1197398
1197398
المنوعات

ندوة «بدبد عبر التاريخ» تكشف تفاصيل المكان.. وتنبش سر وجود 45 حصنا في الولاية

18 ديسمبر 2017
18 ديسمبر 2017

العثور على أحافير متنوعة للديناصورات والأشجار تعود إلى العصر الطباشيري -

تغطية: ماجد الندابي -

افتتحت صباح أمس فعاليات ندوة «بدبد عبر التاريخ» التي ينظمها المنتدى الأدبي بالتعاون مع مكتب والي بدبد، وتأتي ضمن سلسلة الندوات التي يقيمها المنتدى حول المدن العمانية، وتشتمل الندوة على سبع أوراق عمل بالإضافة إلى معرض فوتوغرافي وفني ومعرض للحرف التقليدية العمانية، ذلك تحت رعاية معالي الشيخ محمد بن عبدالله بن زاهر الهنائي مستشار الدولة بقاعة الجوهرة بولاية بدبد.

أكبر بيت للمال

وألقى الشيخ أحمد بن سعود السيابي أمين عام مكتب الإفتاء كلمة الولاية التي ذكر فيها أن ولاية بدبد تشارك مثيلاتها من المدن العمانية التي تم تكريمها من قبل المنتدى، لتكون حلقة في سلسلة حلقات تكريم الولايات. وبدبد شاركت ولايات السلطنة في صنع التاريخ العماني، وشهدت الأحداث الكبرى، وهي عريقة النشأة الجغرافية، جاء ذكرها عند تأثرها بالفيضان الكبير الذي اجتاح مناطق واسعة من عمان، وذلك في إمامة الصلت بن مالك رضي الله عنه وذلك في عام 251 للهجرة، وهذا التاريخ يدلنا على عراقة هذه الولاية، كما أنها رفدت تاريخ عمان العلمي بعدد من العلماء الأجلاء، كالشيخ هادي بن إبراهيم، والشيخ خالد بن محمد وغيرهم، واستمر هذا الرفد الكريم المعطاء إلى وقتنا الحالي، وتمتاز بأنها تشتمل على أهم معالم وضيعات بيت المال، وهو الرافد الاقتصادي الكبير للدولة العمانية، أما في هذا العهد الزاهر فقد حظيت الولاية بمنجزات عديدة من منجزات هذه النهضة المباركة، ولا ننسى أنها كانت في هذا العصر الزاهر سفيرة الكرة العمانية رياضيا عبر نادي فنجاء. بعد ذلك قامت فرقة شعبية بتقديم فني العازي والرزحة.

مشروع عمره ربع قرن

ومن ثم قدم عوض بن محمد اللويهي مدير المنتدى الأدبي كلمة المنتدى التي قال فيها: «يتجدد لقاء المنتدى الأدبي بكم أيها الإخوة الأعزاء في هذا اليوم الأغر، حيث قافلة التاريخ قد اختارت هذا العام أن تحط بركابها على ثرى هذه الولاية العزيزة من ربوع هذا الوطن الشامخ، ونحن غير بعيدين عن أصداء احتفالات السلطنة بالعيد السابع والأربعين المجيد.

وأضاف: نلتقي بكم اليوم لنقف معًا وقفة علمية ومعرفية غايتها استخراج المكنونات العميقة لهذه الولاية العريقة ألا وهي ولاية بدبد، إن الشخصية الحضارية لهذه الولاية لا تكاد تخفى على ذي بصيرة، سواء تمثل ذلك في موقعها الجغرافي الذي يُعد ركيزة مهمة ومكونا صلبا في بناء تلك الشخصية، كما أن الأدوار التاريخية التي لعبها أبناء هذه الولاية على مرِّ الحقب والمآثر الماثلة لعين الناظر من أفلاج وحصون وأبراج وبيوت أثرية، وما خلفه علماء وفقهاء وأدباء بدبد، إن جميع تلك المكونات والعناصر الثقافية التي ذكرناها وغيرها مما لم نذكره لهي مما يصعب الإحاطة به في هذه الكلمة الموجزة.

ولكننا ولله الحمد الذي يسر لنا سبل التعاون مع باحثي هذه الندوة الذين لم يتخلفوا عن تلبية دعوة المنتدى لهم للمشاركة بما لديهم من خبرات معرفية وطرق منهجية تسهم في إبراز العمق الحضاري لهذه الولاية».

وبين اللويهي أن هذه الندوة تأتي في إطار مشروع طويل ابتدأه المنتدى الأدبي منذ ما يزيد على ربع قرن؛ فدُرست الكثير من الولايات والمدن والمحافظات. والمنتدى سائر في خطه بمزيد من التعمق ومزيد من الوعي بحضارة هذه الأرض المعطاءة. كما أن النتاج العلمي لجميع الندوات السابقة قد تم طباعته، ويشكل ما طبعه المنتدى الأدبي مرجعا علميا وركنا مهما في المكتبة العمانية لجميع الباحثين والدارسين للشأن الثقافي في عمان سواء أكان عن تاريخ المدن والحواضر أو العلماء أو غير ذلك من مواضيع ثقافية.

صخورها تكونت قبل 66 مليون سنة

بعدها تم تقديم أوراق العمل المشاركة في الندوة حيث أدار الجلسة الدكتور سعيد بن محمد السيابي وحملت الورقة الأولى عنوان «جغرافية ولاية بدبد وجيولوجيتها » قدمها الدكتور محمد بن هلال الكندي الذي بدأ ورقته بعرض صورة قديمة تظهر فيها حصون بدبد والتي يبلغ عددها 45 حصنا بالإضافة إلى القلاع وهذا يدل على أهمية هذه الولاية تاريخيا لما تمتاز به من موقع استراتيجي يعتبر همزة الوصل بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية حيث تقع ولاية بدبد على الصدوع الفاصلة بين سلاسل جبال الحجر الغربي والشرقي، هذه النافذة الطبيعية كان لها أثر كبير في تنوع سجل الولاية الجيولوجي وتفرد موقعها الاستراتيجي.

كما بين الكندي أن ولاية بدبد تحتوي على ثروات طبيعية معدنية ومائية نشأ على قوامها تاريخ إنساني فريد، وصخور ولاية بدبد يعود أغلبها إلى ما يعرف بحقبة الحياة المتوسطة التي انتهت قبل نحو 66 مليون عام ، هذه الصخور تنقسم إلى نوعين متباينين، الأول ترسب في بحار ضحلة ، فهو يحتوي على أحافير بحرية متنوعة كالمرجان والأصداف والمحار، في حين تكون النوع الثاني في قيعان المحيطات، قبل أن تحمله عوامل الأرض الحركية فوق شمال السلطنة، وعرف هذه الصخور في مجملها بطبقات صخور الأفيولايت، هذا النوع يحتوي على بقايا حمم وبركانين وحواجز نارية وطبقاتٍ لصخور نارية ومتحولة مميزة يمكن رؤيتها في أماكن متفرقة من الولاية.

وبين الكندي أن هذه الصخور تعرضت لكثير من عمليات التحول بفعل الحرارة والضغط خلال تكونها في المحيطات وحملها إلى اليابسة لتجعل منها غنية بالمعادن المختلفة، وفي نهاية حقبة الحياة المتوسطة ترسبت في الناحية الشمالية من الولاية صخورٌ رملية تحتوي على أحافير متنوعة للديناصورات والأشجار التي نمت على ضفاف الأنهار، ولأن ولاية بدبد تقع على امتداد صدوعٍ غائرة، لكنها خاملة فيما يبدو، تبثق مجموعة من العيون الحارة على امتداد هذه الصدوع، كأفلاج فنجاء الحارة، هذه الصدوع تمتد من ولاية الرستاق غربا مرورا بولايات نخل وبدبد وبوشر ومسقط شرقا، وعلى طول هذه الصدوع ترسبت صخور جيرية حديثة تحتوي على أحافير متنوعة من أزمنة مختلفة.

تبادل القوافل التجارية

بعدها قدم د. سعيد بن محمد الهاشمي ورقة عمله التي حملت عنوان «المكانة التاريخية لولاية بدبد» تحدث في بدايتها عن موقع الولاية وعلاقة هذا المكان بالحوادث التاريخية التي مرت بها الولاية حيث تعتبر بدبد من الولايات الجبلية حيث تقع على ضفتي وادي سمائل فيقع جزء من الولاية في الحجر الشرقي والجزء الآخر في الحجر الغربي، حيث مثل هذا الموقع الاستراتيجي مكانا هاما لتبادل القوافل التجارية، ذاكرا أن هذه الولاية تحتوي على 41 قرية ويهتم سكانها بالزراعة وتربية الماشية والتجارة، حيث يعد سوق فنجاء من أشهر الأسواق التقليدية العمانية.

بعد ذلك تطرق الهاشمي إلى ذكر الحوادث التاريخية في الولاية منوها على الكم الهائل من الحصون والأبراج التي لها أهمية استراتيجية لحماية هذه الولاية حيث أنها أعلنت الولاء للإمام ناصر بن مرشد أثناء قيام دولة اليعاربة، ولكن في نهاية دولة اليعاربة بعد السلطان سيف بن سلطان دخلت عمان في حروب أهلية، حيث حصلت في فنجاء الكثير من المعارك منها أن أتباع الزعيم الهنائي حاولوا أن يُخرجوا اليعاربة من نخل، فخرجوا منها واستولوا على فنجاء، فتحالف أهل فنجاء مع المعوليين وذلك للاستيلاء على نخل، وقد نجحوا في ذلك وبعد فترة تم الصلح بين هذه القبائل على أن يرجع كل إلى منطقته.

كما بين الهاشمي أن المصادر شحيحة جدا، وتفتقر إلى الترابط التاريخي حيث تكثر فيه الفجوات الغامضة والمنسية من التاريخ، وهو خلاف ما تشهده من تحصيناتها الاستراتيجية حيث لا تكاد يخلو جبل أو تل من برج قلعة يحرس ذلك المكان. فضلا عن الحصون والقلاع، والبيوت المحصنة والأسوار المحيطة بالقرى والبساتين . فهي شاهدة على المكانة التاريخية للولاية . لكن في العصور الحديثة اتضح شيء من تاريخها الناصع من خلال ما سطره كتاب القرن العشرين .

50 علما من أعلام بدبد

بعدها قدمت ورقة حملت عنوان «الحركة العلمية والأدبية في ولاية بدبد» للدكتور خالد بن سليمان الكندي، والمهندس سعود بن عبدالله الفارسي، حيث أشار الفارسي إلى أن هذه الدراسة المشتركة تعد الدراسة الأولى من نوعها عن ولاية بدبد، وقد تم الاعتماد على الحدود الجغرافية الحالية للبعد المكاني في هذه الدراسة أما البعد الزماني فلا ينحصر في زمن معين وإنما هو محاولة حصر العلماء والأعلام الذين عاشوا في هذه الولاية، وقد تحدث الباحثان عن محورين أساسيين احدهما ملامح الحركة العلمية والأدبية وتحدثا فيه عن المدارس والمساجد التي أدّت دور مراكز المعرفة والتعليم في ولاية بدبد عبر التاريخ، وأهم مميزات هذه الحركة وظرفها التاريخي وعلاقتها بغيرها من مراكز النشاط العلمي والأدبي في عُمان، حيث تناولا مبحث حركة التأليف وتنحصر ما بين القرنين الثالث عشر الهجري والقرن الخامس عشر الهجري، وتضم خمسة أعلام و40 مؤلفا، ومبحث آخر عن الرحلات العلمية، ومبحث المراسلات العلمية، ومبحث المؤسسات العلمية، ومبحث الأسر العلمية.

أما المحور الثاني في الورقة فقد تناول أعلام ولاية بدبد سواء كانوا من (أعلام العِلم والثقافة والدين) مثل الفقهاء والقضاة والزُّهّاد والشعراء والْمُصنِّفين والنُّسّاخ والنُّسّاب، أو (أعلام السياسة) مثل الأئمة والوُلاة والقادة العسكريين وشيوخ القبائل، أو (أعلام الاقتصاد) مثل التجار والحِرَفيين والبنّائين والنَّقّاشين وجُبَاة الزكاة. وقد اقتصرا على مَن فارق الحياة.

وتم تسجيل 50 علما من أعلام ولاية بدبد، منهم عالمان من القدماء احدهما من القرن الثاني الهجري وهو الشيخ هادي بن إبراهيم، والعالم الآخر هو الشيخ الأعمى خالد بن محمد الذي يرجح انه عاش في القرن الخامس الهجري. وافتتح المعرض الفوتوغرافي والفني وتجول راعي الحفل والحضور فيه واشتمل على لوحات تبرز أهم المعالم الحضارية في الولاية كالقلاع والحصون والأفلاج وتوثق لأهم المناسبات كالأعياد والأفراح، كما تجسد اللوحات الفنية بعض جماليات المكان بما تحويه من بساتين وجبال شامخة وجسور.

أما جلسة اليوم فتتضمن أربع أوراق عمل وهي ورقة «الموروث الثقافي لولاية بدبد» يقدمها د. سليّم بن محمد الهنائي، وورقة تحمل عنوان «الأهمية الاقتصادية لولاية بدبد في الماضي والحاضر» يقدمها د. أحمد بن حمود القاسمي، وورقة « الوقف وبيت المال في ولاية بدبد» يقدمها خالد بن محمد الرحبي، وورقة بعنوان « بدبد في عصر النهضة، يقدمها د. سيف بن عبد الله الهدابي والدكتور سيف بن محمد الرحبي، وورقة تحمل عنوان«معالجة الصحافة العمانية للشأن المحلي بسلطنة عمان» يلقيها د. سمير محمود.