1192133
1192133
مرايا

تقليص زيارة الأهل.. عذر أقبح من الذنب

20 ديسمبر 2017
20 ديسمبر 2017

بحجة مشاغل الحياة وبعد المسافة -

استطلاع- سارة الجراح:-

شكاوى تتكرر على مسامعنا من بعض الأهالي في تقصير زيارة أبنائهم لهم بعد الزواج، وكأنهم انتقلوا إلى وطن غير وطنهم وذلك بسبب الانقطاع وقلة الزيارة، والذي يتردد اكثر على لسان الوالدين وقت اللوم والعتاب هذه الجملة» (ابنك هو ابنك إلى أن يتزوج، وابنتك هي ابنتك حتى وإن تزوجت)، البعض يعارض هذه الجملة ولا يتفق معها من حيث أنها تظلم بعض الأزواج والذين يرون أنهم غير مقصرين مع أهاليهم، سؤالنا هنا: هل فعلا في هذا الزمن نجد أن التقصير في زيارة الأهل يقتصر على الأبناء فقط ام من الأبناء والبنات؟ وما هي الأسباب التي دفعتهم على الانقطاع، وماذا يقول الأهالي في ظل انشغال الأبناء عنهم؟

عبدالله بن مسعود الرحبي يرى أن بعض الأبناء بعد الزواج تكون حياتهم فقط لزوجاتهم وأبنائهم وينسون أهلهم، وربما يكون سبب الانقطاع هي الزوجة، وذلك لأنها قد تتسبب بفتن ومشاكل بين زوجها وأهله، وهذا السبب يجعل الابن يتجنب زيارة أهله، وبالرغم انه من المفترض على الزوج أن يترك أهله في كفة وزوجته وأبنائه في كفة أخرى، ويعطي كل ذي حق حقه، وان يبر بوالديه.

ومن ناحية زيارته لأهله يقول: زيارتي لوالدتي تقريبا بشكل يومي وذلك بعد نهاية الدوام، وفي حال حصل لي ظرف ولم أتمكن من زيارتها، أقوم بالاتصال بها لأطمئن عليها.

تقول بشرى بنت حسن: بصراحة نحن لا نشعر بقيمة وأهمية الوالدين إلا بعد أن نفقدهم، وساعتها نندم بأننا قصرنا في حقوقنا وواجباتنا أمامهم، لكن بعد ماذا! فبعد وفاة والدتي رحمها الله دون سابق إنذار( اللهم لا اعتراض) والموت حق ونحن نعلم ونؤمن حين يأتي الأجل لا يعرف شيئا اسمه (مرض، عمر، مكان)، تأثرت كثيرا، لأنه وبحكم عملي والمسافة التي تبعدنا كنت لا أزور والداي إلا كل أسبوع أو أسبوعين مرة، ومن ناحية الاتصال كنت أتواصل معهم لكن ليس بشكل يومي، وحين جاء خبر وفاة والدتي كانت بمثابة صدمة قوية لي، لذا الذي أفعله الآن وحتى لا أعيش نفس الإحساس من الندم، أصبحت أتواصل مع والدي (الله يطول في عمره) بشكل يومي وأزوره أسبوعيا في فترة الإجازة، وحين يكون متواجدا في مسقط بمنزل أختي أزوره يوميا، لذا من يعيش والداه عليه أن لا يقصر في حقهما أبداً.

مشاغل الحياة

يقول خلفان بن سعيد السيابي: أبنائي هم أبنائي وإن تزوجوا وانجبوا وانشغلوا، سيظل اهتمامي بهم كما هو، ولا يقتصر ذلك عليهم بل على أبنائهم أيضا، ومن ناحية ابنتي بالتأكيد بعد الزواج أظل اهتم بها وسيزداد اهتمامي لها اكثر، وأتمنى أن تبادلني هي نفس الاهتمام. ومن ناحية زيارته لأهله يقول: علاقتي بأهلي جيدة والحمد لله، لكن وبحكم بعد المسافة بيني وبينهم لا أزورهم بشكل مستمر، وحتى اتصالي للأسف اعترف انه قليل بسبب مشاغل الحياة.

يقول محمد علي ( ابو مريم): بصراحة كنت أتواصل في بداية زواجي مع أهلي كثيراً، وأيضاً كنت أحث زوجتي على زيارة أهلها وعدم الانقطاع عنهم، لكن وللأسف كثرة الزيارات عادت على حياتي الزوجية سلباً، فزوجتي تشتكي والدتك رمت تلك الكلمة وقالت، وأمي تشتكي زوجتك فعلت وقالت، فرأيت أنسب حل أن أقلل من زيارتي العائلية، وفي الوقت نفسه منعت زوجتي من زيارة أهلها وللسبب ذاته، فحين تأتي من بعد زيارتها لأهلها ندخل لي بمواضيع وطلبات غريبة، لكن أنا قللت فقط من الزيارة واتصالي مازال مستمر مع أهلي، والحمدلله ولم أقصر في طلباتهم، صحيح أن والداي يلوموني على تقصيري وأنني تزوجت وتغيرت لكنهم لو يعلمون السبب وحتى (لا أوجع رأسي ولا رأسهم ) لعذروني.

هدى بنت عبدالرضا تقول: علاقتي بأهلي ( سمن على عسل) والحمدلله، وعلى تواصل دائم معهم واعرف أخبارهم (أول بأول)، ذلك لأنني اترك ابني مع والدتي أثناء ذهابي للعمل. وبخصوص تقصير بعض الأزواج، فلا يمكننا لومهم في التقصير وخاصة (الموظفين)، أو الذين يعملون مثلا في مناطق بعيدة عن أهاليهم، لكن هذا لا يمنعهم عن الاطمئنان عليهم هاتفياً، أو زيارتهم أسبوعياً، لان البعض منهم وخاصة بعد أن يرزق بأبناء يستثقل الزيارة الأسبوعية، وتجده بالشهر او الشهرين لا يزورهم فهذا تقصير في حق الوالدين.

وبالوالدين إحسانا

وحول انقطاع او انشغال بعض الأبناء عن الوالدين التقينا الدكتور احمد الكندي أستاذ في جامعة السلطان قابوس بكلية التربية، ليوضح قائلاً: بر الوالدين واجب شرعي على الأبناء قرن بطاعة الله وعبادته، قال تعالى: «وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً» فقد عبر المولى بالأمور التي تفيد القطع والتحتم وقرنه بتوحيده وطاعته تأكيدا لمطلب البر، ونبه الأولاد أن الوالدين أحوج ما يحتاجان ذلك وقت الكبر، بل إن كبرا عنده في رعايته فليحذر من التقصير في حقهما والإساءة لهما ولو بكلمة «أف» وهي اسم فعل يفيد التضجر، فإذا كبرا معه في رعايته كولد نبه أن لا يقصر أو يسيء إليهما، فكيف بمن يزورهما ولا يعيشان معه وكيف بالأولاد الذين يعيشون في محضن الوالدين، فهؤلاء لا ينبغي منهم الإساءة والتقصير من باب أولى، وإذا كانت أف ممنوعة فمن باب أولى القطيعة وعدم أداء الحق أو ما فوقه من النهر والسب أو المس الجسدي من ضرب ونحوه. وبموازاة التحذير من أي أذى جاءت الدعوة لحسن التعامل معهما والتواضع لهما بأذل صورة وألطف عبارة وبصورة بيانية عظيمة في قول الله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة).

وقد أشعر بحقهما معا في الحض بالدعاء لهما المستفاد من قوله تعالى: «وأرحمهما كما ربياني صغيرا» وفي ذلك رسالة للأولاد إلى حاجتهما المتعددة ومنها العاطفية بالدعاء لهما وغيره، وإنما عبر بالدعاء لما للدعاء من ربط إيماني بالله ولأن في الدعاء قيمة أخرى، إذ أحيانا يكون وسيلة مهمة في البر وقد لا يملك أحد غيره؛ ولذلك نجد من المفسرين من يفسر قوله تعالى: «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» أن من دعا لوالديه فقد شكر لهما؛ ولا ريب أن الشكر أعم من ذلك إذ كما يقتضي شكر الله أداء حقه وما أوجبه على عباده فكذلك شكر الوالدين بأداء حقهما والبر بهما؛ ولا يفوت المتأمل للآية قرن شكر الله بشكر الوالدين بما يدل على عظيم حقهما.

وكيف يسوغ للمرء هجر والديه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول مجيبا على سؤال، من أحق الناس بصحبتي، قال أمك ثلاثا ثم قال أبوك، وفي لفظ أمك ثم أبوك ثم الأقرب فالأقرب فدل الحديث على تقديمهما على غيرهما، بل أمر بالإحسان ولو وقعت منهما إساءة عليه، فالله يقول «وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا»، ومن المعلوم أن لا إساءة أكبر من الأمر بالشرك، ومع ذلك المتأمل للآية يرى الأمر الإلهي يفيض حنانا ورعاية ورحمة بالأبوين، وحكى القرآن عن أنبياء الله كإبراهيم كيف كان يفيض قولهم حبا وحنوا ورعاية لآبائهم رغم قسوة الآباء وصدهم عنهم، واعتبر العلماء خدمة الوالدين أفضل من كثير من الأعمال كالاعتكاف والجهاد وغيرها، لحديث عبدالله بن مسعود «أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله» فهل بعد هذه النصوص القاطعة عذر لقائل أنه يسعه هجر والديه والانقطاع عنهما بأي عذر ما.

الجانب النفسي

وعن مدى التأثير النفسي حول الانقطاع أو التقصير في زيارة الوالدين التقينا مع محمود محمد ابراهيم عبد الله أستاذ علم النفس التربوي ليوضح قائلاً: إن الإنسان يمر بمراحل عمرية مختلفة ولكل مرحلة خصائصها، فهو لا يستغني عن الآخرين، فهم بحاجة إليه كما أنه بحاجة إليهم، لأن الإنسان بطبعه اجتماعي، وتكون هذه الحاجة أكثر كلما تقدم الإنسان في العمر؛ حيث تضعف قدرته على تلبية احتياجاته وقضاياه وأيضا لوجود وقت فراغ طويل، خصوصا بعد مرحلة التقاعد أو الانقطاع عن العمل، ومن هنا تأتي أهمية تواصل الأبناء والأحفاد مع آبائهم وأجدادهم.

وهذا التواصل له أهداف عدة منها خدمتهم ومساعدتهم على قضاء احتياجاتهم وتلبية مطالبهم، والجانب الآخر والذي لا يقل أهمية عن ذلك هو الجانب الاجتماعي والنفسي، حيث يشعر الإنسان بالحاجة إلى من يقف إلى جانبه ويحدثه ويخفف عنه من آلامه، وأن لا يشعر كبير السن بالوحدة التي ستؤثر سلبيا على نفسيته وبالتالي على صحته الجسدية، إن أغلب الأبناء يحدث لديهم تغير في التعامل مع آبائهم بعد الزواج، حيث نرى أن نسبة اهتمامهم بآبائهم تقل إلى حد ما بعد الزواج، فما سبب هذا التغير؟ ربما يذهب البعض إلى أن دخول عنصر جديد في حياة الابن أو الابنة (الطرف الثاني) يحتاج إلى نوع من الاهتمام الزائد وخاصة في بداية الحياة الزوجية، فقد يذهب البعض إلى أن ظروف الحياة الضاغطة هي التي تتسبب في بعد الأبناء عن الآباء، أو المسافات الكبيرة بينهم، ولكن يمكن القول أن هذا الأمر قد يتغير وخاصة إذا كانت الزوجة مرتبطة بعمل ما، فقد تحتاج إلى أبويها أو آباء زوجها لرعاية أطفالها، فهم الأجدر بالحرص عليهم من غيرهم، وهنا تزداد العلاقة بشكل أفضل وتتحسن بشكل كبير، اما اذا ذهب أحد الأطراف إلى أنه يريد - على سبيل المثال - إلى تربية أبنائه بطريقة مختلفة عما تربى بها، فقد يظهر البعد عن الآباء.

كما أن وسائل الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت العلاقات الأسرية والعائلية تأخذ منحى آخر، وهو الاكتفاء بتبادل العلاقات من خلال هذه الوسائل، وهي بطبيعة الحال غير كافية، إن الآباء إذا تقدم بهم السن أصبح كامل نظرهم لأبنائهم، فتراهم يعيشون حياة أبنائهم لا حياتهم، فيحاولون أن يتابعوا حياة أبنائهم لا من باب الفضول بل لأنهم يرونها حياتهم، فدائما ما يبحثون عن إسعادهم، وقد يتخيل بعض الآباء أن أبناءهم ما زالوا صغارًا يحتاجونهم، فبعض الأبناء يعتبرون هذا تدخلا في شؤونهم الخاصة، ولابد أن يعرف الآباء أن ظروف العصر قد تغيرت، فتزوّج الابن أو الابنة وانتقاله أو انتقالها إلى مسكن الزوجية لا يعفيهم عن مسؤوليتهم السابقة، إنما يجب عليهم أن يجمعا بين المسؤوليتين، بل ويخططا لذلك بشكل جيد.

كما نعلم أن الآباء عند كبر السن تكون الذاكرة لديهم مختلفة، فهم يتذكرون الأشياء البعيدة أكثر من تذكرهم للأشياء القريبة، وبالتالي قد يجد الأبناء دائما أن الآباء يكررون نفس القصة والحديث في كل مرة، كما أن كبار السن تنتابهم حالات نفسية خاصة منها الشعور بأن ما كان في الماضي أفضل من الحاضر، ومنها الشكوى الدائمة، والتمسك بالرأي وادعاء الصواب دائما، والعزلة والشعور بأنهم قد بلغوا نهاية المطاف، ولنعلم أن ما نقدمه لآبائنا لهو مكتوب لنا وعلينا وفي الدنيا، ولا شك سترد إلينا بضاعتنا، وسنجد أبناءنا يفعلون معنا ما كنا نفعل بآبائنا وأمهاتنا، ندعو الله أن يجعل خير أيامنا خواتيمها ويوم لقائه.