أفكار وآراء

الطريق للحرب العالمية.. هل ستكون آسيوية ؟

22 ديسمبر 2017
22 ديسمبر 2017

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

لعقود طويلة ظلت القارة الآسيوية بعيدة عن الصراعات الكوكبية، كان تركيزها على التنمية الاقتصادية والازدهار المجتمعي، سيما وأن بعضها قد خبر مرارة الحرب، كما الحال مع اليابان التي عانت العذاب خلال الحرب العالمية الثانية.

غير أن القدر يبدو انه يقف لتلك المنطقة بالمرصاد، والمخاوف والهواجس تكاد أن تتحول إلى حقائق على الأرض، والمثير في المشهد هذه المرة أن المهدد ليس الصراع بين موسكو وواشنطن كما كان الحال طوال السبعة عقود المنصرمة، لكنه بين كوريا الشمالية وواشنطن، والقول بكوريا الشمالية يعني بما لا يدع مجالاً للشك أن الصين حاضرة في المشهد وبكل قوة، ذلك أنه ما من كوريا دون الصين، والعالمين ببواطن الأمور، يدركون أن بكين تزود «بيونغ يانغ» بالوقود ثلاثة أيام بثلاثة أيام ، ولهذا فان القرار في كوريا الشمالية حكما مرتبطا ارتباطا وثيقا بما يراه الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، ولهذا رأينا الرئيس الأمريكي يكاد يستجدي نظيره الصيني للتدخل في أزمة كوريا الشمالية، وقطع الطريق على حيازتها للسلاح النووي، وفاته أن كوريا الشمالية هي دالة للصين، وأن الصينيين لديهم مقدرة على المناورة والمداورة لا تتوافر للرئيس الأمريكي، رجل الصفقات العقارية. ولعل السؤال محور هذا المقال... «هل ما يجري الآن في آسيا يمكن أن يقود العالم إلى مواجهة كونية وحرب عالمية بالفعل؟

المتابعون لشأن كوريا الشمالية ورجل الصواريخ «كيم يونغ أون»، قلقون كثيراً جداً من التجربة الصاروخية الأخيرة لبيونغ يانغ، سيما وان الصاروخ الجديد الذي أطلق بنجاح «هواسونغ - 15» قادر على الوصول للبيت الأبيض ، كما تندر البعض، فهو صاروخ عابر للقارات، مزود برأس حربى، وبعد إطلاقه قال الزعيم الكوري الشمالي انه يشعر بالفخر لأنه تمكن في نهاية المطاف من تحقيق الهدف التاريخي لبلاده وهو استكمال قوته النووية.

في أعقاب التجربة كان رد ترامب مختصراً لكنه مخيف: «هذا وضع سنتعامل معه»، فما الذي كان يقصده ترامب؟ وهل هي الحرب القادمة في آسيا لا مفر من ذلك، ولا محيص عنها؟

لم يطل انتظار الرد الأمريكي والذي تمثل بداية في المناورات العسكرية غير المسبوقة مع كوريا الجنوبية، واستمرت خمسة أيام شاركت فيها طائرات من طراز «أف -22» الأمريكية التي لا ترصدها الرادارات والتي تعتبر أكبر تهديد لكوريا الشمالية، ونحو 12 ألف جندي، فيما ترددت أنباء تشير إلى أن قاذفات قنابل «لانسر بي – 1 بي» ربما شاركت في التدريبات، عطفا على أن المتحدث باسم القوات الجوية الأمريكية المتمركزة في كوريا الجنوبية قد أشار بدوره إلى أن مقاتلات (اف - 35)، ستشارك أيضاً في التدريبات التي ستشمل مشاركة أكبر عدد من مقاتلات الجيل الخامس.

ماذا يعني ما تقدم؟

دون تهوين أو تهويل يمكن للمرء القطع بان ما جرى في المناورات الأخيرة هو أعلى درجة من درجات الاستعداد للحرب، وتهيئة الأجواء للصدام القادم على الأرجح ، وهو ما فهمته روسيا والصين بنوع خاص، وقد أبدتا رفضا واضحا، ودعتا لإلغاء تلك المناورة، لكن رجل واشنطن قد صم أذنيه، ومضى في طريق «تدريبات غير مسبوقة من ناحيتي الحجم والقوة»، وفيما تصر واشنطن وسيول على أن تدريباتهما العسكرية دفاعية بحتة، تعتبرها كوريا الشمالية بمثابة «بروفة للغزو».

لم يكن للصين أن تقف أمام هذا المشهد الذي يقترب من حدودها صامتة، ولهذا كان تحركها عسكريا حاسماً وحازما، إذ أعلنت بدورها عن مناورات عسكرية مفاجئة في ذات الوقت الذي تجري فيه مناورات واشنطن وسيول.

كانت مناورات الصين والتي جرت بالقرب من كوريا الشمالية رسالة لا تخطئها العين، وتمثل تحديا صينيا للولايات المتحدة ولكوريا الجنوبية لفرض توازن في القوى العسكرية بالمنطقة في لعبة الحرب التي تجري بين واشنطن وبيونغ يانغ.

ورغم عدم وجود معلومات تفصيلية عن المناورات العسكرية الصينية، إلا أن شين جنكي، المتحدث باسم القوات الجوية الصينية، ذكر أن طائرات مقاتلة وطائرات إنذار مبكر وقوات دفاع جوي تشارك في تلك المناورات.

على أن المكان الذي جرت فيه المناورات الصينية يستلفت الانتباه من حيث المعنى والمبنى والمغزى، فقد جرت في منطقة البحر الأصفر، وبحر الصين الشرقي، وهي المنطقة التي يدور من حولها الصراع بين الولايات المتحدة والصين، ففي حين أن الأولى تقول إنها مياه دولية، ولا يجوز للصين صناعة جزر فيها ما يعيق الملاحة الدولية، ترفض الصين الحضور الأمريكي أو بمعنى أدق النفوذ الأمريكي في منطقة تبعد عنها آلاف الكيلومترات وتقع تلقائياً في حيازة الصين تقليدياً.

يكاد المرء المتابع كذلك للشأن الأمريكي أن يشم رائحة الصراع والدعوة إلى الحرب في الداخل الأمريكي، وهناك في الأفق علامات عديدة تدلل على صدقية ما نقول به.

هناك على سبيل المثال، ما يتسرب هذه الأيام عن «الاستراتيجية الأمريكية الجديدة»، وهناك في القلب منها تعبير «استخدام القوة من أجل تحقيق السلام»، وهو اصطلاح دبلوماسي لمعنى بغيض آخر هو «الحرب الاستباقية»، والتي لا تزال واشنطن تعاني تبعاتها حتى الساعة، بعد أن انساقت لأهواء «جورج بوش» الابن ومجموعة المحافظين الجدد، الذين قادوا أمريكا إلى مستنقع أفغانستان، ولم يكتفوا بذلك، بل مضوا قدما في الطريق إلى العراق، ناهيك عن بقية الحروب التي تبقى خافية عن الأعين والأدهان دفعة واحدة.

وحتى لا يبقى الحديث مجرد تنظير، فان هناك في الأفق الأمريكي معالم عديدة تشي بالاستعداد للمواجهة العسكرية في آسيا، فعلى سبيل المثال رأى السيناتور الأمريكي «ليندسي غراهام» الذي يتمتع بنفوذ كبير ويعد من الصقور في السياسة الخارجية الأمريكية، أن شبح «الحرب الوقائية» يقترب، ولهذا صرح لشبكة «سي بي أس» الأمريكية، بانه «إذا جرت تجربة نووية تحت الأرض، فيجب الاستعداد لرد جدي من قبل الولايات المتحدة» ليس هذا فحسب بل أضاف غراهام أن استراتيجية إدارة ترامب هي «منع كوريا الشمالية من امتلاك القدرة على ضرب الولايات المتحدة بصاروخ مزود براس نووي»، موضحاً أن منع ذلك يعني حربا وقائية كحل أخير، وهذه تصبح أكثر احتمالاً مع تحسن تقنيتهم».

والشاهد أننا إذا وضعنا هذه التصريحات بجانب تصريحات أخرى سابقة لها من أطراف عسكرية أمريكية أخرى، تحدثت عن قدرة أمريكا على محو كوريا الشمالية من الخارطة الدولية في خمس عشرة دقيقة، لبلغ القلق منا مبلغه، وبخاصة أن السيناتور «غراهام» يدعو هذه الأيام البنتاجون لنقل عائلات أفراد عسكريين أكريمين من كوريا الجنوبية، وهي التي تستضيف أكثر من ثمانية وعشرين ألف جندي أمريكي مع عائلاتهم، وقال: «من الجنون أن نرسل الأزواج والأطفال إلى كوريا الجنوبية، في ظل استفزازات كوريا الشمالية المستمرة».

والمقطوع به أن المخاوف من اندلاع حرب في آسيا لم تعد تتوقف عند حدود الأمريكيين أو الآسيويين فحسب، إذ بات الأوربيون بدورهم مهددين من قبل كوريا الشمالية، وعليه فان الناتو والذي اختلف مع ترامب في ملفات عدة، يبدو أنه يتوافق معه في هذا الشأن.. كيف ذلك وبأي أدوات؟

أوائل الأسبوع المنصرم وقبل اجتماعه مع وزراء خارجية دول الحلف في بروكسيل، اعلن الأمين العام لحلف الناتو «ينس ستولتنبرغ»، أن كل دولة من دول الحلف قد تكون في مرمى صواريخ كوريا الشمالية.

«ستولتنبرغ» أكد ان قضية كوريا الشمالية ستناقش خلال الاجتماع الوزاري للناتو، معرباً عن قلقه إزاء استمرار التجارب الصاروخية الكورية الشمالية... هل يفهم من هذا التوجه أن بقية دول أوربا الأعضاء التاريخيين والتقليديين في حلف الناتو على استعداد لمواجهة صواريخ كوريا الشمالية عبر عملية عسكرية استباقية بالمشاركة مع الولايات المتحدة الأمريكية بنوع خاص؟

يبدو أن كل الاحتمالات وفي مقدمتها الحرب موضوعة على الطاولة الأمريكية، فقد تحدث مستشار الأمن القومي الأمريكي «إتش آر مكماستر»، خلال مؤتمر صحفي انعقد في كاليفورينا قبل أسبوعين بالقول: «إن احتمالات الدخول في حرب بشبه الجزيرة الكورية تزداد يومياً بعد الآخر»، مضيفاً «هناك العديد من الطرق لمعالجة القضية بعيدا عن المواجهة المسلحة، لكنه في الواقع سباق لأنه يقترب أكثر وأكثر، ولا نملك الكثير من الوقت» وأشار إلى أن القدرات العسكرية لكوريا الشمالية تتحسن بعد كل إطلاق صاروخي وكل اختبار نووي. تكاد الأنباء الواردة من الولايات المتحدة أن تقنعنا بان الحرب وشيكة بالفعل، وهناك عدة مؤشرات يمكن أن تقنعنا بذلك ولو نظريا، فعلى سبيل المثال أعلنت ولاية هاواي الأمريكية الواقعة في المحيط الهادي أنها ستبدأ في تشغيل صافرات الإنذار الخاصة بالأسلحة النووية مرة كل شهر ابتداء من يوم الجمعة الذي يوافق الأول من ديسمبر... لكن لماذا «هاواي» تحديداً؟

السبب لأنها لا تبعد سوى (4660) ميلا عن كوريا الشمالية، فيما الصاروخ الكوري الشمالي الأخير، يصل مداه إلى ما نحو ثلاثة عشر ألف ميل، ما يعني انه يهدد حياة خمسة ملايين أمريكي في هاواي.

إشارة أخرى تنبئنا بان القادم قد يكون خطيراً بالفعل، فقد بدأت القوات المسلحة الأمريكية في نقل أجزاء من نظام الدفاع المضاد للصواريخ «ثاد» إلى مواقع في كوريا الجنوبية، ليكون جاهزا لملاقاة صواريخ كوريا الشمالية، عطفا على ذلك فقد تم تشغيل رادار لتتبع مسارات الصواريخ في كوريا الشمالية لتكون القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية على استعداد في كل الأوقات.

ما الذى يجعل المواجهة القادمة في آسيا كارثة بالفعل؟

الشاهد أن كوريا الشمالية تمتلك ترسانة فتاكة من الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وفي حال نشوب حرب، لن تتردد بيونغ يانغ في إطلاقها وعليه فهل سترد واشنطن بالأسلحة النووية؟ وكيف يمكن أن تكون ردود الأفعال الصينية والروسية؟ بمعنى هل ستحاول موسكو وبكين إنهاء الصراع وتحجيمه أم أن النار ستلتهم الأخضر واليابس معاً، وتنتقل شرارة الحرب إلى الجميع، ليستيقظ العالم على محرقة غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية؟