيما وأن «اشتيوي» يعد أحد أبرز دعاة الحوار والمصالحة الوطنية ، كما يعد أحد أهم المعارضين لاستمرار الحرب في ليبيا ، ولطالما جاهر برفضه استمرار سيطرة الميليشيات الإسلامية على مصراتة وطرابلس ،وهو محسوب كذلك على التيار المدني في مصراتة ، ذلك التيار المعارض لسيطرة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية المقاتلة وحلفائهما من ميليشيات فجر ليبيا على المدينة، كما عُرف عن «اشتيوي» أيضا دعوته لتوحيد المؤسسة العسكرية ومركزتها تحت قيادة واحدة ، الأمر الذي أثار عليه عداء الميليشيات الباحثة عن تثبيت وضعها والحفاظ على امتيازاتها في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية.

وقد فجر مقتل «اشتيوي» موجات من الشجب والإدانة على مستويات شتى، فبينما نددت حكومة الوفاق الوطني في بيان رسمي لها بـ«عمل إرهابي غادر وجبان استهدف شخصية وطنية سخرت جهودها لخدمة الوطن والمواطنين ورمزا من رموز الاعتدال والتسامح فقده الوطن»، أدان الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا «غسان سلامة»، في حسابه على تويتر هذا الحادث المفجع والمشين في آن، إذ عبر عن عميق حزنه وصريح شجبه لاغتيال عميد بلدية مصراتة، مشيرا إلى أن «اشتيوي» كان « حريصا على مدينته وبلاده، عاملا نشطا لإرساء السلم الأهلي، ساعيا بما أوتي من قوة لتغليب لغة الوئام والوفاق».

ومثلما كان متوقعا، لم يلق إعلان «حفتر» بشأن إنهاء اتفاق الصخيرات ترحيبا من المجتمع الدولي، ففي حين شدد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ، في وقت سابق من الشهر الجاري ، على أن اتفاق الصخيرات يبقى الإطار الوحيد القابل للاستمرار لوضع حد للأزمة السياسية في ليبيا ، في انتظار إجراء انتخابات مقررة العام المقبل، استضافت تونس بعيد أيام قلائل من إطلاق المشير حفتر إعلانه المثير ،اجتماعاً ثلاثياً بمشاركة وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر ، في إطار ما وصفته الخارجية المصرية ، بآلية دول الجوار العربي الثلاثية لليبيا، بغية مناقشة المسار السياسي والوضع الأمني في ليبيا. وعقب الاجتماع الثلاثي، أكد وزراء خارجية الدول الثلاث دعمهم اتفاق الصخيرات باعتباره إطاراً للحل السياسي في ليبيا. ورحب الوزراء الثلاثة في بيان مشترك ببيان مجلس الأمن الدولي أخيراً، والمتعلق بالحالة في ليبيا، وجددوا تأكيد الدور المركزي والمسؤولية السياسية والقانونية لمنظمة الأمم المتحدة.

وبدورها أكدت وزارة الخارجية التونسية في بيان لها ، إن الاجتماع الرابع لوزراء خارجية تونس والجزائر ومصر، مثل مناسبة لتجديد الوزراء الثلاثة دعمهم للاتفاق السياسي الليبي ، باعتباره إطاراً للحلّ السياسي في ليبيا، وتأكيدهم الدور المركزي والمسؤولية السياسية والقانونية لمنظمة الأمم المتحدة، باعتبارها الراعي للحوار السياسي الليبي، والمعني بمتابعة تنفيذ بنوده وتطبيق مخرجاته. كما دعا الوزراء كل الأطراف الليبية إلى إعلاء المصلحة الوطنية للشعب الليبي، وتغليب لغة الحوار والتوافق، بما يسمح بتنفيذ «خطّة العمل من أجل ليبيا»، التي اقترحها الممثّل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا «غسّان سلامة»، بشأن إنهاء المرحلة الانتقالية في أقرب وقت ، وفي أجواء سلمية تسمح بإنجاز الاستحقاقات الدستورية والتنفيذية، وتوفير المناخ الأمني والسياسي الإيجابي لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية. واعتبر الوزراء أن الحلّ السياسي يجب أن يكون ليبياً ونابعاً من إرادة وتوافق كل مكوّنات الشعب الليبي، دون إقصاء أو تمييز ، وأهمية توحيد كل المؤسسات الوطنية الليبية بما في ذلك مؤسسة الجيش الليبي.

من جانبه، كان رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة ، قد استبق كلمة حفتر وإعلانه الصادم ، بحثّ جميع الأطراف على الإنصات لأصوات مواطنيهم ، والامتناع عن القيام بأي أعمال يمكن أن تقوض العملية السياسية، موضحاً أن الانتخابات الحرة والنزيهة تبشّر بعودة الحياة المؤسسية والسياسية في ليبيا إلى مجراها الطبيعي ، ومن شأنها أن توفر للشعب الليبي غاية ما يرغب فيه، ألا وهو شفافية الحكم ومستويات معيشية لائقة وحياة كريمة . وأضاف «سلامة» أن القصد من هذه الخطة في جميع مراحلها هو تهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، مشيراً إلى حرص البعثة الأممية على تقديم الدعم الفني اللازم إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وهي تحاول بشكل مكثف إيجاد الظروف السياسية والتشريعية والأمنية المناسبة للانتخابات المقرر إجراؤها قبل نهاية عام 2018.

وبينما ينحصر تعاطي الدول الأوروبية مع المسألة الليبية في الهواجس الأمنية والاقتصادية المتعلقة بقضايا اللجوء والهجرة غير الشرعية ، استنكرت حكومة السراج التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء التشيكي التي أعلن خلالها اعتزامه إرسال عسكريين إلى ليبيا في إطار جهود وقف تدفق المهاجرين عبرها إلى دول أوروبا الجنوبية، بحسب ما أوردته دورية «جينز» البريطانية المتخصصة في شؤون الدفاع . وأعربت وزارة الخارجية بالحكومة عن استغرابها من تصريحات رئيس الحكومة التشيكية، وأكدت في المقابل سيادة دولة ليبيا واستقلالها ووحدة أراضيها، ورأت أن التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية يقتصر فقط على المساعدة اللوجيستية والاستخباراتية، وفقاً لما تنص عليه الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الحكومة الشرعية الليبية والمجتمع الدولي.

ويبقى التأكيد على أنه لا يمكن إنهاء الأزمة في ليبيا قبل تخلى دول الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي قاطبة عن تقديم مصالحها المتعارضة على مصالح وحقوق الشعب الليبي ، وتكاتف كافة الجهود المحلية والإقليمية والدولية من أجل استعادة الدولة الليبية ،عبر إرساء دعائم القانون والدستور فى ربوعها وتطهيرها من الميليشيات التي تعيث في البلاد فسادا ، سواء تلك الراعية للإرهاب، والتي لا يمكن أن تقبل بأية حلول من شأنها أن تمكن المؤسسة العسكرية الوطنية من بسط نفوذها على مختلف أصقاع الدولة الليبية ، أو ميليشيات المال الرافضة أيضا لتمكين الجيش لأن هذا التمكين سيفضى إلى وضع نهاية لأنشطتها المشينة من تهريب وتجارة غير مشروعة، أو حتى ميليشيات الإرهاب المؤدلجة المدعومة ماليا وتسليحيا من أطراف خارجية ،لا تزال تصر على البحث عن مصالحها فقط ولا تكترث بمستقبل ليبيا أو مصالح شعبها وتطلعات مواطنيها المشروعة نحو الوحدة والحرية والتنمية والاستقرار.