1210060
1210060
المنوعات

سيف الرحبي يسافر عبر «صالة استقبال الضواري»

31 ديسمبر 2017
31 ديسمبر 2017

لغة فخمة ملتبسة بالشعر وسيل من الذكريات -

كتب ـ عاصـم الشـيدي -

صدر عن دار العين للنشر في القاهرة كتاب جديد للشاعر سيف الرحبي حمل عنوان «صالة استقبال الضواري» في الرحلات والأسفار، وهو امتداد فيما يبدو لمشروع بدأه الرحبي منذ سنوات في مثل هذا النوع من الكتابة. لكن يبدو اشتغال الرحبي على كتابة الرحلات والأسفار يختلف كثيرا عن كتابات مشابهة. فلا يقف الرحبي كثيرا على وصف معالم المكان، التي وإن بدت مغرية في مراحل زمنية ماضية إلا أنها فقدت ذلك البريق في ظل الشبكة العنكبوتية التي تستطيع أن تعطي القارئ أي معلومة وصفية عن أي مكان في العالم تقريبا.

وتعتمد كتابة الرحبي للأسفار والرحلات على تقنية التأمل في المكان وفي وجوه البشر، وفي واقعهم وينطلق من ذلك التأمل إلى نثر الكثير من الأفكار وربط الكثير من الأحداث ببعضها.

يضم الكتاب سبع رحلات: اثنتان إلى بريطانيا وخمس إلى شرق آسيا وبالتحديد إلى تايلاند.. لكن التقنية واحدة والتأمل هو سيد المشهد والتباس النثري بالشعر حاضر في كل الكتاب.

في رحلته الأولى إلى قرية «بريستون» في الريف الإنجليزي يستدعي الرحبي كما هائلا من الذكريات ومن التأملات في وجوه البشر وفي الفضاءات المكانية التي تتنوع بين صالات المطار وبين فضاء المقهى والغابة والبحيرة والحدائق الغناء. لكن المثير أن الرحبي يستدعي تفاصيل أول رحلة له إلى بريطانيا في ثمانينات القرن الماضي، قرن الأسئلة العربية الحائرة بين الحلم وبين مآلات الواقع، وبالنسبة للشاعر مرحلة الترحال والتنقل بين عواصم عدة بحثا عن الذات وبحثا عن الحقيقة وبحثا عن مساحة استقرار ملتبسة.

وفي وسط ذلك الاستدعاء للرحلة الإنجليزية للعمل في مجلة «الأزمنة العربية» التي أغلق مكتبها في أبوظبي وطارت بأحلامها إلى ضواحي لندن، تحضر استدعاءات لأحداث وقعت للشاعر في دمشق والكويت وبغداد.

وبحسه الشاعر المرهف لا يقف الرحبي أمام مشهد إلا ويستقرئ فيه عالمه العربي المتشظي، فحين ينظر إلى الإهانة التي ألحقتها راكبة بريطانية حسناء بعجوز من أوروبا الشرقية لدرجة أن العجوز دخلت بسبب تلك الإهانة في نوبة عصبية كادت أن تقضي عليها يستذكر حال شعوب بأكملها تعيش منكوبة ومهانة حد المحو والسحق والإبادة أمام أنظار العالم والهيئات والمؤسسات دون أن يحرك ذلك شيء فيهم.

يستذكر الرحبي أحوال المخبرين الذين كانوا يرتادون المقرات الطلابية العربية في القاهرة وجلسات المثقفين في دمشق، يستذكر أشخاصا رحلوا وأحوالا تبدلت في شكلها الظاهر لكن عمقها ما زال يعيش حالها السابق.

في الرحلات إلى مدن شرق آسيا يبدو سيف الرحبي مأخوذا بالأجواء وبالبشر وبالمشهد الخالي من التعقيدات الأوروبية التي ما زالت تعيش بقايا إمبرياليتها ووصايتها على العالم.

رغم ذلك تبقى لغة الرحبي محتفظة بسياقها المسكون بأسماء الوحوش الضارية وبنات آوى والجبال العمانية الشاهقة.. حتى العنوان لم يخلُ من هذا السياق عندما جاء «صالة استقبال الضواري» بدل صالة استقبال القادمين.

الكتاب مغرٍ للقراءة ففيه كل ما يبحث عنه قارئ الرحلات وعاشق الشعر والباحث عن اللغة الفخمة المفعمة بالجمال.