أفكار وآراء

عملة «بتكوين» الرقمية «كريبتوكرنسس»

27 ديسمبر 2017
27 ديسمبر 2017

د. عبد القادر ورسمه غالب -

Email: [email protected] -

تدور أحاديث ولغط كثير في هذه الأيام عن العملات الرقمية «كريبتوكرنسس» خاصة عملة «بتكوين»، وعلى مدار الساعة نجد العديد من الإعلانات والإرشادات والدعوات القوية للتعامل مع هذه العملة، مع التركيز على نغمة «عدم تفويت الفرصة للاستثمار لتربح الكثير دون عناء». وأعتقد أن هناك جهات معينة خلف هذه الضجة حتى يصبح التعامل مع «بتكوين» أمرا واقعا ومعاشا للدرجة التي تجعل الخطأ أمرا صحيحا وواقعا مقبولا. أن من أخطر أخطار هذه العملة الرقمية أنها غير مرخصة في الغالبية العظمي من دول العالم وخاصة في منطقتنا. فكيف، من الناحية المبدئية، نتعامل مع ما هو غير مرخص ؟ وكيف نستجيب للدعوات التي تدعو للتعامل مع ما هو غير مرخص وخارج التغطية القانونية ؟ لماذا نخاطر ونقف مع من هم خارج القانون ؟ أن من أخطار التعامل مع عملة «بتكوين» أنها أصبحت ملجأ خصبا وحاضنا لمجرمي غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الإلكترونية، وذلك بسبب تضييق الخناق عليهم في التعامل بالعملات الرسمية المعترف بها وفق الأصول والقوانين السارية ذات الصلة. ولهذا فإننا نعتقد أن هؤلاء المجرمون، ومن في بطانتهم، هم من يقومون بالترويج لركوب قطار عملة «بتكوين» وفي خضم هذا الإرباك تضيع آثارهم وآثار جريمتهم. فهل نجاريهم لتسهيل مهمتهم الإجرامية حتى ونحن نعلم أن هذه العملة غير مرخصة وفق القانون.

ومن الملاحظ أن التعامل مع عملة «بتكوين» الرقمية فتح الباب واسعا وعبره تم استنساخ وميلاد عملات رقمية أخرى عديدة مثل عملة «ليتكوين أل تي سي» وعملة «اثيريم أي تي أتش» وعملة «زدكاش زد اي سي» وعملة «داش» وعملة «ريبل أكس آر بي» وعملة «مونيرو أكس أم آر»... وكل هذه أسماء جديدة لعملات نقدية «كريبتوكرنسس».. ولكل منها مواصفاتها ومكوناتها وكيفية التعامل بها ومعها.. وسنعود لهذه التفاصيل في مقال لاحق.. وكما هو معلوم فإن باب التعاملات التقنية مفتوح لمن يرغب ولديه المقدرة في استحداث ما هو جديد من عملات أو غيرها.

وبسبب كل هذه التطورات المتسارعة واستشعارا لخطورة ما يحدث ولمقابلة المخاطر العديدة للعملات النقدية «كريبتوكرنسس»، وخاصة عملة «بتكوين» بصفتها رأس الحية، وما قد يأتي عبرهم عبرها من الاستخدام المخالف للقانون وفتح الباب لمرتكبي ومروجي الجرائم الإلكترونية الخبيثة، شرعت عدة دول كبرى من ضمنها المملكة المتحدة وعدد من حكومات الاتحاد الأوروبي في التخطيط الجاد لاتخاذ إجراءات صارمة على التعامل بعملة بتكوين وذلك سط تزايد المخاوف، كما ذكروا، من استغلال هذه العملة الرقمية «بتكوين» في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وجرائم الفساد المتعددة والتهرب الضريبي.

وتعكف وزارة المالية البريطانية على تنظيم «بتكوين» والعملات الرقمية الأخرى بحيث يتم التوافق مع قوانين مكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب والجرائم الالكترونية والجرائم المالية المتعددة. واستنادا إلى هذه الخطوات المتشددة سيجد المتعاملون بهذه العملات والتجار أنفسهم مرغمين على الإفصاح التام عن هوياتهم ووضع حدود واضحة لعدم إخفاء الهوية. وهذا سيقلل ولحد كبير من التعامل مع هذه العملات الافتراضية الجديدة التي أصبحت مصدر جذب للاتجار بالمخدرات وغسل الأموال وتمويل الإرهاب والقيام بأنشطة غير قانونية أخرى.

ووفق الخطط الحديثة التي تطرحها دول الاتحاد الأوروبي، سيتم وضع «منصات إلكترونية لتبادل العملات الرقمية الافتراضية» وذلك عندما تتم التعاملات التجارية بواسطة عملة «بتكوين» وعبر هذا تتم مراقبة الزبائن والمتعاملين والإبلاغ عن أية صفقات مشبوهة. وتتشاور هذه الحكومات معا حول إصدار تعديلات جديدة على «إرشادات وتوجيهات مكافحة غسل الأموال» ليتم التأكد من إشراف السلطات الوطنية المختصة على أنشطة الشركات والجهات التي تتعامل بعملة «بتكوين»..

ومن المتوقع أن تدخل القوانين المذكورة حيز التنفيذ خلال الأشهر القليلة المقبلة. وقد أكدت وزارة المالية البريطانية ضرورتها لأن العملات الرقمية قد يتم استعمالها لتمكين حدوث وتسهيل عمليات الجرائم الإلكترونية. والأدلة المتوفرة تشير إلى استخدام العملات الرقمية في عمليات غسل الأموال وغيرها، ولهذا فإن العمل بحزم مطلوب لأن المخاطر المتوقعة في هذا الإطار في تزايد.

كذلك في هذا الاطار، نلاحظ أن المسؤولين في شركتي «جولدمان ساكس» و«جيه بي مورغان» وبما لديهم من تجارب مهنية قاموا بتوجيه انتقادات لعملة «بتكوين». وهناك من قام بتحذير المستثمرين في مجال عملة بتكوين وتنبيههم إلى ضرورة «القيام بواجباتهم» والتعامل بكل الحيطة والحذر، والابتعاد عن الدعوات المتواصل للاستثمار في هذا المجال الجديد لأن الأمر يدخل في مجال غسل الأموال والإرهاب والسرقة..

كل ما تقدم يوضح لنا، أن العالم ينظر بحذر بالغ ويحذر من التعامل بالعملات الرقمية «بتكوين» أو خلافها، بل العالم يتجه لفرض قوانين وأنظمة تضع كل هذه التعاملات في إطار الإفصاح والشفافية وتحت مراقبة الجهات الرقابية المختصة.. وهذا أضعف الإيمان، إن كان لا بد. ونكرر النصيحة بالابتعاد عن الاستثمار أو التعامل في هذه العملات الافتراضية الرقمية، حتى لا ننجرف ونغوص في التيار الذي يسبح في الأثير والمجال الرقمي المخالف للقانون والممارسات السليمة.