1200487
1200487
المنوعات

عن مارجريت أوبانك ومجلة بانيبال

21 ديسمبر 2017
21 ديسمبر 2017

سيف الرحبي -

أي حديث سريع عن مارجريت أوبانك الكاتبة والناشرة، لا يفيها حقّها، لما قدمتّه من إنجاز نوعي للثقافة العربيّة، من محيطها إلى خليجها كما درجت التسمية. وهي بمعيّة أحد أصدقاء الماضي الجميل و«المَهاجر» بفتح الميم، الأكثر حنانًا وإدهاشًا من نقيضها وفق المتداول في الثقافة الثنائيّة، أسسّا بدأب وكدْح لجسْر الترجمة والتفاعل الخلاّق بين العربيّة والإنجليزيّة عبر مجلة «بانيبال» التي قطعتْ شوطًا من الكمّ والإنجاز بمكان محفوظ وأكيد في ذاكرة الثقافة والأدب.

وإذ أؤجل الحديث عن الصديق «التاريخي» صموئيل شمعون؛ فإن مارجريت أوبانك الإنجليزية الأصيلة التي تنحدر من أسرة ناشرين وكتّاب إنجليز. وهبتْ نفسها ومالَها وجهدَها لثقافة العرب وأدبهم في شتى المناحي والتجليّات.

والإشارة هنا إلى أصالة «ماجي» الإنجليزية بالمعنى الإبداعي المفارق للكولونياليّة وقيم الاستعمار الإمبراطوري التي طبعتْ العالم بالقسوة والاستغلال وتجعلها «الأصالة» لصيقة بتلك القيم القادمة من نهر المعرفة والأدب الإنجليزيّين المنفتحة على المدار الإنساني والجمالي، أي ما هو نقيض تلك القيم.

وإذ كانت «بانيبال» وما يتبعها من مطبوعات ونشاطات استطاعت عبر السنين، أن توجَد مثل هذه المكانة في أوساط اللغة الانجليزية ومؤسساتها ومنتدياتها المختلفة الأمكنة والأنماط، فيخال المرء أن وراء المشروع فريق عمل كبير، وليس «ماجي» مع صموئيل، ومثل هذه المكانة من الصعب إيجادها في أوساط اللغة المهيمنة على مفاصل العالم والتاريخ المعاصر، حتى من قبل مؤسسات مموّلة من دول ومبرمجة؛ إنه الإصرار والصبْر في الحَفر عميقًا في التربة الصعبة، ليس في الإنجليزية فحسب، وإنما في العربيّة التي لا تُولي أوساطُها ومؤسساتها الرسميّة أي أهميّة للثقافة والأدب، خارج الدعاية والإعلام الرسمييّن. لكن مارجريت، ورثتْ روح التضحيّة والمحبّة للأسرة الإنسانية، والعرب المنكوبين شعوبًا وثقافة، خاصة في هذه اللحظة التراجيديّة التي يُستباح فيها ما تبقى من إنسان وقيم، فطرة وأخلاق، تحت آلة الهمجيّة والسحَق، أمام أعين العالم المتحضر القادر والقوي، على وقف المجزرة في أي لحظة ومكان، لكن لا ضمير ولا وجدان ولا من يحزنون. وقبل توجيه الكَلام الدامي إلى «الآخر» المهيمن هو موجه بالدرجة الأولى والألف، إلى قادة هذه الأمة وشعوبها المفجوعة الذين سمحوا للوصول إلى قعْر هذه الهاوية والحضيض.

قلت إن مارجريت أوبانك، ورثت روح التضحية والجَلد من تقاليد الثقافة الإنجليزيّة والأوروبية التنويريّة المؤمنة بقيم الخير والجمال والأخوّة، مع غض النظر عن العرق والدين، القوة والضعف.. إلخ.

بعد هذه السنين التي تراكمت بسرعة صاعقة تقصف أعمارنا من غير هوادة وليست الرحمة من طبيعتها، وبعد إنجاز مشروع «بانيبال»، وكنت قد شهدت ولادة المشروع الناجح، لا يسعني إلا أن أوجه التحيّة عالية محلقّة كالطيور المهاجرة المرِحة، من سماء عُمان في شتائها الرائع والذي أتمنى أن لا يرحل سريعًا، إلى «ماجي» وصموئيل في لندن، بذلك المنزل الواقع قرب مطار (هيثرو) قريبًا من قنوات (التيمز) الخصيبة دائمًا والذي ما زلتُ أمتلك وردة في حديقته، وردة تقول (ماجي) أنها الوحيدة التي لا يكسرها البرد القارس والرياح الهوجاء.

تحية ومحبّة

* يعيد الشاعر سيف الرحبي نشر هذا المقال تحية لمغاي وصموئيل اللذين يزوران عمان هذه الأيام