أفكار وآراء

المبادرة بتشغيل 25 ألف باحث عن عمل ... ودور القطاع الخاص

30 ديسمبر 2017
30 ديسمبر 2017

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

تشير أحدث إحصائيات الباحثين عن عمل حسب الهيئة العامة لسجل القوى العاملة لشهر أكتوبر 2017 إلى أن عدد الباحثين عن عمل بلغ 47528 باحثاً، بينهم 18093 من الذكور بينما بلغ مجموع الإناث 29435 باحثة عن عمل، وتشير الإحصائية إلى الباحثين عن عمل ما دون التعليم العام بلغ 5902 باحث، و13701 باحث عن عمل يحملون مؤهل الدبلوم العام وما يعادله، فيما وصل عدد الباحثين الذين لديهم الدبلوم الجامعي 9038 باحثاً، والمؤهل الجامعي 18745 باحثاً، بينما الباحثون عن عمل من حملة الماجستير فقد بلغ 136 باحثاً، والباحثون من حملة الدكتوراه 6 باحثين عن عمل.

ويأتي نشر إحصائية الهيئة العامة لسجل القوى العاملة في الوقت الذي تتابع وزارة القوى العاملة وضع قرار حكومة السلطنة بتشغيل 25 ألف باحث عن عمل موضع التنفيذ بالتنسيق مع معظم القطاعات الإنتاجية والخدمية الخاصة.

وجاءت مبادرة شركة تنمية نفط عمان لإيجاد 17 ألف فرصة عمل في العام المقبل 2018 وتوفير 19 ألف فرصة أخرى في عام 2019 ضمن خطة طموحة بدأتها الشركة العام الجاري وتعمل عليها بكل الإمكانات والقوة المتاحة لتحقيقها. وكانت للشركة مبادرة طموحة وكبيرة من قبل لإيجاد 50 ألف وظيفة اعتبارًا من عام 2017 وحتى عام 2020. ليس في قطاع النفط والغاز فحسب بل في القطاعات الأخرى كذلك، علمًا أن الشركة نجحت هذا العام في إيجاد 14 ألف فرصة عمل تراوحت بين التشغيل المباشر والتدريب المقرون بالتشغيل وإعادة الاستيعاب.

مثل هذه المبادرات تعزز العمل الحكومي في التعامل مع ملف الباحثين عن عمل. فإن جاءت هذه المبادرة من جهة حكومية واحدة، فإن المتوقع أن تبادر منشآت وشركات ومصالح القطاع الخاص أن تبادر وتعلن عن مبادرات مماثلة لتشغيل الباحثين عن عمل.

جدير بالذكر أن منشآت القطاع الخاص بلغ عددها (344 ألفا و43) مؤسسة مسجلة في السجل التجاري حسب رأس المال حتى نهاية عام 2016 (الكتاب الإحصائي السنوي ــ الإصدار 45 أغسطس 2017). هذه المنشآت تشغل (مليونا و926 ألفا و617) عاملا وافدا. (حسب مؤشرات سوق العمل نوفمبر 2017 ــ وزارة القوى العاملة). وأن المنشآت الكبرى المصنفة من الاستشارية، العالمية، الممتازة إلى الأولى، والتي يبلغ عددها (342) منشأة وشركة في القطاع الخاص في السلطنة والتي يتجاوز رأس مال كل منها 5 ملايين ريال عُماني فأكثر. تلك المنشآت قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل سنويا في مبادرات ذاتية ممنهجة للتعمين والإحلال.

في السلطنة، فإن غرفة تجارة وصناعة عُمان هي المرجعية الاستشارية للمنشآت وشركات القطاع الخاص المسجلة في سجلاتها، كما هو الحال في دول العالم الصناعية الرأسمالية المتقدمة. وعند استعراض عمل غرف التجارة وواجباتها وثقلها ومدى تأثيرها في مناخ الأعمال وتوجيه أنشطة الاقتصاد وسوق العمل في الدول الرأسمالية نجد أنها أحد أهم الأعمدة الاقتصادية والموجه لأنشطتها. فمهمة الغرفة حسب نظم ولوائح عملها هي إيجاد بيئة ومناخ عمل للشركات يمكنها من أن النمو والتوسع. ومن المهام الرئيسية لغرفة التجارة إجراء الدراسات الميدانية التي توجه الشركات على أسس علمية تعزز تنافسية الشركات في المال والتخطيط المبادرة، والتوجيه. ويتم ذلك بإجراء دراسة ميدانية لاحتياجات سوق العمل من الموارد البشرية من خلال خطة عمل موجهة للشركات. (حسب النظام الداخلي لغرفة تجارة لوس أنجلوس).

المطلب الذي يتكرر ذكره أن يكون القطاع الخاص المشغل الأساس للقوى العاملة الوطنية، الذي لم يتحقق بعد، يمكن مناقشته في ضوء المبدأ الذي يعتبره القطاع الخاص أساسا لوجوده وضمانا لتطوره وهو تعظيم الأرباح ومصدره خفض التكاليف الكلية للعمليات الإنتاجية أو تقديم الخدمات وذلك مصدره تشغيل القوى العاملة الوافدة في مختلف منشآته بأجور أقل. هذا الواقع دأب عليه القطاع الخاص لأكثر من أربعة عقود في السلطنة. فبالرغم من الجهود الحكومية في تطبيق خطط التعمين والإحلال خلال العقود الماضية فإن نسبة القوى العاملة الوطنية في منشآت القطاع الخاص إلى الوافدة فقط 25%.

وهنا لا بد من التذكير بأن معظم أرباح منشآت القطاع الخاص مصدره الإنفاق العام الحكومي. فإما رواتب وأجور موظفي المؤسسات الحكومية أو الإنفاق على مشاريع استكمال البنية الاساسية والتنموية. وذلك يمثل السيولة النقدية والقوة الشرائية التي تحرك الأسواق لتحقق المنشآت أرباحها. كما أن القطاع الخاص ينعم بنظام ضريبي محدود وبإعفاءات ضريبة سخية. لذا فإن القطاع الخاص يعتمد بدرجة كبيرة في أرباحه على الإنفاق الحكومي. وكما هو الحال في معظم دول العالم يبرز واجب المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية لشركات ومنشآت القطاع الخاص التي جاءت بمختلف المسميات كمسؤولية الشركات الاجتماعية، ومواطنة الشركات، العمل المسؤول، أو أداء المؤسسات الاجتماعية. وأن كل تلك المسميات تعني «جملة الخدمات التي تقدمها شركات القطاع الخاص لمجتمعاتها التي تنشط فيها وفق المعايير الأخلاقية». ومن الناحية التطبيقية فإن المسؤولية الاجتماعية للشركات تعد بمثابة واجب ذاتي تلتزم به الشركات لضمان التزامها بالقانون والمعايير الأخلاقية لخدمة المجتمع.

ولعل الرعاية السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تؤكد على دعم القطاع الخاص العماني وإسناده. ففي خطاب جلالته أمام مجلس عمان في 11/‏‏‏12/‏‏‏2012 قال جلالته: «القطاع الخاص هو احدى الركائز الاساسية في التنمية سواء بمفهومها الاقتصادي الذي يتمثل في تطوير التجارة والصناعة والزراعة والسياحة والمال والاقتصاد بشكل عام أو بمفهومها الاجتماعي الذي يتجلى في تنمية الموارد البشرية وتدريبها وتأهيلها وصقل مهاراتها العلمية والعملية وإيجاد فرص عمل متجددة وتقديم حوافز تشجع الالتحاق بالعمل في هذا القطاع.. ومن غير المقبول أن يكون هناك انطباع لدى بعض المواطنين بأن القطاع الخاص يعتمد على ما تقدمه الدولة وأنه لا يسهم بدور فاعل في خدمة المجتمع ودعم مؤسساته وبرامجه الاجتماعية وأنه لا يهدف إلا الى الربح فقط ولا يحاول أن يرقى الى مستوى من العمل الجاد يخدم به مجتمعه وبيئته ووطنه. فالدولة بأجهزتها المدنية والأمنية والعسكرية ليس بمقدورها ان تظل المصدر الرئيسي للتشغيل. فتلك طاقة لا تملكها ومهمة لن تقوى على الاستمرار فيها الى مالا نهاية وعلى المواطنين أن يدركوا أن القطاع الخاص هو المجال الحقيقي للتوظيف على المدى البعيد». من هذا المنطلق حدد جلالته منهجا تطبيقيا للمسؤولية الاجتماعية والاقتصادية لشركات ومنشآت القطاع الخاص.

لذا فإن (342) منشأة وشركة في القطاع الخاص في السلطنة والتي يتجاوز رأس مال كل منها 5 ملايين ريال عُماني فأكثر. والتي كل منها يشغل الآلاف من القوى العاملة الوافدة، فإن بسعتها وبإمكاناتها قادرة على تشغيل الآلاف من الباحثين عن عمل سنويا وفق آلية منهجية، غير طارئة وغير مفروضة، بل واجب وطني تتبناه ذاتيا ولتكن مرجعيتها غرفة تجارة وصناعة عمان وبالتنسيق مع وزارة القوى العاملة والهيئة العامة لسجل القوى العاملة وفق آلية موثقة مكتوبة وملزمة في استيعاب أي عدد من الباحثين عن عمل الجادين، ليس فقط لتوفير فرص عمل لـ 25 ألف باحث عن عمل، وإنما لأي عدد يمكن يقدم لسوق العمل.