أفكار وآراء

المجـتمع الدولـي ينتصـر!!

26 ديسمبر 2017
26 ديسمبر 2017

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

في سابقة تاريخية يتحد المجتمع الدولي لتحدي الإدارة الأمريكية، وذلك خلال التصويت الشهير للجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار الرئيس الأمريكي ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس الفلسطينية المحتلة واعتبارها عاصمة لإسرائيل.

لقد كان يوما فارقا في تاريخ الأمم المتحدة حيث قامت الولايات المتحدة والتي تتشدق بحقوق الإنسان والحريات والالتزام بقرارات الشرعية الدولية بتهديد واضح للدول الأعضاء في المنظمة الدولية بقطع المساعدات المالية الأمريكية والضغط عليها بشكل سافر في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الدبلوماسية الحديثة السقطة الأمريكية في نيويورك ما حدث في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وانتصار المجتمع الدولي ضد التهديد الأمريكي التي قادته المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي يعد سقطة مدوية للدبلوماسية الأمريكية والتي أضحت بتلك السقطة دولة معزولة عن قوانين الشرعية الدولية

من خلال التهديد المباشر لدول العالم.

والغريب أن دولا إفريقية وآسيوية تعد بالمعنى الاقتصادي فقيرة تحدت التهديد الأمريكي وصوتت ضد قرار ترامب وأثبتت هذه الدول أن الوقوف مع الحق والعدل والسلام هو أمر مهم مما جعل الإدارة الأمريكية تعيش حالة من الدهشة والذهول خاصة أن الدول المؤيدة للقرار الأمريكي هي دول هامشية في المحيط الهادي والأطلسي إن ما حدث في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة هو درس بليغ للولايات المتحدة وسياستها

الفوقية ضد حقوق الشعوب ومنها الشعب الفلسطيني، والذي يكافح ويناضل لاستعادة أرضه وحقوقه على مدى 70 عاما مضت. وكانت واشنطن من الدول التي أعاقت تطبيق قرارات الشرعية الدولية ومنها قرارات ملزمة صدرت من مجلس الأمن الدولي.

إن إدارة الرئيس ترامب ومنذ توليها السلطة في الولايات المتحدة في يناير الماضي وهي تنسحب من عدد من الملفات الدولية ذات الأهمية، بحجة مصالحها الخاصة، بداية من الانسحاب الغريب من معاهدة الاحتباس الحراري، التي وقعت عليها معظم دول العالم في باريس ومنها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ومرورا بالانسحاب من منظمة اليونسكو ومن اتفاقية التجارة مع أمريكا الشمالية المعروفة باسم النافتا، وأخيرا التلويح بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.

كما أن إدارة الرئيس ترامب فشلت في ملف كوريا الشمالية النووي، بل إن التحدي الكوري الشمالي لها بلغ حد الاستخفاف بالولايات المتحدة، مما جعل واشنطن تتحدث عن أهمية الحوار مع بيونج يانج، كما أن إعلان استراتيجيتها الجديدة وإعلانها أن الصين وروسيا هما الدولتان اللتان تشكلان الخطر على الأمن القومي الأمريكي على الصعيدين العسكري والاقتصادي هو تطور مثير للانتباه بالتأكيد، خاصة على الصعيد السياسي لأداره ترامب.

القضية الفلسطينية في مفترق طرق على ضوء الانحياز الأمريكي للكيان الإسرائيلي فإن مهمة الوسيط الأمريكي قد انتهت عمليا، حسبما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مما يعني أن الملف الفلسطيني لا بد أن يرجع إلى الحاضنة الدولية وهي الأمم المتحدة.

والتي لا بد أن تستثمر النصر الدبلوماسي الدولي للجمعية العامة للأمم المتحدة وتبدأ بإيجاد الحل العادل والشامل للصراع العربي - الإسرائيلي، خاصة أن هناك أراض سورية ولبنانية في قبضة المحتل الإسرائيلي.

وعلى ضوء التطور الأخير في نيويورك فإن الصدمة الأمريكية جاءت من أقرب حلفائها من دول الاتحاد الأوروبي، كما أن تصويت 14 عضوا من الدول الأعضاء في مجلس الأمن ضد قرار ترامب يعد صفعة دبلوماسية أخري سبقت تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي أعاد لهذه المنظمة الدولية شيئا من هيبتها التي تسببت الولايات المتحدة في هدرها لسنوات طويلة.

كما أن تنامي الدور الروسي دوليا يؤثر على الدور الأمريكي في أكثر من ملف، لعل أبرزها الملف السوري، حيث كان لروسيا الدور الأساسي في إفشال المخطط الأمريكي وهو إدخال سوريا في فوضى عارمة على غرار النموذج العراقي، كما أن الدور الروسي في أوكرانيا والسيطرة على شبه جزيرة القرم قد أعطى زخما للقوة الروسية والتي تحدت واشنطن والأوروبيين معا. وها هي واشنطن تفقد الملف الأساسي لها وهو ملف الصراع في الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل من خلال الفشل الذريع لإدارة ترامب في إفشال التصويت سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة وكان استخدامها للفيتو تحديا دبلوماسيا مثيرًا للعالم، حيث إنها طرف أصيل في الموضوع، وكان عليها تجنب استخدام الفيتو لأسباب أخلاقية وأعراف الأمم المتحدة، مما يضيف إلى سجلها الحافل بالاستخدام المتكرر لحق الفيتو خلال العقود الأخيرة. إن القضية الفلسطينية أصبحت في مفترق طرق وهذا يعني أنها تحررت من القبضة الأمريكية، لتكون داخل الفضاء الدولي سواء من خلال الأمم المتحدة، أو دول الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا ودول أخرى مؤثرة في العالم حيث إن بقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل وشامل هو تهديد خطير للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

دول عدم الانحياز

الدول الإفريقية والآسيوية ودول أمريكا اللاتينية هي حجر الزاوية في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة وهذه الدول تشكل دول عدم الانحياز والتي تم تأسيسها في مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني ويبدو لي أن تعزيز هذه المجموعة الدولية الكبيرة من قبل الدول العربية أصبح ضرورة قومية لصالح القضايا العربية فدول حركة عدم الانحياز تشكل أغلب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومن هنا فإن الحركة تحتاج إلى تفعيل وإلى تضامن عربي - إفريقي - لاتيني لأن ذلك التضامن هو الذي يعيد التوازن والموضوعية للسياسة الدولية.

فالإدارة الأمريكية وسياستها أصبحت منبوذة وغير مقبولة ومعزولة من جانب المجتمع الدولي الذي قال كلمته في نيويورك، وبالتالي فإن العالم بحاجة إلى تضامن اكبر، وهناك أصوات في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، بدأت تحذر من سياسة ترامب والتي قد تقود إلى حروب إقليمية كما هو الحال في مواجهته مع كوريا الشمالية وحتى إيران، خاصة أنه يظهر بوضوح وجود قدر ما من التعارض حتى مع سياسة وزارة الخارجية الأمريكية نفسها حيال بعض القضايا الإقليمية والدولية، وقد رأينا ذلك خلال الأزمة الخليجية.

إن تفعيل حركة عدم الانحياز هو خطوة مهمة للحد من سلبيات قد تحدث في عدد من القضايا، وقد يؤدي ذلك واشنطن إلى أن تراجع سياستها تجاه الحقوق الثابتة للشعوب، ومنها الشعب الفلسطيني. ولا شك أن إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن الوساطة الأمريكية قد انتهت هو موقف قوي خاصة أن الوساطة الأمريكية طوال السنوات الماضية لم تكن نزيهة، وكانت تناصر الظلم الإسرائيلي، وهذا ما أفقد السياسة الأمريكية مصداقيتها لدى المجتمع الدولي. لقد وضعت الإدارة الأمريكية نفسها في مأزق مع المجتمع الدولي وكان التهديد الأمريكي المعلن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة ظاهرة غريبة ومستهجنة للدبلوماسية الراقية في التعامل مع الملفات السياسية داخل أروقة الأمم المتحدة وضد النواميس التي تحدد سلوك الدول

وتحركاتها وإبداء وجهة نظرها تجاه مختلف القضايا والأزمات. وهناك سجال سياسي وإعلامي كبير في واشنطن حول سياسة ترامب وكيف أصبحت الولايات المتحدة وهيبتها محل تندر في منتديات عديدة.

الدروس المستفادة

من خلال الزلزال السياسي والدبلوماسي التي شهدته أروقة الجمعية العامة تكون الولايات المتحده قد تلقت الدرس الصعب ومن أهم هذه الدروس أن التهديد لا يمكن أن ينتصر على إرادة الشعوب، مهما كان حجم تلك الدول اقتصاديا أو سياسيا ، وأثبتت الدول الإفريقية والآسيوية واللاتينية جدارتها وقالت: لا للتهديدات الأمريكية. والدرس الآخر هو أن على العرب والفلسطينيين استثمار الحالة الدولية المنزعجة من سياسة واشنطن وأن يكون هناك تحرك نشط لتفعيل حركة عدم الانحياز كأداة سياسية لخدمة القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والتي تعد القضية المركزية للعرب، وهذا التحرك مطلوب في ظل الحماس الدبلوماسي الدولي والتذمر من سياسات واشنطن السلبية تجاه قضايا العالم بشكل عام.

والدرس الأخير الذي أثبته تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة هو أن الاستحواذ على القرار السياسي الدولي من جانب دولة كبرى كالولايات المتحدة لم يعد ممكنا حيث سقط هذا الخيار من معظم دول العالم، وهذا درس لا بد أن تتعلمه إدارة الرئيس ترامب، وهذا يتطلب من العقلاء في واشنطن سواء في الكونجرس أو منظمات المجتمع المدني والإعلام الأمريكي والخبراء أن تكون لهم كلمة لوقف جموح الإدارة الأمريكية أحيانا، حتى لا تدخل في معارك سياسية خاسرة وتظهر بمظهر غير لائق لا يعبر عن دولة يفترض أن تكون نصيرًا للحق والعدالة والحرية كما يعبّر عن ذلك دستورها.