randa2
randa2
أعمدة

عطر : ماذا خسرنا ؟

03 يناير 2018
03 يناير 2018

رندة صادق -

[email protected] -

في عالم لا يجيد الحياة بل يسير فيها وكأنه يتحرك في دوائر مغلقة، لا يفهم ما الذي يحدث هنا أوهناك؟ يغالي في كل شيء، يغالي في الفرح والبكاء والعويل، والفعل وردات الفعل، يصنع الندم ويكرس الألم، غاضب وحائر، متمرد وثائر، متناقض حد انه لا يصدق حتى نفسه، منهك من التاريخ وتفاصيله الملتبسة، مستنزف في أحلامه خائف من المستقبل وما يحمله، مرتعب من سباق الحياة، وفكرة الخروج السريع من دائرتها.

يسير مع السائرين كأنه في مولد مليء بالوجوه التي يظن أنّه يعرفها، ولكن في الحقيقة هو يدور بين الغرباء ويمارس اقصى درجات الغرابة، ويستهجن المكان والزمان، معلنا براءته من المشهد بأكمله، مستنكرا، شاجبا، وأحيانا لاعنا، كل هذا لاشيء أمام تكرار كل عام من عمره المختزل بدورة السنوات، المرتبط بحركة الفلك وتأثيرها على مجريات الطبيعة والبشر.

كل هذا الكلام يبدو رأيا لا يخضع لمنطق الأمل والتفاؤل، الذي يتمسك به البشر، والذي يجعلهم في كل يوم يعقدون النية على صناعة نهار مختلف المعايير، ويحلمون بسحر جديد وتغيير يفوق قدراتهم على التصديق، يترقبون ربحا بلا عمل، وحبا بلا جدل وجمالا بلا تعب، ونجاحات مبهرة بلا جهد أو تعب، يتبادلون التهاني والتبريكات، يغزون ساحات العواصم في ليلة القمة ليشهدوا على ولادة عام من عمر الحياة، يهتفون ويرقصون على نغمات آمالهم، يتضرعون للأمل راجينا أن لا يخيب ظنونهم وأن يسير وفق توقعاتهم لا وفق قوانين الفيزياء والكيمياء والقدر والمصادفات، ويتجاهلون ان الغد ليس إلا الامتداد المتراكم للأيام والسنوات، وان أول يوم في العام كآخر يوم، لن نصبح أفضل أو أجمل ولن نغرق في عشق يُبرق ابتسامتنا رغم فرضية ان يحدث لبعضنا، ولن تقل النزاعات، فالتغيير في حياتنا ليس أمنية نسرها في الليلة الأخيرة من السنة، لماض يرحل كما جاء، دون منهجية واعية تفهم معنى الحياة وجمالياتها المحكومة بكل هذه المتناقضات .

مع صباح اليوم الأول من العام لن تكوني أجمل عزيزتي، ولن ترتفع أسهم جاذبيتك وتأثيرك في من حولك، مع صباح اليوم الأول لن ترتفع معدلات وسامتك سيدي ولن تتكرر حكايات الرجولة التي لا تقاوم والبطولة التي لا تنسى، مع صباح اليوم الأول سيبدأ نهار له نفس الدهشة التي عشتها في كل الأعوام السابقة، ستفتح التلفاز لترى الناس في كل أنحاء العالم تهتف Happy new year وترى كم خسر العالم من أموال في الأسهم النارية وأي مباراة من الضوء والموسيقى والصخب شهدتها الأرض؟، سيتحدث الإعلام عن أفضل ساحة وأفضل إضاءة، ولكن في الحقيقة أيها السادة لا احد يدرك ماذا خسرنا؟

العالم الاستهلاكي تمكن من إنتاج وعي جماعي أكبر من مجتمعاتنا وخصوصيتها، نتجزأ منه المشهد براحة ضمير، وننسى أن في الدائرة التي ندور بها قد سحقنا أمنيات العام السابق ونسينا خيباته ونجاحاته، وأننا ندخل العام الجديد ككلّ عام من أعمارنا، ونحن نحمل في جعبتنا جملا مثقلة بالأمنيات والأماني والأحلام، ووعودا نطلقها على أنفسنا تؤكد أننا مع بداية العام سنصنع التغيير الأكبر وسنحقق المستحيل، وأننا سننهض من كبوتنا الفكرية لنصبح أكثر إنسانية، ونرفع لواء العدل في دائرتنا الصغرى والكبرى.

أيها العالم سأصدمك: خسرنا أمنيات لنستبدلها بأمنيات أخرى، أطعمنا للنار ذاكرتنا ونثرنا مع الريح خيباتنا، استبدلنا الماء بالماء، وظننا أننا كالأنبياء ستكون النار علينا بردا وسلاما.

لن يتغير شيئ مع العام الجديد، فالتغيير الحقيقي يكون في تراكم التفاصيل الصغيرة المتغيرة، فنحن لم نسمع عن الأماني التي تلد التغيير، لكن حتما الإرادة الواعية قادرة على فرض التغيير، وداعا لتلك الأماني وأهلا وسهلا بأمنيات العام الجديد .