المنوعات

معرض يروي تاريخ الجزائر عبر طوابعها البريدية

20 ديسمبر 2017
20 ديسمبر 2017

الجزائر ـ العمانية: يعد البريد المركزي الواقع بقلب الجزائر العاصمة من أجمل المباني التي تقف شامخة منذ أكثر من قرن في تحد لصروف الزمن وعادياته. شرع في إنجاز هذا المبنى من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية سنة 1910، واستمرت عملية بنائه ثلاث سنوات، حيت تم افتتاحه تحت اسم «البريد الجديد» سنة 1913، وكان يقع في «الحي الأوروبي» قرب أماكن تجمع الفرنسيين الذين قدموا إلى الجزائر مع احتلالها سنة 1830.

وتؤكد المراجع التاريخية أن هذا المبنى أنشئ على أنقاض كنيسة أنجليكانية مخصصة للمستوطنين الإنجليز الذين قدموا إلى الجزائر برفقة الكثير من الجنسيات الأوروبية مع الحملة الفرنسية. ويتوسط المبنى الذي تقرر تغيير تسميته سنة 1985، من «البريد الجديد» إلى «البريد المركزي»، شوارع عريقة أهمها «العربي بن مهيدي» (شارع ديزلي سابقا)، وشارع باستور، إضافة إلى شارع زيغود يوسف (كارنو سابقا). وهو يطل على البحر الأبيض المتوسط، ويضم حاليا عددا من المباني الرسمية، على غرار المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) ومجلس الأمة.

وقد ظل البريد المركزي لسنوات طويلة مركزا أساسيا للمعاملات البريدية، حيث تصب فيه كل الرسائل والطرود البريدية القادمة من داخل الجزائر وخارجها، إلى أن تقرر إغلاقه قبل سنوات من أجل إعادة تهيئته ليصبح متحفا يحكي مسيرة بريد الجزائر المستقلة.

ويضم المتحف الذي افتتح قسم منه مؤخرا، أجنحة أهمها: ما قبل التاريخ، جزائر العصور القديمة (نوميديا)، الاحتلال الروماني (25 ق.م-430 م)، الإسلام، الفترة العثمانية، الاحتلال الفرنسي والمقاومات الشعبية، من 8 مايو 1945 إلى الاستقلال، الجزائر المستقلة، الجزائر في العالم، المصالحة الوطنية وتحديات وإنجازات.

وتقول سليمة حمدي موظفة ببريد الجزائر: إن هذا المتحف «يحكي تاريخ الجزائر من خلال الطابع البريدي». وترى الهيئة المسؤولة عن المتحف، ممثلة بوزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال أن الطابع البريدي هو سفير ثقافة الشعوب والأمم، حيث يعكس هذا المعرض أبرز محطات تاريخ الجزائر منذ فجر الإنسانية إلى اليوم، ويمثل الطابع البريدي فيه دعوة لاكتشاف الجزائر من أبعادها كافة، وخاصة مكانتها في إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط والعالم، وكذا انتماؤها العربي، الأمازيغي، المغاربي والإسلامي.

كما يختصر المعرض مسيرة الطابع البريدي الجزائري التي تغطي رحلة 55 سنة، حيث صدر أول طابع بريدي سنة 1962.

وخصص مصممو المعرض زاوية للتعريف بالجهود التي بذلها التشكيليون الجزائريون تحت عنوان «تكريم المصممين والفنانين الأوائل»، حيث نوهوا بجهود أولئك الأعلام الذين ساهموا في إثراء مجموعة الطوابع البريدية منذ الاستقلال، وعلى رأسهم محمد راسم، وعلي خوجة، وإسماعيل صمصوم، وباية، ومحمد تمام، ومحمد إيسياخم. وتؤكد سليمة حمدي على أن تلك التصاميم والإصدارات رمز من رموز استرجاع السيادة والهوية الجزائرية التي ظهر التعبير عنها من خلال رسومات مستوحاة من إبداعات محمد راسم ونظرته المتشبعة بالحنين إلى فترة الرخاء والازدهار التي سبقت الاستعمار.

وتتقارب تلك الصور مع رسوم الفنان محمد تمام، وهو أيضا من رواد فن المنمنمات بالجزائر، حيث يعكس بدوره تصور جيل متعطش لاستعادة ملامح ثقافته والحضارة الأصيلة التي ينتمي إليها، بعدما حاول الاستعمار طمسها ومحوها من الذاكرة.

وقد حاول فنانون آخرون ينتمون للجيل نفسه أن يكونوا نموذجا عاكسا لانتماء الجزائر لفضائها المعاصر، وهذا ما تبرزه الطوابع البريدية بأساليبها وبصماتها الفنية الفريدة مثل لوحات الفنانة باية المشهورة ببساطتها، أو الشخصيات الغامضة والحزينة التي طبعت أعمال الفنان الراحل محمد إيسياخم.

وفضلا عن ذلك، خصصت إدارة المعرض جناحا للتعريف بالمكتب البريدي، وهو بمثابة واجهة لعرض وترويج كل منتج له علاقة بالمراسلة، حيث يضم طوابع وسجلات وأدوات لقياس الوزن وأدوات أخرى كثيرة تمثل التراث البريدي، إضافة إلى مجموعة من الآلات والأختام المختلفة وملابس عمال البريد، والتلغراف وغيره من الأجهزة التي استعملت في مكاتب البريد في مراحل تاريخية مختلفة.