أفكار وآراء

أزمة كتالونيا هل تجد حلا ؟

27 ديسمبر 2017
27 ديسمبر 2017

عبد العزيز محمود -

وسط تشدد واضح من الحكومة الاسبانية، يبدو أن الكرة الآن في ملعب الأحزاب الانفصالية، المنوط بها تشكيل حكومة جديدة، بينما قادتها هاربون أو رهن الاعتقال، وهو وضع لا يعطي أملا بحدوث انفراجة، مما يعني استمرار أزمة كتالونيا لفترة قد تطول ،

عادت الأزمة في كتالونيا إلى المربع الأول، بعد انتخابات إقليمية مبكرة ، جرت قبل ايام ، فازت فيها الأحزاب الانفصالية بالأغلبية، وسط نزاع بين الحكومة الاسبانية والانفصاليين، الذين يستعدون لتشكيل حكومة جديدة، بينما لا يزال بعض قادتهم هاربين أو رهن الاحتجاز.

النتيجة كانت مخيبة لآمال ماريانو راخوي رئيس وزراء اسبانيا، الذي راهن على الانتخابات ودعا إليها، بهدف حسم النزاع مع الأحزاب التي تطالب باستقلال كتالونيا عن اسبانيا، لكن فوز تلك الأحزاب بـ 70 مقعدا من أصل 135 مقعدا في البرلمان الإقليمي، ضمن لها الأغلبية وتشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس.

وفي المقابل لم تحصل الأحزاب الوحدوية، المؤيدة لبقاء كتالونيا ضمن التاج الاسباني، سوى على 65 مقعدا، ولم تتمكن من إحراز الأغلبية (68 مقعدا) التي تمكنها من تشكيل الحكومة، لكن عدد المقاعد التي حصلت عليها يكشف حدة الانقسام بين الكتالونيين حول قضية الاستقلال.

ومن الواضح استمرار الأزمة، بعد فشل الوحدويين في تشكيل الحكومة، مما يعني استمرار الاستقطاب الحاد بين مدريد وبرشلونة، والذي تفجر في أكتوبر الماضي، عقب إعلان كتالونيا الاستقلال من جانب واحد، مما دفع الحكومة الاسبانية إلى إعلان الطوارئ واستخدام اساليب ضغط قوية ضد الانفصاليين.

يذكر أن برلمان كتالونيا صوت بالأغلبية في 27 أكتوبر الماضي على إعلان الاستقلال من جانب واحد، بعد استفتاء مثير للجدل في أول أكتوبر الماضي ، مما دفع الحكومة ومجلس الشيوخ الاسباني إلى تفعيل المادة 155 من الدستور ، لمواجهة هذا الوضع وتبعاته .

وبموجب هذه المادة تم عزل كارلوس بودجمون رئيس إقليم كتالونيا والحكومة ، وحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، مما دفع الرئيس المعزول وأربعة من أعضاء حكومته للهرب الى بلجيكا، بينما تم حبس ثمانية من أعضاء الحكومة المقالة، ووجهت لهم اتهامات التمرد والفتنة والاختلاس.

وعقب إجراء الانتخابات المبكرة في 21 ديسمبر الجاري، فازت ثلاثة من الأحزاب الانفصالية بـ ٧٠ مقعدا، حيث حصل حزب معا من اجل كتالونيا على 34 مقعدا، واليسار الجمهوري على 32 مقعدا، والوحدة الشعبي على أربعة مقاعد.

وفي المقابل حصلت الأحزاب الوحدوية على 65 مقعدا، بعد حصول حزب المواطنين على 36 مقعدا، والاشتراكيين الكتالونيين على 17 مقعدا، وحزب نحن كتالونيا على 8 مقاعد، وحزب شعب كتالونيا على 4 مقاعد، وبهذه النتيجة سيطر الانفصاليون مجددا على إدارة الإقليم.

ووسط دعوات لإجراء استفتاء جديد حول الاستقلال القانوني وليس السياسي عن اسبانيا، تزايدت نذر المواجهة بين برشلونة ومدريد، وسط تهديدات من ماريانو راخوي رئيس وزراء اسبانيا باتخاذ نفس الإجراءات التي اتخذها في أكتوبر الماضي.

وهكذا وحتى تبدأ إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة في كتالونيا بعد السادس من يناير المقبل، تمهيدا لعقد الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد في 23 يناير 2018 ، وتصويت البرلمان على تعيين الحكومة بحلول الثامن من فبراير المقبل، سوف تظل كتالونيا خاضعة للحكومة الاسبانية بموجب المادة 155 من الدستور.

ومن جانبها ترفض الحكومة الاسبانية العفو عن الرئيس المعزول بودجمون (زعيم حزب معا من اجل كتالونيا) وأربعة من وزرائه، لتمكينهم من العودة إلى كتالونيا، بينما يطالب بودجمون بتمكينه من العودة، لحضور الجلسة الافتتاحية للبرلمان، وأداء اليمين الدستورية، باعتباره رئيسا للإقليم.

ومن الواضح ان الحكومة الاسبانية تعتبر منصب رئيس كتالونيا شاغرا ، بعد قرار عزل بودجمون الصادر من مجلس الشيوخ الاسباني في 27 أكتوبر الماضي، ردا على قيامه بتنظيم استفتاء غير قانوني على الاستقلال، وإعلان الاستقلال من جانب واحد.

وتطالب محكمة في مدريد بمثول بودجمون امامها في اطار تحقيق جنائي في الأحداث المحيطة باستفتاء أول أكتوبر 2017 ، وما تبعه من إعلان للاستقلال، كما ينظر قضاة المحكمة العليا في اتهامات بالتمرد والانفصال ويحتجزون نائب الرئيس الكاتالوني السابق مع ثلاثة من قادة الانفصال الاخرين.

ومن الواضح أن الحكومة الاسبانية تسعى للضغط على البرلمان الكتالوني الجديد لانتخاب رئيس جديد للإقليم، بدلا من بودجمون، الذي لن يكون بوسعه العودة لأداء اليمين الدستورية، حتى لو أصر البرلمان الجديد على تعيينه رئيسا للإقليم.

وفي هذا الإطار رفض رئيس الوزراء الاسباني دعوة للحوار مع بودجمون، مشيرا الى استعداده للحوار مع الحكومة الجديدة التي سيشكلها برلمان كتالونيا الجديد، وفي خطوة مثيرة للجدل بدأ حوار مع ايناس اريماداس زعيمة حزب المواطنين الوحدوي الذي فاز في الانتخابات الأخيرة بـ 36 مقعدا.

لاشك أن منع بودجمون رئيس كتالونيا المعزول وزعيم حزب (معا من اجل كتالونيا) الفائز بـ 34 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، من العودة لكتالونيا سوف يرفع درجة التوتر بين مدريد وبرشلونة، لكن الحكومة الاسبانية تدرك أن السماح بعودة بودجمون، سوف تعني انتخابه مجددا رئيسا لكتالونيا، مما سيؤدي إلى تكرار تجربة الانفصال، بكل ما سيترتب عليها من تداعيات.

من ناحية أخرى يخوض حزب (اليسار الجمهوري من اجل كتالونيا) وهو حزب انفصالي فاز في الانتخابات الأخيرة بـ 32 مقعدا، معركة قانونية للإفراج عن رئيسه اوريول جونكويراس، بهدف تقديمه كمرشح بديل للرئاسة في حالة عدم عودة بودجمون.

كل المؤشرات تؤكد أن الحكومة الاسبانية لن تتراجع عن مواقفها، بهدف إجبار الأحزاب الانفصالية في كتالونيا على تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد، بمنأى عن القادة الهاربين أو المحتجزين، كما أنها لن تقبل أي اقتراحات هدفها توسيع صلاحيات الحكم الذاتي، مقابل تخلي الانفصاليين عن مطلبهم بالاستقلال.

ولعل هذا ما دفع فيليب السادس، ملك اسبانيا، لمطالبة قادة إقليم كتالونيا بالتصرف بمسؤولية وتفادي أي قرارات أحادية، قد تؤدي إلى انقسام وإحباط والإضرار بمصالح الجميع، في إشارة إلى أن كتالونيا تشكل خمس اقتصاد اسبانيا، وهو ما يعني استحالة التفريط فيها.

ومن جانبه يرفض الاتحاد الأوروبي القيام بالوساطة بين الجانبين، لإجراء إصلاح دستوري يستهدف توسيع صلاحيات الحكم الذاتي، مقابل استمرار كتالونيا جزءا من اسبانيا، خوفا من إثارة المشاعر الانفصالية في مناطق أخرى من أوروبا.

ووسط تشدد واضح من الحكومة الاسبانية، يبدو أن الكرة الآن في ملعب الأحزاب الانفصالية، المنوط بها تشكيل حكومة جديدة، بينما قادتها هاربون أو رهن الاعتقال، وهو وضع لا يعطي أملا بحدوث انفراجة، مما يعني استمرار أزمة كتالونيا لفترة قد تطول ، تاركة بصمتها على اسبانيا والاتحاد الأوروبي.