أعمدة

نوافـذ :سيادة القانون أساس الحكم

22 ديسمبر 2017
22 ديسمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تلخص المادة (59) من النظام الأساسي للدولة في باب القضاء، والتي تنص على: «سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وشرف القضاء ونزاهة القضاء وعدلهم، ضمان للحقوق والحريات» جميع الممارسات والسلوكيات التي تسير عليها السلطة القضائية في السلطنة، وهي السلطة المهمة ضمن سلسلة السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وهي بهذا النهج، وبهذه الأهمية التي تتموضع من خلالها لإرساء جوانب العدل وضمان الحقوق والحريات لأبناء المجتمع العماني؛ فإنها تنطلق من مبادئ القيم العمانية الأصيلة، والتي لا تزال مضرب المثل في العدالة والتسامح، وتستمد مصابيحها المعرفية من النهج القويم لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ومن فكر القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، رئيس المجلس الأعلى للقضاء – حفظه الله ورعاه – آخذة من التطور المعرفي والتقني في مجالات القضاء، ومن تجارب الدول الشقيقة والصديقة منهجا ديناميكيا مساندا لا يتوقف عند مستوى معين من متطلبات القضاء واستحقاقاته، بقدر ما يوظف هذا التطور وبما يتوافق مع منهجياته الحديثة المتطورة، وما يتسامى بقيمه ومعارفه المؤسسية التي تتوافق وظروف العصر ومتطلباته.

تشكل المراحل التطورية التي مرت بها السلطة القضائية في السلطنة منذ بواكير النهضة المباركة مطلع السبعينات؛ بدءا بالمحاكم الشرعية التقليدية، مرورا بدوائر كتاب «قلم» في شرطة عمان السلطانية، وصولا الى درجات التقاضي الثلاث؛ الابتدائية والاستئناف والعليا، بما في ذلك اشتماله على القضاء المزدوج والمتمثل في جناح القضاء الإداري، وكذلك القضاء العسكري – المختص بالجرائم العسكرية - بالإضافة الى الادعاء العام «الموكول اليه الدعوة العمومية باسم المجتمع» أجمعت هذه المراحل في تكاملها اليوم على التوجه السامي الكريم في الارتقاء بمنهج القضاء لكي يقوم بدوره الكامل والشامل، وهو المنهج المترافق مع التطور المدني في أوجهه المختلفة؛ الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، ويأتي المعهد العالي للقضاء متواكبا مع هذا المنهج، ومنطلقا من خصوصيته العمانية في تاريخ القضاء والذي يتخذ من مدينة نزوى – حاضنة التاريخ والتراث الفكري والديني – مقرا له بتوجيه كريم من لدن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه -.

تنجز السلطة القضائية اليوم، وفق ما هيىء لها من أسباب ومن إمكانيات، وما تشهده من دعم سخي، كما نوعيا مقدرا في مجالات القضاء المختلفة، مستقصية بذلك البعد الجغرافي للسلطنة، حيث تنتشر «مجمعات المحاكم» في أغلب محافظات السلطنة، تسهيلا وتيسيرا لمجموع المتقاضين في شؤون الحياة العامة والخاصة لأفراد المجتمع، ويلعب المجلس الأعلى للقضاء الذي يستنير برؤى وتوجيهات جلالته – حفظه الله ورعاه – وبما يعيشه من تجارب وأحداث على الواقع والتي من شأنها أن تعضد المنهج، وتعلي سقف الخبرات، وتأصيل الممارسة لنتائج أنقى وأسمى.

إن مبادئ العدالة التي يسهر على توظيفها القضاء العماني في السلطنة؛ إحقاقا للحق والعدل، إنما تتسلسل دعائم تطبيقها من الضمير الإنساني الموكول الى جميع العاملين في السلطة القضائية، حيث أمانة المسؤولية، واستقلالية الممارسة، وهما أمران على درجة كبيرة من الأهمية، حيث لا سلطان على القضاء؛ كما هي القاعدة: والقاضي إذ يرتهن على تطبيقه للعدالة؛ فإنه يرتهن على هذه المبادئ التي لا ينازعه عليها أحد كان من كان؛ وهي تفويض مهني قبل كل شيء، كما أنها الخصوصية الأسمى في ممارسة القضاء، ومن هنا تتعزز الثقة أكبر، ويعلو سقف الاطمئنان أكثر عند جمهور المتقاضين، بأن حقوقهم مصانة، بحكم القانون والضمير، وما الفقرة التي جاءت في قانون القضاء والتي تنص على: «سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وشرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم ضمان للحقوق والحريات» إلا إضاءة معرفية، وقاعدة مهنية؛ ينهل منها القضاء مبادئ التطبيق وتأصيل الممارسة.

يعكس نمو القضايا المطروحة على منصات المحاكم بين كل فترة وأخرى؛ التوسع الذي تشهده التنمية في السلطنة، وهو توسع يفضي الى كثير من المسؤوليات والمهمات على السلطة القضائية، نظرا لتشعب القضايا وتنوعها، خاصة وأن السلطنة مقبلة – في مرحلتها التنموية القادمة – على التوسع في مجالات الاستثمار المختلفة، وإلى اجتذاب عمالة مهنية أكثر عددا وتنوعا، وهذا بدوره يفرض على العاملين في هذه السلطة أن يكونوا اكثر استعدادا لهضم مختلف القضايا والنزاعات التي عادت ما ترافق مثل هذا التطور النوعي في مجالات التنمية المختلفة، ونحن؛ بلا شك: نكبر في جهاز قضائنا النزيه؛ إنجازه المشهود له بالعدالة والحياد، وما نرى في هذا النمو في الإنجاز إلا جهدا مقدرا يستحق الإشادة، ويرخي سبل الأمان على امتداد الجغرافيا العمانية بشمولية العدالة والنزاهة، وضمان أصيل للحقوق والحريات.