أفكار وآراء

مزيد من التعاون بين السلطنة واليابان

30 ديسمبر 2017
30 ديسمبر 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

لقد مضى على تأسيس العلاقات الدبلوماسية العمانية اليابانية الحديثة أكثر من أربعة عقود، بينما تشير بعض المصادر إلى أن تاريخ العلاقات بين البلدين يعود إلى أكثر من 400 عام. وخلال السنوات الأربعين الماضية شهدت

هذه العلاقات زخما كبيرا في جميع المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والاستثمارية والتجارية والثقافية والرياضية والفنية وغيرها. وقبل عدة أيام قام معالي تارو كونو وزير الخارجية الياباني بزيارة رسمية إلى السلطنة في إطار جولته في عدد من دول الشرق الأوسط. وهذه الزيارة لمسؤول الخارجية الياباني تأتي بعد 27 عاما على الزيارة التي قام به سلفه إلى البلاد، إلا أن عددا كبيرا من مبعوثي الامبراطور الياباني والمسؤولين اليابانيين الكبار قاموا بزيارة السلطنة خلال العقود الماضية ومنهم شينزو آبي رئيس وزراء الياباني السابق في عام 2014.

وخلال الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية الياباني فقد تم استعراض أوجه العلاقات الثنائية والتعاون القائم بين البلدين الصديقين في شتى المجالات، وتدارس الجانبان سبل تعزيزها وتنميتها، كما عقد معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية مع وزير خارجية اليابان الصديقة مؤتمرا صحفيا تناول فيه تلك الجوانب والتأكيد على عمق العلاقات التاريخية التي تربط السلطنة واليابان، كما تم تبادل الآراء ووجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ودعم سبل استدامة وتوطيد دعائم الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، بالإضافة إلى دعم كافة الجهود الهادفة إلى تحقيق غايات التنمية الاقتصادية المستدامة للجميع وبما يخدم الشعبين الصديقين.

لقد كان للتعاون الدبلوماسي العماني الياباني المستمر والصراحة التي يبديها الطرفان في الكثير من القضايا نتائج ايجابية وجيدة على العديد من الجوانب الأخرى التي تهم البلدين، حيث شهدت كل من مسقط وطوكيو توافد العديد من المسؤولين على المستوى الرسمي والمجتمع المدني، وتنوعت تلك الزيارات لتشمل أيضا زيارات طلابية وشبابية وثقافية. وتعتبر زيارة شينزو آبي رئيس الوزراء الياباني السابق في عام 2014 من الزيارات التي حظيت باهتمام كبير من قبل الجانبين، خاصة وأنها توجت بمقابلة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - الذي منح وسام عمان المدني من الدرجة الثانية للمسؤول الياباني، وتناول هذا اللقاء المهم مختلف أوجه التعاون القائم بين البلدين وسبل دعم وتعزيز العلاقات الطيبة بينهما بما يحقق المزيد من المصالح المشتركة للشعبين العماني والياباني الصديقين. وكانت تلك الزيارة تمثّل مقوّما دبلوماسيا جديدا عبّر عن ضرورة تعزيز الشراكة بين البلدين في كافة المجالات وعلى مختلف المستويات، خاصة فيما يتعلق بالمصلحة المشتركة في تعزيز النظام البحري من أجل استقرار خطوط الملاحة الدولية، باعتبار أن اليابان لديها أسطول بحري من السفن التجارية التي تقوم بنقل البضائع والمنتجات اليابانية إلى كافة دول العالم، فيما تشكّل دول المنطقة إحدى المناطق المهمة للتجارة الخارجية لليابان.

ومع مرور الزمن تتعزز العلاقات بين البلدين، حيث أكد وزير الخارجية الياباني مؤخرا على أن اليابان تقوم بدور مهم في الكثير من المجالات الاقتصادية والمجالات الأخرى، موضحا أن التعاون مع السلطنة يشهد تلك المجالات ومنها وجود استثمارات لشركات يابانية في السلطنة في مجال توريد الطاقة بحيث بلغت نسبتها 70% فيما بلغت الاستثمارات في قطاع المياه 30%. ويرى اليانيون بأن يتم تعزيز هذه الجوانب من خلال توقيع مزيد من الاتفاقيات الاستثمارية لتعزيز الجوانب الأخرى التي تهم البلدين، الأمر الذي سوف يساهم في تعزيز العلاقات بين المؤسسات اليابانية والعمانية والشراكة مع القطاع الخاص. كما يأمل اليابانيون بأن تتمكن السلطنة من تنويع اقتصادها الوطني واستغلال المقومات الاقتصادية للبلاد لجذب المزيد من الاستثمارات الاجنبية ومنها الاستثمارات اليابانية في إطار هذه العلاقات الحميمة بين البلدين، وأن تدخل الاتفاقية الاستثمارية بين البلدين حيز التنفيذ للمساهمة في تعزيز هذا التعاون، خاصة وأن هناك العديد من مجالات التعاون القائمة بين السلطنة واليابان تدخل في مشاريع حماية البيئة البحرية والأسماك والمجالات السياحية والثقافية وغيرها.

لقد أبدى الوفد الياباني الأخير تطلعه للمشاركة في المشروعات الاقتصادية التي تقوم بها السلطنة، خاصة في المنطقة الاقتصادية بالدقم التي شهدت خلال السنوات القليلة الماضية جذب العديد من الاستثمارات المحلية والاجنبية، الأمر الذي يتطلب الاسراع في توقيع الاتفاقيات بين البلدين لضمان مزيد من التعاون والمشاركة في العديد من المشروعات الاقتصادية التي تنوى السلطنة تأسيسها في المرحلة المقبلة. وهذه المنطقة يمكن لها أن تشكل نقطة الحراسة أيضا للسفن القادمة والمغادرة من وإلى المنطقة، خاصة وأن مثل هذا التعاون قائم بين البلدين، حيث سبق للسلطنة أن قدمت التسهيلات للعديد من الدول في هذا الإطار باعتبارها من الدول التي تقع على البحار المفتوحة التي تربط الدول المطلة على القارتين الآسيوية والإفريقية، وتشرف على مضيق هرمز بالتعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ففي الزيارة الأخيرة لوزير خارجية اليابان فقد تم الإفصاح عن مبادرات اليابان بأنها تعمل على دعم الاستراتيجية الهندية الباسيفيكية التي تهدف إلى ربط إفريقيا والشرق الأوسط والهند وآسيا حتى الساحل الغربي لأمريكا الشمالية، في الوقت الذي أبدى الوزير الياباني اهتمام بلاده بالمشاركة سياسيا في قضايا الشرق الأوسط، خاصة وإن الاقتصاد الياباني يرتبط ارتباطا مباشرا بالاستقرار والسلام في المنطقة، كما أن اليابان تلعب دورا كبيرا في تحقيق الاستقرار والأمان في الشرق الأوسط.

إن التعاون العماني الياباني لا يقتصر على هذه المجالات بل يمتد ليشمل عدة قطاعات التقنيات والاستفادة من التكنولوجيا اليابانية المتقدمة، والمشاركة في مشروعات النفط والغاز الطبيعي والمسال، وتنفيذ برامج تدريب المهندسين وإرسال خبراء لبعض الصناعات العمانية، بجانب تعزيز التعاون في مجال تطوير البنية الأساسية للكهرباء والمياه عبر تشجيع القطاع الخاص للمشاركة والاستثمار في مشروعات الطاقة والمياه، مع العلم أن هناك تعاونا تقنيا مع وكالة التعاون الدولي اليابانية (جايكا) وعدة جهات عمانية تعمل في مجال تطوير الموارد البشرية، ودعم الترويج السياحي وتطوير نظم المواصلات وغيرها من المجالات الأخرى من خلال إرسال الخبراء وتقديم المشورة الفنية. كما أن زيارات المسؤولين في البلدين تتسم دائما بالكثير من الواقعية والأهمية نظرا للاهتمام الذي تبديه البلدان لمثل هذه العلاقات. فاليابان تعتبر واحدة من كبريات القوى الاقتصادية في العالم بجانب الولايات المتحدة والصين. ومن هنا فإن فتح مجالات التعاون مع اليابان عديدة ويمكن للبلدين تحقيق المزيد من التنوع في تلك العلاقات مستقبلا لتشمل المزيد من المجالات والقطاعات التنموية الأخرى، بجانب التطور والنمو في العلاقات التجارية التي تشهدها البلدان. ويمكن للبلدان توسيع هذه العلاقات من خلال استغلال الموقع الاستراتيجي للسلطنة، حيث هناك الكثير من فرص الاستثمار في البلاد من خلال المناطق الحرة التي أنشأتها السلطنة خلال السنوات الماضية وآخرها منطقة الدقم الاقتصادية التي يمكن أن يشكل مركزًا إقليميًا حيويا للتجارة والترانزيت على خطوط الملاحة العالمية بين الشرق والغرب من جهة وبين منطقة الخليج وشرق إفريقيا والعالم من جهة أخرى.

وفي الوقت الذي تعبّر كل من السلطنة واليابان عن تعزيز هذا التعاون الاقتصادي والفني في المرحلة المقبلة، فإن كلا منها حريصة على مواصلة جهودها بالعمل مع المجتمع الدولي من أجل تحقيق السلام العالمي، وخاصة في المنطقة التي تعاني من عدة حروب، وتأمين المرور المستقر والآمن في المنطقة، وهذا ما تعبّر عنه اليابان من خلال تقديرها العميق للسلطنة في مجال التعاون في هذا الشأن، بجانب مكافحة أعمال القرصنة البحرية التي تعتبر من مسؤوليات المجتمع الدولي إيمانا من الدولتين بأهمية السلام والاستقرار في المنطقة والعالم أجمع.