أفكار وآراء

كيف نحمي أنفسنا من «الحقائق» الزائفة

22 ديسمبر 2017
22 ديسمبر 2017

ديفيد اجنيشس- واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

أكثر ما يزعجني من بين زحمة المشاكل التي ظهرت في عام 2017 أن الناس، كما يبدو، ما عادوا يعرفون ما هو الحقيقي (غير الزائف). فالحقائق هذا العام صارت تكتب بين قوسين. وكل مصاعب ترامب السياسية الأخرى تندرج في هذه المشكلة. فإذا لم نكن متأكدين عما هو حقيقي كيف يمكننا العمل لجعل الأشياء أفضل؟ وإذا لم نكن نعرف أين موقعنا على الخارطة كيف يمكننا أن ندرك في أي اتجاه نذهب؟ تفترض الديموقراطية وجودا لمواطنين يملكون معلومات جيدة ويمكنهم أن يتجادلوا حول الحلول وليس الحقائق. في مقدورنا جميعنا ضرب أمثلتنا المفضلة على المشقة المستفحلة التي تعانيها أمريكا في الاتفاق حول الدليل (الذي يدل على الحقائق.) من بين هذه الأمثلة ازدراء العلم وسط الذين يتشككون في حقيقة التغير المناخي ورفض تصديق الاتهامات التي توجه للأشخاص الذين نُحبُّهم واللهفة الزائدة لإدانة أولئك الذين نكرههم والطريقة التي انتشر بها الاستقطاب السياسي في كل مجال من مجالات حياتنا العامة بما في ذلك قطاع الرياضة. ما الذي ينبغي أن يفعله أصحاب الفكر بشأن هذه المشكلة البالغة الأهمية؟ جزء من الإجابة يوجد في مهنتي التي أمتهنها. مهنة الأخبار. نحن بحاجة إلى بذل المزيد من العمل لكي نسرد الحقيقة دون تحيز لا أن نكون مجرد سلسلة من غرف الصدى. (بحسب قاموس أكسفورد، غرفة أو حجرة الصدى هي البيئة التي يجد فيها الشخص الآراء والأفكار التي تتوافق مع آرائه وأفكاره فقط الأمر الذي يعزز وجهات النظر القائمة ولا يكون هنالك اعتبار للأفكار البديلة. غرفة الصدى هذه يمكن أن تكون حزبية أو إيديولوجية أو خلاف ذلك - المترجم.) وحين يبدو كل خبر في صحيفة أو موقع على الإنترنت أو قناة تلفزيونية ماضيا في نفس الاتجاه فسيكون ذلك علامة ومؤشرا على أن ثمة شيء خاطئ. هذا أحد الأسباب التي تجعلني أتمنى عودة «نظام المحققين» في شكاوى الأفراد من أجل إخضاع مؤسسات صناعة الأخبار للمحاسبة. كما يحتاج الصحفيون أيضا الى أدوات. فنحن لا يمكننا دائما تدقيق كل حقيقة. نحن نعتمد على مصادر محددة موثوقة وخدمات اخبارية مثل آسوشيتدبرس ورويترز. رغما عن ذلك فحتى هذه الجهات الجامعة للحقائق والفائقة في مهنيتها تواجه أحيانا متاعب في التحقق من المعلومات. ويمكن أن تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في هذا المجال. فالناس يمكنهم تحميل شريط فيديو عن الأحداث في أثناء وقوعها بواسطة هواتفهم النقالة. ولكننا بدأنا ندرك أن وسائل التواصل الاجتماعية يمكنها أن تكون أدوات للخداع وللحقيقة كذلك. لذلك أطرح هنا مقترحا متفائلا. فكما أن أصالة عمل فني ما تتأسس بواسطة مؤرخي الفنون أو الجهات التي تشرف على بيع هذا العمل وشرائه عن طريق المزاد فنحن نحتاج كذلك إلى أدوات تقنية تساعد على تأكيد أصالة الحقائق. الفكرة بسيطة. فمثلا سيرغب من يشتري لوحة تُعزَى إلى الرسام ليوناردو دافنشي في التأكد من أن دافنشي هو من رسمها حقا( أي أنها ليست مزورة). لذلك يسعى المتخصصون إلى إعادة بناء سلسلة ملكية اللوحة وتوثيق الكيفية التي تنقلت بها بين جامعي ومتاحف الأعمال الفنية على مر العصور. لا يتمكن العلماء دائما من تأسيس روابط مباشرة تعود بهم إلى الرسام الحقيقي (ويبدو أن مثل هذا الشك يحوم حول لوحة ليوناردو دافنشي «سالفاتور موندي» التي تم شراؤها مؤخرا بمبلغ 450 مليون دولار). لكن هذا النهج ضروري لضمان الأداء السليم في أسواق اللوحات الفنية. بل هنالك مقاربة جديدة تعرف باسم «التأصيل الرقمي». وقد تم تناول هذا الموضوع في مؤتمر انعقد الشهر الماضي في متحف كارنيجي للفنون ببتسبيرغ . حيث تطرقت مجموعة من المشاركين في المؤتمر لموضوع « التصوير البياني لتاريخ الأشياء « بما في ذلك دراسة » انتقال الأشياء والناس عبر الزمان والمكان.» وعلى شركات الإنترنت العملاقة مثل جوجل وفيسبوك ضبط أنظمتها كي تتمكن من تأصيل الحقيقة. من جانبي، أتمنى أن أشاهد هذه الشركات وهي تستخدم «تعلم الآلة» لمساءلة الحقائق المفترضة من أجل التحقق من مصدرها وكيف ظهرت أول مرة وكيف تم تمريرها من مستخدم إلى آخر. فإذا وجدت فجوات في سلسلة الأصل (حلقة مفقودة ومجهولة في سلسلة الأدلة أوعلامات على خطأ في التنسيب) فحينها يتم كشف هذه العيوب تلقائيا. وبهذا المشروع الذي يتعلق بتأصيل الحقائق آمل أن نكون قادرين على تعقب المعلومات إلى مصدرها ورصد الأدلة التي تشير إلى التلاعب بها. وبناء على هذا فإن مؤسسات الأخبار التي يتضح أن سجلها موثوق ستحظى بتقدير إيجابي من قبل النظام الرقمي (لتأصيل الحقائق.) مثل هذا القياس لموثوقية المصدر سيتطلب براعة وحذرا. لكنه لا يبدو لي مستحيلا. فشركة جوجل تفعل شيئا شبيها بذلك كلما تطبع (أنت) كلمة أو عبارة على «خانة البحث». ورغما عن ذلك يمكن أن يستمر الناس في اتخاذ قراراتهم بناء على «حقائق» مريبة وغير مُتَحَقَّق من صحتها. تماما كما يمكن أن يشتري جامع لوحات لوحةً مشكوك في مصدرها «أصلها». ولكن على الأقل سيتوافر قدر معقول من التحذير. نحن كثيرا ما نتحدث عن «سوق الأفكار» توقعا منا بأن الأسواق تعمل بطريقة عقلانية وبكفاءة. وفي مثل هذه النظرة، يفترض المستهلكون أن معظم الأسواق لا يوجد بها تلاعب وأن المنتجات الفاسدة أو غير الآمنة يتم استبعادها. لكن من الواضح أن تلك المشكلة تصبح معقدة حين تكون السلعة معلومات. يسمح لنا التعديل الأول (للدستور الأمريكي) بالترويج للأفكار دون اعتبار لسلامتها. لكنه لا يحمي الغش أو التشهير. نحن نعيش في «نظام بيئي» معلوماتي إذا أصابه التلوث ستكون كل الكائنات التي تعتمد عليه عرضة للخطر. ونحن نقول أن أشعة الشمس هي أفضل مطهر. لكن هذا القول يصح فقط حين تكون الشمس شديدة السطوع.