أفكار وآراء

العصر الذهبي للغاز .. هل يتحول إلى فقاعة؟

23 ديسمبر 2017
23 ديسمبر 2017

نك بتلر- الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

لم يكن «العصر الذهبي للغاز» مثلما توقعه المتكهِّنون ومنتجو الغاز ممن روجوا لهذا الشعار قبل أعوام قليلة. لقد افترض هؤلاء أن الغاز سيكون وقود المستقبل. فبعد كارثة فوكوشيما أُغلِقَت محطات الطاقة النووية في أرجاء اليابان وزادت واردات الغاز الطبيعي مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بأكثر من الضعف في سوق شمال آسيا. بل وصلت في بعض الأوقات إلى 20 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. فالغاز وقود آمن يمكن الاعتماد عليه وأنظف من الفحم مما سيجعله بديلا واضحا مع اتخاذ العالم موقفا أكثر جدية تجاه مخاطر احترار الكوكب والتغير المناخي. إضافة إلى ذلك تحوَّلَت تجارة الغاز التقليدية التي كانت مرتبطة أساسا بخطوط الأنابيب داخل أسواق اقليمية ثلاثة للغاز إلى تجارة عالمية بفضل تقنية الغاز الطبيعي المسال. وهي العملية التي يتم خلالها تسييل الغاز ثم نقله إلى أسواق بعيدة بواسطة السفن. لقد كانت تتشكل سوق عالمية مزدهرة للغاز. ولمقابلة النمو الموعود في الطلب كان سيلزم توافر إمدادات كبيرة جدا من سلعة الغاز مما قاد إلى اندفاعة استثمارية في مشروعات باهظة التكلفة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال.

فقد زاد الطلب العالمي على الغاز لكن بحجم أقل كثيرا مما كان متوقعا. ويؤرخ تقرير صادر عن شركة «أس أن أيه أم» الإيطالية المختصة بالبنية التحتية للغاز، على نحو جيد، لهذا الجانب من تحولات الغاز. فثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة أحدثت تغييرا مثيرا في قطاع الكهرباء. وشكل الغاز قدرا من المنافسة المباشرة لصناعة الفحم الراسخة لا يمكن حتى لدونالد ترامب أن يفعل شيئا إزاءه. لكن الطاقة النووية تنتعش مجددا في اليابان. وفي أوروبا يخسر الغاز والفحم كلاهما لمصلحة الموارد المتجددة وفي مقدمتها طاقة الرياح. لقد بدأت إجراءات الدعم المالي وحصص السوق الإلزامية هذه العملية.(عملية التوسع في استخدام الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء). لكن الآن يحقق إنتاج الطاقة الكهربائية بواسطة الرياح (في البر والبحر) خفضا في التكلفة مما يمكِّن منتجيها من المنافسة دون عون (من الحكومة). وتشكل الأسعار المنخفضة لكهرباء طاقة الرياح البحرية التي تم الاتفاق بشأنها في مزادات «سعة توليد الكهرباء» لهذا العام بالمملكة المتحدة أقوى إشارة إلى شكل الأشياء القادمة. كما أن الطلب على الغاز في أوروبا أقل بنسبة 12% عن مستواه قبل عشرة أعوام. وهو يواصل نموَّه في الصين والهند. لكن المكاسب المثيرة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والتي انخفضت تكاليفه بنسبة 85% منذ عام 2009 تَفتح السوق. هذا في حين سيكون من الصعب جدا في كلا البلدين القضاء على الوضع الراسخ للفحم (الذي يشكل مصدرا لملايين الوظائف المباشرة وغير المباشرة). الخلاصة هي أن إمدادات الغاز فاقت الطلب وتدنت الأسعار. لقد اتضح أن الغاز الطبيعي المسال يشكل «آلية تسوية» لأسعار الغاز «والمصدر الحدي للإمداد» الذي صار محددا للسعر في عدة بلدان. لقد بدأت تتشكل سوق «فورية» للغاز. وكذلك منافسة مباشرة بين غاز وغاز آخر . وهذا شيء لم يكن معروفا تقريبا حينما كان يتم تطوير حقل الغاز فقط بعد توقيع عقد طويل الأجل مع جهة تتولى شراء إنتاجه. لقد تجاوز الزمن فكرة ربط تسعير الغاز بالنفط. فسوق النفط تختلف عن سوق الغاز. وإذا أخذنا سعر الواردات الألمانية كمقياس سنجد أن تكلفة الغاز عند سعر أدني قليلا من 5 دولارات لكل مليون وحدة أقل في الواقع «بالقيمة الحقيقية» عن تكلفته قبل 30 عاما.

لقد تم الآن تشغيل مشروعات عديدة للغاز الطبيعي المسال كان قد تقرر تنفيذها في العقد الماضي. لكن يوجد المزيد منها تحت الإنشاء. وستشيع قدرا كبيرا من الكآبة في السوق العالمية للغاز في العامين القادمين على الأقل. ما الذي سيحدث بعد ذلك؟ من الصعب تصور انخفاض مستوى التنافس (بين الموارد) في سوق الطاقة. ومن غير المتوقع حدوث نقص واضح في إمدادات الغاز. فالولايات المتحدة تصدر الغاز الآن. وتريد روسيا بيع كميات أكثر. وترغب إيران التي توجد لديها احتياطيات واسعة غير مطورة في الانضمام إلى الحفل. لقد حدث انحباس فعلي (عدم جدوى استغلال) للحقول المكتشفة في شرقي المتوسط وقبالة شرق إفريقيا. وسيعتمد حجم أي نمو في الطلب سواء في آسيا أو أوروبا على خفض سعر أسعار الغاز ليتمكن من خوض المنافسة في هاتين السوقين مع الفحم والموارد المتجددة. فموقف الفحم في الهند مثلا راسخ كمصدر للطاقة مع وجود عدد وفير من محطات توليد الكهرباء والمنشآت الصناعية والوظائف المستقلة التي تعتمد عليه. وسيرتكز مستقبل الطاقة في الهند على مزيج من الفحم وأشعة الشمس.

أما في أوروبا فمصدر المنافسة يتمثل في الموارد المتجددة المدعومة بالسياسات العامة مع توقع تقلص مكانة الغاز إلى مجرد وقود موازنة في قطاع الطاقة يستخدم لتغطية الانقطاعات في توليد الكهرباء من طاقة الشمس والرياح. إن أي تقدم هام يتم إحرازه في تقنية تخزين الكهرباء على مستوى الشبكة سيجعل الوضع أسوأ. وقد يساعد تحديد «سعر» لحجم انبعاثات الكربون عند مستوى معين الغاز على منافسة الفحم. أما في أوروبا فسيساهم ذلك على الأغلب في تطوير طاقة الرياح. لكن في غياب سعر الكربون سيعود موضع المنافسة مرة أخرى إلى التكلفة. فهل يمكن خفض تكاليف الغاز المسال الذي يتم نقله عبر مسافات طويلة؟ من الممكن أن تكون السفن الناقلة للغاز أقل حجما. لكن لا يوجد ما يشير إلى أن تكلفة تسييل الغاز ثم إعادته إلى حالته الغازية يمكن خفضها بقدر مؤثر.

والاحتمال هو أن التجارة البعيدة للغاز ستكون محدودة وأنه سيكون قادرا على المنافسة فقط في أوضاع محلية ينقل فيها لمسافات قصيرة نسبيا بواسطة الأنابيب. هذا صحيح في الولايات المتحدة. ويمكن أن يكون صحيحا في الصين إذا أمكن تطوير مواردها الكبيرة من الغاز الصخري. وحيثما يتمكن الغاز من المنافسة فإنه سيلعب دورا مؤثرا في مزيج الطاقة(نسب الموارد المستخدمة لإنتاج الطاقة). لكن الأسعار والهوامش الربحية لن تكون مرتفعة. وستخيب توقعات من كانوا يحلمون باستمرار ارتفاع الطلب على الغاز وأسعاره. لقد وضح أن العصر الذهبي فقاعة ذهبية.