1207732
1207732
المنوعات

«مَملكة الزيتون والرماد».. الأدب يُدين الاحتلال

28 ديسمبر 2017
28 ديسمبر 2017

مدحت صفوت -

ما أن يُفتح الحديث عن هزيمة حزيران (يونيو) 1967، حتى تُثار شجون عديدة وجروح وندوب لا تزال آثارها ممتدّة حتّى اللّحظة الرّاهنة، آخرها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيونيّ، وهو ما أثار موجات استنكار دوليّة، ورفضا عالميّا وعربيّا.

وبمناسبة مرور خمسين عاما على الحدث الذي تتجلّى نتائجه في بقاء الضفّة الغربية وقطاع غزّة تحت نير الاحتلال الإسرائيليّ، توقّف عددٌ من المبدعين والروائيّين العالميّين أمام تأثيرات الاحتلال، مُحاولين فضْح مُمارسات «الكيان» تجاه الفلسطينيّين والعرب.

« لم نكُن نريد أن نعمل على هذا الكتاب. لم نكن نريد أن نكتب أو نفكّر، بأيّ شكل جديّ، بإسرائيل وفلسطين». بهذه العبارة تبدأ الكاتبة الأمريكية «أيليت والدمان» مقدّمتها لكتاب «مملكة الزيتون والرماد» الذي صدر منتصف عام 2017 باللّغة الإنجليزية عن دار نشر هاربر كولينز الأمريكية، من إعدادها، وبمُشاركة زوجها الكاتِب الأمريكي مايكل شابون، وبُمشارَكة الروائيّ البيرويّ المعروف ماريو فارغاس يوسا (نوبل للآداب عام 2010) و20 كاتبا من أنحاء العالم، فضلا عن مقالات مُشاركة من ثلاثة كتّاب فلسطينيّين هم: رجاء شحادة، وعلاء خليل، وفدى جريس.

موضوع الاحتلال الإسرائيلي شائك ومعقّد بالنسبة إلى الكتّاب الغربيّين الذين يجرؤون على اجتياز الهوّة النفسانيّة المطلوبة كي يُواجهوا حقيقة مُمارسات الكيان، وهم قلائل نسبيّاً، يأتي على رأسهم والدمان وشابون، اللّذان أخذا على عاتقهما تحرير مادّة ضخمة وصلت إلى 450 صفحة من القطع المتوسّط، فضلاً عن الاتّفاق على ترجمته إلى عشر لغات أخرى، هي العربية، العبرية، الإسبانية، الإيطالية، الهولندية، البرتغالية، الألمانية، الفرنسية، المَجرية، التركية، البلغارية، صدر منها فعليّا بالعبرية والعربية والألمانية والفرنسية والتركية، ومن المقرَّر أن تصدر نسخ الكِتاب بباقي اللّغات قريبا. وقد لاقى الإصدار قبولًا عالميّا كبيرا، ووصل إلى قائمة صحيفة «واشنطن بوست» للكتب الأكثر مبيعا بعد أسبوع واحد من صدوره.

وبسبب تعدُّد المرجعيّات للكتّاب المُشاركين في تأليف الكِتاب، تتباين الرؤى حول الاحتلال وأسبابه، وإن اتّفقوا على إدانته بدرجات متفاوتة، فـ«يوسا» الذي كان من أشدّ مُناصري الكيان الصهيونيّ يتحوّل، ولو بلغة «خجولة»، إلى إدانة الاستيطان. وكان الروائي والسياسي الذي ترشَّح في انتخابات بلده الرئاسيّة: البيرو في عام 1990 عن كتلة يمينيّة، من أشدّ مُناصري إسرائيل في السبعينات من القرن الفائت، وبحسب تعبيره في مقالته في الكِتاب « كنتُ أشعر بالأسى بسبب الهجوم المُتواصِل الذي تشنّه أحزاب اليسار، وحتّى بعض أحزاب الوسط واليمين على إسرائيل، التي رأيتُ فيها الدولة الوحيدة ذات التعدّدية والديمقراطية وحرّية التعبير في الشرق الأوسط، وكتبتُ وقلتُ الكثير دفاعاً عنها».

لكنّه في إحدى زياراته إليها في عام 2005، يردف مؤلِّف رواية «حفلة التيس» مُعترِفاً: «بدأتُ أتغيّر، وأرى حقيقة أشياء كثيرة». وعلى الرّغم من كتابه الذي صدر في حينه، «إسرائيل وفلسطين: السلام أو الحرب المقدَّسة»، والذي أعاد فيه التعبير عن إعجابه بإسرائيل، فإنّه بدأ يكتب عمّا يلحق بالفلسطينيّين تحت الاحتلال الإسرائيلي من ضيق وأذى.. وخلال السنوات اللّاحقة، بدأ موقفه يتغيّر، ولو إلى درجة معيّنة، الأمر الذي جعل «والدمان» تصف مقالة يوسا بـ« خَيبة الأمل، والمُتواضعة»، وما دفع فريق العمل إلى تجنّب الحديث عن مشاركته خلال فعاليّات إطلاق الكِتاب في الولايات المتّحدة وفلسطين المحتلَّة وعدد من الدول الأوروبية.

في «مَملكة الزيتون والرماد» يستهلّ ماريو فارغاس يوسا مقالته، «مشواري إلى الضفّة الغربيّة» مجدّداً بتعداد ميزات إسرائيل وإعجابه بها، والفخر الذي شعر به حين حاز على جائزة القدس من الدولة العبرية، وأسفه على حال حكوماتها اليمينية المتشدّدة التي «ستُلحق الكثير من الأذى بديمقراطية إسرائيل ومستقبل البلاد».

ويُسارع إلى الدفاع عن نفسه والتأكيد أن آراءه وانتقاداته لسياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيّين مُماثِلة لآراء عشرات الآلاف من اليهود، وأنّه يُعارِض بشدّة المُقاطَعة الأكاديمية لإسرائيل!! ثمّ يستفيض حديثاً عن الاستيطان وعمّا شاهده في القرى الفلسطينية البائسة الخاضِعة لهجمات الجيش والمُستوطِنين وتنكيلهم، مثل « سوسيا وجنبا»، والوضع المروّع في الخليل، وينتقل إلى حيّ سلوان في القدس الشرقية ليرسم الصورة المُظلمة ذاتها عن انتشار الاستيطان ومعاداته الشرسة للسكّان العرب. وفي نظرة شمولية إلى الخريطة، يعترف يوسا بالحقيقة الجليّة، وهي أنّ إسرائيل أنشأت الاستيطان ودَعمَته لتقطيع أوصال الضفّة الغربية ومنْع التواصل الحرّ بين مُدنها، وبالتالي لإفشال أيّ مسعى لإقامة الدولة الفلسطينية، الذي يبدو كأنّما غدا مستحيلاً بالفعل على الرّغم من ادّعاءاتها الفارغة بأنّها تدعم هذا المسار للحلّ السياسي. يكتب الحائز على جائزة «سرفانتس للآداب» بأنّه يشعر بالاستياء والحزن لما آلت إليه الأوضاع في إسرائيل، التي «أصبحت دولة كولونياليّة متعجرفة، بحكوماتها المتزايدة في التطرّف واليمينية، ما يسيء إلى صورتها الإيجابية، شبه المثالية، التي تمتَّعَت بها طويلًا أمام العالَم»!

على الصعيد المقابل، ينبري بقيّة المُشاركين في الكِتاب لنقل الحقيقة وتصوير مُمارسات إسرائيل، ناقلين بلغة أدبية وعبر جماليّات التشكيل اللّغوي وتقنيّات السرد، الواقع الأليم والصُّور الغاضِبة بأقلام واعية وضمير حيّ. ولأنّ الكِتاب، على الرّغم من حسن نيّته، يرتكز على واقع احتلال إسرائيل للضفّة الغربيّة وقطاع غزّة ونتائجه، مُتجاهلًا، كما يفعل يوسا، تاريخ إقامة إسرائيل والخلفيّة التي ولّدت هذا الاستعمار.

تذهب المُشاركات في الكتاب إلى رصد قصص العديد من الفلسطينيّين الذين يكافحون لتحقيق طموحاتهم وآمالهم مع استمرار القيود أو الإهانات التي تفرضها قوّات الاحتلال الإسرائيلي، متوقّفاً (شابون) أمام الفلسطينيّ سام بحور، الذي يصفه كـ«عملاق في قفص»، في إشارة إلى أنّ الضفّة « قفص» يقف على بابه جنود صَهاينة.

هنا تعود الكاتبة الفلسطينية فدى جريس إلى هذا التاريخ وإلى النكبة، وتُلقي الضوء على شريحة مهمّة من الفلسطينيّين تعيش داخل الخطّ الأخضر، وتحمل الجنسيّة الإسرائيلية وتكوّن عشرين في المائة من سكّان الكيان.

بجرأة، تتوجّه جريس في مقالتها المُعنوَنة بـ«قصّة الاحتلال غير المُعلَن»، إلى فضْح المُمارسات العنصرية التي يُمارسها الاحتلال، سواء في الضفّة أم في أراضي 1948 المُحتلَّة، وتأثير ذلك على الفلسطينيّين أنفسهم، ومُواصَلة حكومات تل أبيب في سَنّ القوانين العنصرية ضدّهم، وعمليّات الـ «ترانسفير» التي يتعرَّض لها الشعب، من دون أن يبدو على سكّان إسرائيل اليهود الكثير من الاكتراث، فقد تربّوا على مُعاداة العرب، وفي أحسن الأحوال، بحسب كلمات الكاتِبة « تَودّ الدولة أن نعمل في المطاعِم لتحضير الفلافل والشاورما وأن نذوب في الخلفيّة بعد ذلك».

جريس، التي انتقلت إلى رام الله منذ سنوات هرباً من المأساة الكبرى داخل الخطّ الأخضر، لاقَت مُشاركتها بالكِتاب رواجاً عالَميّاً، فهي المقالة الوحيدة في الكِتاب التي نُشرت في عدد كبير من الصحف العالمية وبلغات عدّة، مثل «لندن ريفيو أوف بوكس» البريطانية، ودَورية «بوبليكو» الإسبانية، ومجلّة «أورينت» الفرنسية، ومن المقرَّر نشرها في «ديرشبيجل» الألمانية.

وتؤكّد جريس أنّ الاحتلال الإسرائيلي الرّاهن للمناطق الفلسطينية ما هو إلّا جزء من العقيدة الصهيونية العنصرية وامتداد لها، فإسرائيل تُمارس العنصرية ضدّ الفلسطينيين أينما وجدوا، إنّما بأساليب مختلفة، والحلّ الجذريّ للمسألة يتطلّب تفكيك الكيان العنصري وإقامة دولة واحدة علمانية تتضمَّن حقّ العودة وعدم التمييز على أساس الدين أو الجنس، و« إن كنّا نقطن داخل الخطّ الأخضر أو خارجه، فإنّنا نعيش كلّ لحظة في هذه البلاد ونحن ندفع ثمن عدم كوننا يهوداً»!

وحسبما يقول الكاتِب الأمريكي كاري نيلسون، وهو واحد من أشهر دعاة مُقاطَعة إسرائيل أكاديميّاً: « لا شكّ أنّ أولئك الذين لا يستطيعون التسامُح مع الحديث عن الاحتلال لن يروه بهذه البشاعة، ولكنّ مَملكة الزيتون والرماد هي دعوة لتنبيههم حول جرائم الاحتلال وفظائعه».

*كاتب من مصر