أفكار وآراء

خيـارات معقـدة .. للـمقـاومــة الفلسطيـنـيـة

02 يناير 2018
02 يناير 2018

أشرف أبوالهول -

,, رغم التباين الكبير في حدة تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( أبومازن) وأركان السلطة الفلسطينية من ناحية والفصائل الفلسطينية خاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي من ناحية أخرى على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل إلا أن المحصلة النهائية على الأرض واحدة,,

فقد امتنعت الفصائل عن الرد عسكريا على القرار ولم تطلق رصاصة واحدة تجاه قوات الاحتلال الإسرائيلي بينما لم يصدر قرار رسمي من السلطة الفلسطينية بقطع العلاقات مع واشنطن أو الوقف النهائي للتنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، ويبدو أن السلطة والفصائل يعولان على شيء آخر وهو رد الفعل الجماهيري، على أمل أن يتطور لانتفاضة شاملة. ويمكن بسهولة ملاحظة أن السلطة والفصائل تدفعان المواطنين الفلسطينيين لمواصلة تظاهراتهم الاحتجاجية الرافضة لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أن تبقى سلمية وبمشاركة شعبية واسعة ، وعدم الانجرار الى مربع العنف الذي تريده إسرائيل ، مستفيدين من دروس التجربة المريرة في الانتفاضة الثانية عندما استغلت إسرائيل عسكرتها لتدمر الضفة الغربية وتقضي على سلطة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبوعمار ) بينما نجحت الانتفاضة الأولى لأنها كانت سلمية ولم يستخدم الفلسطينيون فيها سوى الحجارة للرد على رصاص الاحتلال مما دفع العالم للتعاطف مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .

وحتى لحظة كتابة هذه السطور فإن الأمر لم يتطور لشكل الانتفاضة الشاملة الذي تريده السلطة والفصائل رغم سقوط أعداد غير قليلة من الجرحى والشهداء في المواجهات التي تتم علي خطوط التماس بغزة والضفة الغربية والقدس المحتلة ، ولذلك نجد أن حماس بشكل خاص تحاول تشجيع المواطنين على المزيد من المشاركة في المواجهات مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، أو حتى في غزة، خاصة أيام الجمعة وقامت باستغلال احتفالها المركزي في غزة يوم الخميس الماضي بذكرى انطلاقتها لإلهاب مشاعر المواطنين للانتفاض على الاحتلال، بينما امتنعت هي تنظيميا ورسميا عن الدخول على خط المواجهة ، وهو ما جعل الكثيرين يتساءلون عن مبرر وجود جناحها المسلح «كتائب القسام »، وفائدة ما يمتلكه من سلاح وصواريخ وأنفاق هجومية إذا لم يستخدمها لنصرة القدس .

وزاد اندهاش الكثيرين بعد أن رأوا حماس وهي تمتنع حتى عن الرد على قصف طائرات الاحتلال لمواقعها في غزة، ردا على قيام فصائل صغيرة منشقة بإطلاق قذائف وصواريخ تجاه مستوطنات غلاف غزة ، واكتفت كتائب القسام بتهديد الاحتلال بالرد على غاراته الأخيرة على القطاع ، وقالت إن «دماء شهداء الشعب الفلسطيني وشهداء القسام لن تذهب هدرا» ، وإن الاحتلال «سيدفع ثمن كسر قواعد الاشتباك مع المقاومة» في غزة، ويبدو أن موقف حماس يخالف موقف إيران الداعم العسكري الرئيسي لها حيث كشفت وكالة «تسنيم » الإيرانية للأنباء النقاب عن ان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني اتصل هاتفيا بقائد «كتاب عزالدين القسام»، الجناح العسكري لحماس، وقائد «سرايا القدس» الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في غزة، عارضا «استعداد إيران لتقديم الدعم الشامل لقوات المقاومة الفلسطينية»، وفقا لقول الوكالة والتي أردفت قائلة : إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني أكد أيضا استعداد « سائر فصائل جبهة المقاومة في المنطقة للدفاع عن المسجد الأقصى»، ومع ذلك لم يتغير موقف حماس وما زالت تلتزم ضبط النفس وتنتظر موقف الشارع الفلسطيني .

ومن الواضح أن إسرائيل تنظر بقدر كبير من الارتياح لموقف حماس والجهاد الإسلامي، وتعتقد أن الصواريخ التي تعرضت لها مستوطنات غلاف غزة منذ قرار ترامب وحتى الآن تطلقها تنظيمات سلفية مارقة تعيش حالة من الصدام مع حكم حماس، ولديها رغبة في إثارة الاستفزازات والتسبب في مواجهة كبيرة بين غزة وإسرائيل؛ وأن حماس نفسها تحاول كبح إطلاق الصواريخ خشية التصعيد. وترد إسرائيل من جانبها ردودًا فورية ولكنها محدودة، مرة بإطلاق قذائف دبابات ومرة بقصف من الجو تستهدف مواقع عسكرية لحماس لتدفعها لممارسة المزيد من الضغط لمنع إطلاق مثل تلك الصواريخ ، وإن يكن مستوى الردود تشتد حدته من صاروخ لآخر.

وعلي الجانب الرسمي الفلسطيني فقد كان رد الفعل الأول للرئيس أبو مازن على قرار ترامب مخيبا لآمال معظم الفلسطينيين لأنه افتقد للحدة والشدة ولكنه عاد وقام بتغليظ لهجته خلال كلمته في مؤتمر القمة الذي استضافته تركيا لمنظمة التعاون الإسلامي حول القدس إلا أن الأمر اقتصر على لغة الخطابة فقط والتهديد بحل السلطة ومراجعة اتفاق أوسلو ، ولم يتحول إلى واقع علي الأرض ، ماعدا ما يتعلق برفض استقبال مايكل بنس نائب الرئيس الأمريكي عندما كان مقررا أن يزور المنطقة هذا الأسبوع ، وبدا واضحا أن السلطة تدعم الاحتجاجات الشعبية الميدانية، ولكنها في الوقت ذاته تواصل العمل في المحافل الخارجية عن بدائل للرعاية الأمريكية لعملية السلام من جهة، وعن اتفاق «أوسلو» الذي بات يعتبره أغلبية الفلسطينيين منتهيا بعد أن دفعوا بسببه أثماناً باهظة من حقوقهم المشروعة من جهة ثانية .

وبخلاف التجارب السابقة لحراك الشارع الفلسطيني ، تحظى المواجهات الحالية بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال بدعم رسمي فلسطيني. وقال أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح ماجد الفتياني : إن الحركة استنفرت كل طاقاتها في محافظات الوطن كافة، إلى جانب فصائل العمل الوطني والإسلامي، لمواجهة القرار الأمريكي ، وفي نفس السياق، قال محمد أشتيه عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»: ان السلطة الفلسطينية ستعكف في الأيام القليلة المقبلة على إعادة النظر في اتفاق أوسلو للسلام، كرد على قرار ترامب. وأضاف ان مدينة القدس هي جزء من قضايا الحل النهائي، واعتراف الرئيس ترامب بها «عاصمة لإسرائيل» أخرجها من ذلك. وأشار اشتيه إلى أن «المفاوضات بشكلها السابق قد ذهبت إلى غير رجعة، وأن المسار السياسي والصفقات الكبرى التي تحدث عنها ترامب تبخرت بإلقائه القدس في الحضن الإسرائيلي».

بدوره، قال رئيس اللجنة السياسية في المجلس التشريعي الفلسطيني ، النائب عن حركة «فتح»، عبدالله عبدالله، إن «إسقاط الولايات المتحدة مدينة القدس من مفاوضات الحل النهائي، والاعتراف بها كعاصمة لدولة إسرائيل، يعطينا الحق أن نعيد النظر في الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمت تحت مظلة الإدارات الأمريكية المتتالية، ومنها تعديل بنود اتفاق أوسلو للسلام، بغرض رسم خريطة طريق جديدة في عملية التسوية، للوصول لإقامة الدولة الفلسطينية» .

وكشفت المصادر الفلسطينية النقاب عن أن الرئيس أبومازن يرفض العودة إلى المفاوضات بشكلها الثنائي القديم، برعاية أميركية منفردة، ويريد بدلاً من ذلك رعاية دولية، على غرار آلية(5+1) التي توصلت إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني».

وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، إن القيادة الفلسطينية ستبحث خياراتها إزاء قرار ترامب بشأن القدس، بما يشمل مناقشة الرعاية الدولية البديلة للدور الأمريكي، إضافة إلى بحث صيغ سياسية جديدة لما بعد المرحلة الانتقالية وما سيترتب عليها من التزامات. ورحب مجدلاني بـ «أي مبادرة ستقدمها الصين لرعاية العملية السياسية»، مشيداً بموقف بكين «المعتدل النزيه غير المنحاز لإسرائيل»، تعقيباً على إعلان وزير خارجية الصين استعداد بلاده لاستضافة مؤتمر سلام نهاية العام، كما أبدت السلطة اهتماما بالأنباء التي تتحدث عن وجود تحركات فرنسية لاستصدار قرار أوروبي باعتبار اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل كأنه لم يكن ..

ورغم أن كافة الأطراف الفلسطينية تقريبا ماعدا القوي الأكثر تشددا غير معنيين بأي عمليات عسكرية مباشرة ، علاوة على رغبة السلطة في الإبقاء على شكل من أشكال العلاقات سواء مع واشنطن أو تل أبيب، وعجزها عن مجرد التلويح الجدي بحل نفسها وإلغاء أتفاقيات أوسلو، والاكتفاء مثل حماس بدفع الشارع لتحريك الأوضاع من خلال انتفاضة سلمية، قد تدفع العالم الخارجي للعمل الى الإسراع بإنشاء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، إلا أن الأوضاع تظل عرضة لأي تطورات غير محسوبة خاصة مع صعوبة السيطرة على الشارع الفلسطيني والشبان الغاضبين مثلما حدث في الانتفاضة الثانية ، خاصة إذا نجحت الفصائل الراديكالية الصغيرة في ركوبها وعسكرتها بشكل يدفع إسرائيل لعدوان كبير على غزة أو حتى الضفة الغربية.