abdullah
abdullah
أعمدة

نوافـذ: ســــوءة

17 ديسمبر 2017
17 ديسمبر 2017

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

الأوراق مختلط أبيضها مع ما تلطخ بحبر الكتابة، الحبال متشابكة متداخلة بعضها مع البعض لا تدري بدايتها من نهايتها، الإنسان ذاته ملطخ بخطيئته لا يرى فيها سوى سوءة أخيه وتعمى عليه سوءته الكبرى، عالم يكرر ذاته منذ عصور ساحقة في التاريخ، هو ذات المشهد يتكرر بحذافيره ولكن بأبطال آخرين يؤدون ذات أدوار من سبقهم، حرب، قمع، إرهاب، قتل، إبادة، سفك دم، وأصناف شتى من الوحشية والتعنت والديكتاتورية عدد منها ما تشاء أن تعد فكلها بل وأكثر منها بات من بين ظهرانينا من يتقن عزفها والغناء عليها.

لم تبد للإنسان سوءته كما بدت ظاهرة منكشفة وعارية كما في عالم اليوم، الإنسان عدو لأخيه الإنسان بل هو أشد عداوة له من أي شيء آخر خلقه الله، هو أرأف بالحيوان منه بالإنسان، وأحن إلى الجماد منه إلى أخيه، وألطف بالنبات منه بنده الإنسان، خطيئة ابني آدم نعيشها كل يوم، شعب يهجر آخر بسبب تعنت وصلف، شعب يمطر جاره نارا وجحيما بسبب اختلاف في الرأي معه، أمة تقطع أخرى أسباطا لإرضاء غرور إنسان غير سوي، شعب يهجر من وطنه ليتعرض للذل والمهانة بسبب خلافات شيطانية، وكل هذا يحدث بسبب جور الإنسان وطمعه وشيطنته وجنون عظمته التي تتكرر مع كل جيل يأتي إلى هذه الأرض.

دروس التاريخ وعبره تقول إن الطغيان لن يدوم حتى وإن امتد به العمر، أمم لم يخلق الله مثلها في البلاد ووصلت إلى ما لم نصل نحن بعد إليه كانت نهايتها أليمة وعذاب الله منها قريب. تلك الأمم لم تعتقد - كما نحن اليوم لا نعتقد - أن يوما سيأتي ويهلكهم الله فيه أو أن هنالك من سيزلزل عروشهم ويهدد بنيانهم ويسفك دماءهم ويقتل أبناءهم وينهي حضارتهم.

أمم كانت تعيش في سكرة القوة والعظمة والحضارة والبناء والمعرفة ولم تكن تشك بأن كل ما شيدوه سينتهي في لحظة صغيرة من الزمن وسيأتي بعدهم أقوام يقفون على شواهدهم ولا يتعظون بها، أقوام يدوسون على تراب من سبقهم ولا يعتبرون بأن أولئك الغابرين كانوا يمارسون ذات الخطيئة التي نمارسها، ويرتكبون ذات الإثم الذي نرتكبه وينظرون إلى ذات السوءة التي أهلكت من قبلهم بنفس نظرتنا إلى سوءتنا التي سوف تهلكنا كما أهلكت من قبلنا.

في هذا العالم الذي اختلطت فيه الأوراق وتناثرت بتنا لا نفرق بين حق وباطل، بين صحيح وعليل، بين بياض النور وسواد الظلمة، صار القاتل فينا محبوبا والمقتول مجرما، صار المحتل الغاصب صديقا ومن وقع عليه الاحتلال عدوا وخصما، صار الدين مطية مطواعة لذوي الأهواء يطوعونه كيفما أرادوا ومتى شاءوا يحلون فيه المحرم ويحرمون المحلل، صار الأخ يسفك دم أخيه باسم المذهبية والدين، وكل ذلك يحدث بأمر ونهي ممن استشعر في نفسه القوة والعظمة فبات آمرا ناهيا فاعلا تاركا يدني من يشاء ويبعد من يشاء، لا يجرؤ أحد على سؤاله ونقاشه فالأمر أمره والنهي نهيه.

يقال إن التاريخ عجلة تدور ذات اليمين وذات الشمال تقفز للأعلى ثم ترتد للأسفل، من كان اليوم في أعلى قمم التاريخ فسوف تدوسه العجلة يوم غد بعدما يأتي دروه ليكون في أسفلها. قلت لصديق بأن مشيئة الله قضت أن نولد ونأتي الى هذه البسيطة ودورة التاريخ فيها ساقطة نازلة فنحن واقعون تحت حوافر هذه العجلة تدوسنا بتروسها فكل ما نشهده اليوم من مصائب ومشاكل وحروب وخلافات ما جاءت الا بعد أن دار التاريخ دورته فقد كنا في يوم من الأيام في قمة هذه العجلة واليوم بات نصيبنا أن نكون في أسفلها وغدا ولا أعلم متى يكون سنرجع لنكون في القمة مرة أخرى، وهذا هو حال أمم الأرض جميعا سوف ينعمون برغد الحياة وملذاتها لسنوات تأتي بعدها سنوات عجاف تطول أم تقصر بحسب مشيئة الله وبحسب ما يقومون به من أعمال ولكن مسير هذه العربة جار بغير توقف.

يبقى من كل هذا أن يحيا الإنسان في سلم داخلي مع ذاته ونفسه بعد أن عز طلب السلم الخارجي ويبقى العزاء لنا وللبشرية أجمع من أن التاريخ كفيل بتسجيل الصالح والطالح الجيد والخبيث ويبقى أن للتاريخ كلمة يقولها حتى وإن حاول الطغاة طمسها.