1196315
1196315
المنوعات

«النمري».. شاب تونسي احترف الفن التشكيلي بقدميه

17 ديسمبر 2017
17 ديسمبر 2017

تونس، «الأناضول»: بين ثنايا أطراف قدميه يضع الشاب التونسي «أشرف النمري» ريشة الرسم، ويتنقل بين اللوحة تارة وعلبة الألوان تارة أخرى، بحركة انسيابية يوجد بها مشهدًا جميلًا يسر الناظرين.

«النمري» تونسي صاحب 33 عامًا، ولد فاقد اليدين، فخبّأ بين طيات قلبه قدرات آمن بها الجميع، وكوّن من ركام اليأس ودهاليز الإحباط شمس أمل أشرقت منذ طفولته، لتنبئ بولادة موهبة تونسية مليئة بالتحدي وحب الفن والحياة.

ولعل ما يشدّك طيلة الجلوس معه، تلك البسمة التي لا تفارق محياه، ونظراته التّي يملأها الأمل وتحدي الإعاقة.

«اكتشفت موهبتي منذ كنت في سن الخامسة، عندما بدأت أمسك القلم بأصابع ساقي وارسم شخصيات مشهورة من مسلسلات الرسوم المتحركة»، هكذا يحكي أشرف قصة بدايته.

وفي حديث للأناضول يقول: «كلما كنت أرى صورة سارعت بمسك القلم وتقليدها، إلى أن كبرت موهبتي شيئا فشيئا، لأصبح بعدها أول حامل إعاقة يرسم بساقيه في تونس».

منذ طفولته أراد أشرف صقل موهبته وبلوغ عالم الاحتراف؛ فتتلمذ على يد «محمد مطيمط»، أحد أكبر الفنانين التشكيليين في تونس، خلال الفترة بين 1999 و2003، وحصل سنة 2016 على شهادة الاحتراف التي أسندت لأول حامل إعاقة في تونس.

ويعود الفضل في صقل شخصيته الفنية -حسب أشرف- إلى «مديرة مدرسته الابتدائية، فقد أصرّت على إبراز موهبته عبر الإعلام التونسي ليشارك حينها (9 سنوات) في برنامج مخصص لأصحاب الإعاقات من الموهوبين». ويضيف: «كل من عرفني آمن بعزيمتي وموهبتي وحبي للرسم، حتّى أنهم كانوا يلجؤون إليّ لتلبية طلبات الرسم الخاصة بهم». ويقطع أشرف شوطا من ذاكرته ويقول: «كبرت فبدأت الصعوبات تتجلّى أمامي، وأيقنت أنّ تونس لم تعطِ للفن كثيرا، خاصة التشكيلي، ما جعلني انقطع عن هذا العالم بين سنتي 2008 و2016». ويستطرد: «لم أجد فرصتي. هناك من استغل اسمي لإقامة معارض، ولم يلتفت لي لاحقا». «وصلت حينها مرحلة من اليأس وكنت أعمل دون مقابل .. لكنني اليوم عدت إلى عالمي بحماس وتحدٍ أكبر»، يقول أشرف.

خلال سنوات 1999 و2005، تلقّى أشرف دعما من جمعية سويسرية تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، كانت تقدّم له معدّات الرسم، وساعدته في إقامة معارض فنية في سويسرا لثلاث سنوات متتالية.

وإلى جانب معارضه في سويسرا، أقام الفنان التشكيلي معارض عدة في تونس، وأُتيحت له الفرص لعرض أعماله الفنية في سويسرا. مزج أشرف في لوحاته بين مكونات الطبيعة والطبيعة الصامتة، كما كان يترجم أحاسيسه وما يختلج داخله عبر الفرشاة فيعبر عنه بالرسم. لوحات الشاب التونسي التي رصفت في ركن من غرفته عكست ما بداخله من إصرار وعزيمة، وأظهرت عوالم الطبيعة الخلابة وتجلياتها، ممزوجةً بإرادة إنسانية قوية. ويوجه الفنان التشكيلي الذّي يتلقى اليوم دعما من وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية، رسالة إلى ذي الاحتياجات الخاصة بأن «يبتعد عن الخجل ويثق في نفسه ودرايته، ويبرز ما بداخله من مواهب». وكانت الأناضول قد زارت معرض أشرف الفني الذي أقيم مطلع ديسمبر الجاري، في أهم قاعة عروض بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس. وعلى هامش المعرض، تحدّثت «سعيدة جميل» والدة أشرف، لنا عن موهبة ابنها التي برزت منذ سنوات عمره الأولى، «إذ كان مولعا بالرسم منذ الصغر».

وتقول سعيدة «كنت مؤمنة بموهبته. شجعته ودعمته كثيرا إلى جانب أفراد العائلة الذين دفعوه إلى الأمام نحو تحقيق حلمه وإبراز ذاته». من جانبها، تقول ريم عبد الناظر الأخصائية النفسية والصديقة المقربّة من أشرف: «هذا الشاب يمتلك قوة عزيمة جعلته يعطي درسا لأبناء جيله».

وتضيف للأناضول: «عادة يلقي شبابنا اللوم على الظروف أو الإعاقة عند فشلهم، لكن أشرف أظهر العكس وتحدّى كل الظروف، وأثبت أنه كلما كانت إرادتنا قويّة وإصرارنا أقوى كلما تمكنا من مجابهة أكبر العوائق في حياتنا».

وترى عبدالناظر أن «أشرف الذي حرم من يديه استطاع إثبات أنّ الإعاقة تكمن في الأذهان فقط، وليست في الأجساد». وهي تقول إنه «لا يؤمن أبدا بالضعف واليأس، ليبرهن على طموح لا متناهٍ».