1210501
1210501
الاقتصادية

د. ناصر المعولي: نسبة الدين العام مقبولة.. وإجراءات التعامل مع الأزمة وارتفاع النفـط أسهما في الحد من عجز الموازنة

01 يناير 2018
01 يناير 2018

كتب: حمود المحرزي -

أكد الدكتور ناصر بن راشد المعولي مدير مركز البحوث الإنسانية وأستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة السلطان قابوس أن تفاصيل الموازنة العامة تعكس استقرار الوضع المالي والاقتصادي للسلطنة بصفة عامة رغم التأثيرات الناتجة عن تراجع النفط، كما تستمر السلطنة في برامجها الإنمائية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ومراعاة البعد الاجتماعي وإيجاد مناخ جاذب للاستثمار والمستثمرين وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما تعمل الحكومة على تعزيز موقف البلاد في المؤشرات التنافسية، مشيرا إلى أن المعالجات والإجراءات الحكومية حيال الأزمة الاقتصادية الحالية والتي شملت تجويد الإنفاق العام، وتنشيط الإيرادات غير النفطية وتحسين بيئة العمل والأعمال، وإشراك القطاع الخاص في تنفيذ العديد من المشاريع الحيوية، ستنعكس - بلا شك- بشكل إيجابي على الأداء الكلي للاقتصاد حاليا ومستقبلا، وستجنب اقتصادنا الوطني مستقبلا التأثر سلبا بالتقلبات السوقية لأسعار النفط العالمية، كما أن هناك عدة عوامل خارجية ستؤثر بشكل إيجابي على أسعار النفط وبالتالي على النمو الاقتصادي على المدى القصير، وعلى سبيل المثال تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى انتعاش الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري بشكل طفيف ليصل إلى (4%) وهناك أيضا الاتفاق الأخير لأعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) على تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط بمعدل 1.2 مليون برميل يوميًا وانعكاساته الإيجابية المتوقعة على أسعار النفط وتوقعت منظمة أوبك أن سوق النفط العالمي سيكون متوازناً في عام 2018 وأن أسعار النفط الخام سوف تستقر عند حدود 60 دولارا للبرميل الواحد. وعليه من المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة نموا جيدا خلال العام الجاري، وقد أظهر الاقتصاد العماني مرونة ملموسة في التعامل مع تلك المتغيرات غير المتوقعة في سوق النفط، وتمكن من احتواء آثارها المختلفة وبشكل كبير، وهذا بالطبع يأتي كنتيجة للسياسات الرصينة التي اتبعتها السلطنة على مدى السنوات الأخيرة، حيث وضعت السلطنة استراتيجية تنموية على المدى المتوسط المعروفة بالخطة الخمسية التاسعة (2016 - 2020) تهدف إلى رفع التبعية الهيكلية للاقتصاد عبر خفض مساهمة صناعة النفط في الناتج المحلي الخام من (44%) إلى (22%)، وخفض مساهمة الغاز الطبيعي من (3.6%) إلى (2.4%). وتركز الخطة الخمسية التاسعة على قطاعات حيوية كالصناعات التحويلية والتعدين والسياحة والثروة السمكية والنقل واللوجستيات، وعليه سوف تقوم السلطنة بتنفيذ 500 برنامج وسياسة هدفها الأساسي يتمثل في تنويع الاقتصاد العماني.

واشار الدكتور ناصر المعولي الى حجم العجز المالي خلال العامين الماضي والجاري شهد انخفاضا نتيجة ما تم اتخاذه من اجراءات حكومية بالتزامن مع الارتفاع الاخير في اسعار النفط ساهم في الحد من عجز الموازنة، ورغم ارتفاع نسبة الدين العام في السلطنة الى الناتج المحلي الإجمالي لكنها تظل نسبة مقبولة بشكل عام، وتعد منخفضة نسبيًا مقارنة بالكثير من دول العالم، ففي اليابان مثلا وصلت نسبة الدين العام حوالي 248 % من الناتج الإجمالي المحلي وفي الولايات المتحدة وصلت النسبة الى 105% من الناتج الإجمالي المحلي، وما زالت المديونية العامة للسلطنة تحت السيطرة بل إنها قادرة على توفير فرص للاقتراض لتمويل العجز المالي متى ما كان ضروريًا، وهذا الأمر يعد مؤشرًا لسلامة المنظومة الاقتصادية وثقة الجهات المانحة للقروض في قدرة السلطنة على تجاوز التحديات الاقتصادية والعبور بالاقتصاد العماني إلى بر الأمان.

نظام الدعم

ومن بين أهم مع يمكن رصده في موازنة العام الحالي انه رغم أزمة النفط ما زالت بنود الموازنة العامة للدولة تعكس اهتماما بالبعد الاجتماعي للتنمية حيث تم تخصيص 100 مليون ريال عماني في موازنة 2018 لدعم الفئات المتأثرة بسبب رفع الدعم عن الوقود في إطار الحرص المستمر الذي يوليه حضرة صاحب الجلالة بالجوانب المعيشية للمواطنين، وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم. ومما لا شك فيه أن دعم الفئات المستحقة من خلال تدشين نظام الدعم الوطني لدعم الوقود سوف يعزز الأمان الاجتماعي ويحقق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع. والنظام يعد منظومة اقتصادية متكاملة تحقق التوازن بين الأهداف الاقتصادية المنشودة والأبعاد الاجتماعية المختلفة، يتفرد بأنه نظام موجه للأفراد العمانيين المستحقين فعليًا للدعم وبالتالي فإنه يرفع من كفاءة آلية الدعم الحكومي ويعيد توجيه المنافع الحكومية نحو الفئات المستحقة فعلا للدعم الحكومي بناء على المعطيات والبيانات المتوفرة مما يساهم في استمرار تدفق الإيرادات المالية للدولة وفي نفس الوقت يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز رفاهية الإنسان العماني.

وأكد ناصر المعولي انه بينما تدخل مسيرة التنمية العمانية الشاملة عامها الثامن والأربعين بثقة واعتزاز وتتطلع إلى مستقبل مشرق وأفضل بإذن الله، فإن سلطنة عمان تتطلع خلال السنوات القليلة القادمة إلى إنجاز العديد من المشاريع المهمة التي ستعمل على تنويع مصادر الدخل وتنمية الإيرادات والدفع بعجلة الاقتصاد الوطني في طريق النمو إضافة إلى توفير المزيد من فرص العمل للقوى العاملة الوطنية. ومن بين المشروعات الواعدة في قطاعي النفط والغاز مشروع «خزان» لإنتاج الغاز؛ إضافة إلى العديد من المشاريع التي تنجز حاليا في منطقة الدقم الاقتصادية في قطاعات النفط والبتروكيماويات والمشاريع الصناعية والسياحية والسمكية بجانب اكتمال إنجاز مراحل إنشاء ميناء الدقم المتوقع أن تنتهي في عام 2019، والمشاريع الجاري تنفيذها في المناطق الصناعية ومشاريع شركة أوربك في قطاع البتروكيماويات والمشاريع السياحية في رأس الحد ومسقط وجنوب الباطنة ومحافظة ظفار ومحافظات السلطنة الأخرى ناهيك عن المشاريع في قطاع الأمن الغذائي وموانئ الصيد والاستزراع السمكي والقطاع اللوجستي وغيرها من المشاريع الحيوية التي سوف تبدأ حصد ثمار بعضها في عام 2018،

وهناك العديد من النتائج الإيجابية التي شهدناها مؤخرا نتيجة جهود التنويع وتحسين مناخ الأعمال وذلك رغم الأبعاد والآثار المصاحبة للأزمة الاقتصادية الحالية، فالاستثمار الأجنبي المباشر بالسلطنة سجل فعليًا بنهاية الربع الثاني من العام الجاري ما قيمته 8 مليارات و13مليونًا و200 ألف ريال عماني وفق ما أفادت به البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. وهذا جاء نتيجة للمزايا الإيجابية التي توفرها السلطنة للمستثمرين والتي تساعد على تشجيع تدفق الاستثمارات إلى السلطنة. كما أن الحكومة تسعى بصفةٍ مستمرةٍ إلى جعل مناخ الاستثمار باعثًا على جذب المستثمرين ومناسباً للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء. فقانون استثمار رأس المال الأجنبي في السلطنة يسمح بأن يكون رأس المال الأجنبي في الشركات حتى 70% في معظم القطاعات كما تصل نسبة استثمار رأس المال الأجنبي للمشاريع التي تمثل أهمية وطنية حتى 100%. وقد أشاد صندوق النقد الدولي بالإجراءات المالية الرصينة التي تتخذها حكومة السلطنة حيال تخفيف وطأة تأثير الأزمة الاقتصادية وقال تقرير الصندوق حول آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى الصادر الشهر الماضي «إن السلطنة تبذل جهودًا كبيرة ومتواصلة لتشجيع زيادة الاستثمارات الأجنبية». وتعد المشاريع الجارية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم نموذجًا متفردًا يحتذى به في قدرته على جلب الاستثمارات الأجنبية وفي عملية تنويع مصادر الدَّخل القومي وتوفير فُرص عملٍ للعُمانيين وتدعيم قطاع إعادة التصدير ونقل التكنولوجيَّات الحديثة إلى سلطنة عمان. كما تمثّل المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم نموذجًا للتكامل الاقتصادي، حيث إنّها تجذب استثمارات أجنبية في ثماني مناطق تطوير اقتصادي وخدمي وهي: ميناء متعدّد الأغراض، وحوض جاف لإصلاح السفن ، ومناطق سياحية وصناعية ولوجستيّة، ومدينة تعليميّة، ومدينة سكنية حديثة، جميعها مخدومة بشبكة نقل متعدّدة الوسائط تشمل مطارا إقليميا وميناء متعدّد الأغراض وسكّة حديد وشبكة طرق نقل بري تربط الدقم بمحافظات السلطنة المختلفة ودول مجلس التعاون، وتُعَدُّ المنطقة الاقتصاديّة الخاصّة بالدّقم اليوم الأكبر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، كما تُصَنَّفُ ضمن المناطق الاقتصاديّة الكبرى في العالم.

وتوقع الدكتور المعولي ان الجهود الحكومية الجارية تتكامل بشكل جيد مما يزيد من نتائجها الإيجابية، وبينما يجد الاقتصاد دعما ملموسا من مشاريع التنويع الاقتصادي ومن ارتفاع أسعار النفط فإن هذه المشروعات نفسها تساهم في توفير الوظائف الجديدة وسوف تتركز الوظائف في القطاعات الأكثر إنتاجًا ونموًا، وهو ما يدعم فرص توظيف المواطنين. وحرصًا من جلالة السلطان المعظم -حفظه الله- ورعايته لفئات المجتمع المختلفة صدر العام الماضي قرار مجلس الوزراء بتوظيف 25000 من الباحثين عن عمل للمساهمة في عمليات البناء وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة ورفد المشهد الاقتصادي العماني بطاقات شابة قادرة على تحويل التحديات الاقتصادية الحالية إلى مكاسب. وسوف تسهم القوى العاملة التي سوف تدخل سوق العمل في تنشيط محركات الطلب المحلي، وتوجيه البوصلة الاقتصادية نحو النمو والاستدامة، حيث إن الثروة الحقيقية لعمان لا تختزل في مكامن النفط، بل إنها توجد في مكامن فكر الشباب العماني القادر على صنع مستقبل واعد للسلطنة. وستساهم التوجيهات السامية لتوفير فرص عمل للقوى العاملة الوطنية في معالجة الاختلالات الهيكلية في سوق العمل والناجمة عن الإفراط في استقدام الأيدي العاملة الوافدة رخيصة الأجر على حساب الفرص الوظيفية للشباب العماني. فالتوظيف بلا شك سيساهم في زيادة الإنتاجية للمؤسسات بالإضافة إلى الأثر الاقتصادي في رفع الطلب الكلي وزيادة حركة الأنشطة الاقتصادية المختلفة مما ستنعكس بشكل إيجابي على الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة.

وأشار الدكتور ناصر المعولي إلى انه على الرغم من الاختلاف في أسباب وأبعاد الأزمة الاقتصادية الحالية التي تمر بها الدول النفطية مقارنة بالأزمات الاقتصادية في الحقب السابقة ، إلا أن الجميع لديه قناعات راسخة بقدرة حكومة السلطنة على تجاوز هذه الأزمة وتحويل التحديات إلى مكاسب، فلدى السلطنة تجارب سابقة وخبرات متراكمة وإمكانيات متوفرة تجاوزت من خلالها الحكومة في السابق أزمات مماثلة كأزمة انهيار أسعار النفط في منتصف 1986 عندما وصل سعر برميل النفط دون 10 دولارات للبرميل الواحد وكذلك أزمة الأسعار في 1997والتي حدثت بالتوازي مع الأزمة الاقتصادية الآسيوية وكذلك تجاوزت السلطنة أزمة الرهن العقاري في سبتمبر 2008 وغيرها من الأزمات المالية و الاقتصادية.

وأكد الدكتور ناصر المعولي ان واحدا من أهم ملامح السياسات الحكومية الحالية هو الاتجاه الى استشراف مستقبل النمو الاقتصادي، وفي ضوء المتغيرات الجيو اقتصادية التي يشهدها العالم واستكمالا للبناء التنموي من خلال الإنجازات التي تحققت بناءً على رؤية «عمان 2020»، أطلقت السلطنة مؤخرا الرؤية المستقبلية «عمان 2040» لتستشرف المستقبل وتتطلع إلى المزيد من التطور وتحقيق الإنجازات وفق منظومة عمل شاملة وطموحة، تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي ومستشرفه للمستقبل بموضوعية ومهنية عالية لكي يتم الاعتداد بها كدليل ومرجع أساسي لأعمال التخطيط التنموي في السلطنة في العقدين القادمين خاصة أننا دخلنا الآن مرحلة الثورة الصناعية الرابعة والتي تتميز بمزيج من التقنيات التي تطمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية. وهناك - بلا شك - إيجابيات للثورة الصناعية الرابعة، تتمثل في تحقيق نسب عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية عموماً، بتخفيضها كلف الإنتاج، وبالتالي تأمين خدمات ووسائل نقل واتصال تجمع بين الكفاءة العالية والثمن الأرخص. كما أنها ستسهم في تقديم رعاية صحية أفضل للإنسان، وستختصر الكثير من الوقت في عملية التطور، وتعميم منجزاتها على العالم. إلا أنها ستفرض في الوقت ذاته تحديات اقتصادية واجتماعية وتشريعية غير مسبوقة على المجتمعات البشرية. وعليه فإن مواكبة الثورة الصناعية الرابعة تتطلب إعادة هيكلة اقتصادية شاملة، مقرونة بصياغة هيكلة اجتماعية وثقافية جديدة، حيث يرافق الثورة الصناعية الرابعة تغيّر في القيم الثقافية والاجتماعية. وستعاني منه بعض المجتمعات البشرية جراء تبعات «الثورة الصناعية الرابعة» خصوصا فيما يتعلق بالزيادة في أعداد الباحثين عن عمل بشكل كبير حيث تؤكد تقديرات خبراء الاقتصاد أن أتمتة الصناعة من شأنها أن تقلص فرص العمل إلى 50%، خاصة بين الفئات الوسطى والدنيا من الأيدي العاملة، وبحسب شركة ماكنزي الاستشارية فإن نصف الأيدي العاملة القائمة حاليا يمكن استبدالها بالآلة والتقنية. حيث ستستولي الروبوتات على (38%) من الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى (30%) في بريطانيا وعلى (35%) في ألمانيا وعلى (21%) في اليابان، ووفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي فإن سبعة ملايين وظيفة سوف تختفي بحلول عام 2020. وبالتالي وفي ظل المتغيرات المتسارعة فإن عملية الاستشراف المبكر لمستقبل الاقتصاد الوطني يهيئ الاقتصاد العماني للتكيف مع المتغيرات والمستجدات المستقبلية التقنية وغير التقنية، وعليه فإنه لا مناص اليوم من إجراء بحوث علمية ودراسات في مجال استشراف المستقبل، حيث إن دراسات استشراف المستقبل لم تعد ترفا حضاريا بل أصبحت ضرورة حتمية لمواجهة المستجدات غير المنظورة لصنع مستقبل أرحب وأفضل للجميع على هذه الأرض العمانية الطيبة.