الملف السياسي

إجماع دولي يدعمه الفاتيكان حول القدس

01 يناير 2018
01 يناير 2018

فالح حسن الحمراني - كاتب عراقي يقيم في موسكو -

[email protected] -

نَجَم قرار الرئيس رونالد ترامب في 6 ديسمبر 2017 بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، عن تبعات قانونية تاريخية خطيرة وسوء تفاهم وهوة بين واشنطن وحلفائها من مختلف المحاور، وشدد النزعات المناهضة للولايات المتحدة أو المشككة بمصداقية أهدافها بنشر الديمقراطية والحرية وإرساء العدالة وإنصاف الأمم المضطهدة والمغلوبة على أمرها. وجعل القرار قضية القدس على جدول أعمال الساعة الدولي، وحرك المراكز الدينية المسيحية لتدلي بموقفها أيضا.

وكان رد فعل المنظمات الدولية وغالبية الدول على قرار الرئيس ترامب بشأن القدس قد تطور كما كان متوقعا له. فالاتحاد الأوروبي أعرب عن «الأسف والرفض» وشجبت جامعة الدول العربية هذا القرار بشدة، وبدبلوماسية اكثر اتخذت منظمة التعاون الإسلامي الموقف نفسه، وقال المستشرق الروسي خبير شؤون الشرق الأوسط فياتشسلاف ناؤومكين انه كان يتوقع ردا إسلاميا/‏‏ عربيا اكثر حدة. ومن بين المواقف الأكثر شدة تميزت فرنسا، نظرًا لعلاقاتها العريقة بسوريا الكبرى، واهتمامها بالأراضي بالأماكن المسيحية المقدس.

وقيّمت روسيا والصين قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بأنه يتنافى والقانون الدولي وسيزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، وأكد البلدان مواقفهما السابقة التي تتمثل في ضرورة أن تتم تسوية قضية مدينة القدس في إطار المباحثات الفلسطينية - الإسرائيلية حول الوضع النهائي، وعدم اتخاذ أي قرارات بشأنها. ولم تشذ عن الإجماع الدولي إلا بعض الدول التابعة للولايات المتحدة الأمريكية أو التي تطمع في استثمارات إسرائيل الموعودة.

وانضمت الفاتيكان، المركز الديني الرئيسي للدين المسيحي الكاثوليكي إلى الأطراف الدولية المعارضة لقرار ترامب، وهذا بحد ذاته عامل مهم في اصطفاف القوى الدولية حول هذا الموضوع.

وقال سفير روسيا لدى الفاتيكان الكسندر افدايف في تصريح لوكالة أنباء «نوفستي» الروسية: أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها مستقبلا من تل ابيب، أظهر تقاربا في موقف روسيا والفاتيكان حيال هذه المشكلة الدولية الحادة.

وأفاد افادييف أنه علاوة على ذلك، فإنه إذا ما تحدثنا عن وضع القدس، فمن السهل أن نلاحظ أن لدى الفاتيكان كدولة وكمركز للكنيسة المسيحية، ولدى الكنيسية الأرثوذوكسية الروسية، ولدى حكومة روسيا الفيدرالية، موقفا متقارب جدا من هذه المشكلة. موضحا أننا ننطلق من ضرورة تفعيل عملية المباحثات الفلسطينية - الإسرائيلية. خاصة أن الكلام يدور عن تسوية مصير الشعب الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية، وتسوية علاقاتها مع إسرائيل، وبالتالي بصدد وضع القدس.

وأشار الدبلوماسي الروسي إلى أن الحبر الأكبر البابا فرانتسيك قد قال مؤخرا في إحدى رسائله: إنه ينبغي أن تتمتع المدينة المقدسة (القدس) وكالسابق بوضع خاص.

بعدها شهدت منظمة الأمم المتحدة فعاليتين متتاليتين تتعلقان بقرار الرئيس ترامب. إذ عقد مجلس الأمن الدولي في 8 ديسمبر الماضي بطلب من اربع دول أوروبية ودولتين من أمريكا اللاتينية وأخريين عربيتين وإفريقيتين ومصر ومناقشة مشروع القرار الذي تقدمت به مصر في 18 ديسمبر الماضي. وتضمن مشروع القرار بأن أي فعل يتعلق بتغير وضع القدس لا يتمتع بأي قوة قانونية. وحصل مشروع القرار على 14 صوتا من بين 15 هم كل أعضاء مجلس الأمن الدولي، لكن الولايات المتحدة استعملت حق الفيتو فحالت دون مروره. وبالتالي طرح قرار مشابه على الجمعية العامة للأمم المتحدة فشجبت 128 دولة قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتجاهلت التهديدات الأمريكية. وفي كلا المحفلين لاحت الولايات المتحدة معزولة في هذا المنبر الدولة المقر. وانتقد رئيس بوليفيا ايفو موراليس بحدة قرار جواتيمالا نقل سفاراتها من تل أبيب للقدس، بعد الولايات المتحدة. إن قرار ترامب الذي وصف بالمتعجل، هو من وجهة نظر البعض تعويم للقانون الدولي، الذي كان السند الرئيسي للحفاظ على التوازن في العلاقات بين الدول. وهو بمثابة سابقة من قبل دولة كبرى ونافذة، ولاعب رئيسي في الشؤون الدولية، تشجع إمكانية تجاوز الاتفاقات والقرارات الدولية وتجاهلها، علما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت طرفا في تلك القوانين في فترات سابقة. ثمة قرارات أممية وإقليمية بشأن القدس من بينها قرار التقسيم 181 والقرار 242 والقرار 2234 لمجلس الأمن أيضا، حيث تطالب قرارات كثيرة للأمم المتحدة إسرائيل بالانسحاب من المناطق المحتلة إبّان حرب 1967، وشددت على ضرورة إنهاء احتلال تلك الأراضي. وفي ديسمبر من العام الماضي، وافق مجلس الأمن على القرار 2234 الذي ينص على عدم الاعتراف بأي تعديلات في خطوط الرابع من يونيو 1967، من بينها ما يتعلق بالقدس، عدا ما يُتفق عليه خلال المفاوضات المشتركة. وبهذا الشكل فإن دولة كبرى كأمريكا تخلت عن الإيفاء بالتزاماتها الدولية حيال هذه القضية المؤثرة على استقرار الشرق الأوسط.

من دون شك أن هوة قامت بين الولايات والعالم الآخر. وتجلى ذلك بوضوح لا يقبل الشك بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 ديسمبر الماضي على قرار يعارض قرار ترامب بشأن القدس. ورغم التهديدات الأمريكية، صمدت تلك الدول، وصوتت ضد القرار، انطلاقا من موقف أخلاقي بدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومن شعور بالمسؤولية إزاء القانون الدولي ودور منظمة الأمم المتحدة. في هذه الحالة بدت أمريكا مهزومة على الأقل أخلاقيا. وأثار قرار ترامب حراكا سياسيا على الساحة الدولية، وأصبح كموجة بحر حرّكت ما كان ساكنا على الضفاف. وضمن هذا السياق عادت القضية الفلسطينية التي كاد النسيان يغمرها، لتحتل صدارة القضايا الإقليمية والدولية مرة أخرى، وارتفعت الدعوات من اجل إيجاد تسويات عادلة وشاملة للأزمات في الشرق الأوسط، بما فيها القضية الفلسطينية.