الملف السياسي

قرار ترامب يدق مسمارا في نعش اتفاقات أوسلو

18 ديسمبر 2017
18 ديسمبر 2017

د. فالح حسن الحمراني -

كاتب من العراق مقيم في موسكو -

[email protected] -

حسب ما يرى السيناتور ماكين فإن قرار ترامب سيعزز موقف إيران، الذي يطمح الرئيس الأمريكي إلى إضعافها. وتظهر أوجه التشابه مع 2003، حينما جعلت الولايات المتحدة باحتلالها العراق إيران أكبر دولة أجنبية مؤثرة في العراق.

ثمة معطيات على أن قرار دونالد ترامب بشأن القدس قد يكون له تأثير مأساوي على تطور القضية الفلسطينية يذكر بتأثير وعد بلفور المشؤوم، الذي أسس لقيام إسرائيل وتوسيع هجرة يهود أوروبا لاحتلالها وأنه أعطى ورقة بيد اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يعمل على نسف أي مشروع يتعلق بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس . وقوض موقف القادة الفلسطينيين المعتدلين، الذين كان من الصعب عليهم ومن دون ذلك الدفاع عن مواقفهم في مواجهة أنصار المواقف المتشددة.

وجاء قرار ترامب كخطوة منافية للقانون الدولي والقرارات التي اتخذتها منظمة الأمم المتحدة والجمعية العمومية بشأن القضية الفلسطينية، والتي شاركت الولايات المتحدة في صياغة بعضها والتصويت عليها.

وتشكل تلك القرارات الأساس الذي من المفترض أن تتم بموجبها التسوية الشرق أوسطية، وحظيت باعتراف دولي عام، ووضعت القيادة والتيارات السياسية والدوائر الاجتماعية الفلسطينية بعض الأمل عليها، وتحركت في إطارها لدفع المجتمع الدولي لممارسة الضغط على إسرائيل لتنفيذها. ومن بين تلك القرارات الحل على أساس مبدأ الدولتين وأن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.

وبهذا فإن قرار ترامب بشأن القدس أصبح ورقة بيد اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، الذي وضع الخطط الاستراتيجية بعيدة الأمد لهضم حقوق الشعب الفلسطيني، ويضع كل مرة الشروط التعجيزية أمام القيادة الفلسطينية. وقد تجلت نواياه بصورة فاضحة في كلمته أمام اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، وباءت محاولته لإقناعهم بدعم قرار ترامب، بالفشل الذريع، لأنها كانت غير مقنعة، وتهدف إلى نسف الأساس القانوني والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، التي تقرها الأغلبية الساحة للمجتمع الدولي.

لقد دق ترامب بقراره بشأن القدس مسمارا غليظا في اتفاقات أوسلو للسلام، والتي قامت بشكل أساسي على مبدأ السلام مقابل الأرض، وألقى أيضا بالظلال على أمانيه بتطبيق المبادرة العربية بشأن التسوية السلمية، وكان موضوع القدس كعاصمة لدولة فلسطين المستقبلية حجرا أساسيا في معدلات ومبادرات التسوية من الجانب العربي.

وفي حال عدم التراجع عن القرار الذي لم يحظَ بقبول الأغلبية الساحقة لدول العالم بما فيها النافذة والمنظمات الدولية. لقد وضع ترامب نفسه في مواجهة العالم وبرهن على «عشقه» للمفاجآت.

إن القرار وجه طعنة نجلاء إلى اللجنة الرباعية الدولية للوساطة بشأن تسوية النزاع الشرق أوسطي، أي أنه نسف الجهود الدولية للمساهمة الفعالة في التسوية. إن جهد اللجنة الرباعية من دون ذلك يحتضر بالتأكيد، والآن قد يمكن دفنه.

لقد ظلت اللجنة الدولية الرباعية، رغم دورها الخامل وانقساماتها وتهرب بعض أعضائها من تفعيل بعض القرارات الدولية، تشكل ساحة أو منتدى للقاء ممثلي الدول النافذة في النظر في سير عملية التسوية الشرق أوسطية وإثارة اهتمام المجتمع الدولي بها، ورصد التجاوزات المنتظمة بشأنها، والتملص من تنفيذ القرارات الدولية، خاصة من جانب إسرائيل.

واللافت أن ترامب وممثلة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة «هيلي»، أكدا على أن واشنطن لم تتخلَ عن النهج الذي اعلنه للمصالحة الإسرائيلية - الفلسطينية، مستدركا: ولكن وزير الخارجية الروسية سيرجي لافروف طرح سؤلا مشروعا عن مضمون هذه الخطة وأبعادها. بيد أن الخطة السرية المسربة التي وضعها صهر ترامب جارد كوشنر تستبعد أيضا تسليم القدس الشرقية للفلسطينيين كعاصمة لدولتهم المستقبلية، وتبدو فيها هذه الدولة الفلسطينية المقترحة عبارة عن قطع أراض منقسمة.

ومن الصعب أن نتصور أن زعيما فلسطينيا سيوفق على مثل هذه الخطة والقبول بها. وضمن هذا السياق نُقل عن المدير السابق لقسم الشرق الأوسط التابع لمجلس الأمن القومي الأمريكي ستيف سايمون، تأكيده في مقالته المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز: انه «بالرغم من تعهدات عدة إدارات أمريكية، فإن السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل لم يكن في يوم ما استراتيجية أو ضرورة لواشنطن».

وعلى وفق العديد من القراءات فقد جرى تبني القرار بتأثير دائرة ضيقة من الأشخاص «غير الأكفاء المحيطين بترامب والمقربين منه الذين يحددون سياسته الشرق أوسطية».

وأضاف: إن أسماءهم معروفة، «فضلا عن دوافع نصائحهم للرئيس الأمريكي الذي يروق له القيام بالمفاجآت». وثلاثة منهم كحد أدنى هم من أنصار القوى اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وذكر أن استطلاعات الرأي العام على خلفية ذلك تشير إلى أن 18% من إجمالي الأمريكيين بينهم 71% من الجمهوريين يفضلون أن يعتمد ترامب على خبراء في دبلوماسية الشرق الأوسط وليس على أفراد عائلته ومحاميه الشخصيين.

كما ألحق القرار الأضرار بسمعة أمريكا في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، وسيضعف شراكتها مع عدد من الدول المؤثرة في العالم الإسلامي، التي تعتبر لحد الآن أقرب حلفاء أمريكا.

وحسب ما يرى السيناتور ماكين فان قرار ترامب سيعزز موقف إيزان، الذي يطمح الرئيس الأمريكي إلى إضعافها. وتظهر أوجه التشابه مع 2003، حينما جعلت الولايات المتحدة باحتلالها العراق إيران اكبر دولة أجنبية مؤثرة في العراق. فضلا عن انه يجري تدمير مفهوم عملية السلام في الشرق الأوسط، التي فيها قضايا تشكل أساس المفاوضات بشأن ما يسمى بالوضع النهائي كقضية اللاجئين والحدود والأهم والأصعب من بينها القدس. ولا يمكن وقف موجة العنف التي بدأت بالفعل نتيجة لقرار ترامب، لأن الرئيس الأمريكي لا ينوي التراجع عن كلماته. كما أن المشاعر المعادية لأمريكا في العالم الإسلامي ستزداد، مما قد يعرض حياة المواطنين الأمريكيين للخطر. وهذا ليس فقط في دول الشرق الأوسط ولكن في دول أخرى منها إندونيسيا وباكستان وبنجلاديش وغيرها.