1195863
1195863
الاقتصادية

صندوق النقد: تعافي الصناعات غير النفطية في الخليج يحتاج إلى دفعة أكبر للنمو

17 ديسمبر 2017
17 ديسمبر 2017

دعا الى التركيز على خفض الإنفاق على الدعم وفاتورة أجور القطاع العام -

كتب ـ سرحان المحرزي -

أكدت دراسة لصندوق النقد الدولي أن النمو بدأ يتعافى إلى حد ما في الصناعات غير النفطية، لكنها أشارت إلى أن الأمر يتطلب تحديثات أسرع لإعطاء دفعة أكبر للنمو ودعم الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد وتنمية القطاع الخاص وإيجاد فرص العمل.

وقد نظرت ثلاث دراسات لصندوق النقد الدولي مؤخرا في التحدي الاقتصادي الذي يواجه دول مجلس التعاون الخليجي الست - السلطنة والبحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وفي كيفية تخفيض العجز في هذه الدول مع تشجيع النمو الاقتصادي، وكيف يمكن أن تضمن بنوكها المركزية استمرار تدفق الائتمان لدعم الاقتصاد، والتأكيد على أن التكيف مع انخفاض أسعار النفط لن يكفي وحده في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ونعرض هنا لأهم ما خلصت إليه هذه الدراسات.

ففي دراسة ”آفاق الاقتصاد وتحديات السياسة في دول مجلس التعاون الخليجي”، يبحث خبراء الصندوق آفاق الاقتصاد في المنطقة والبداية القوية التي حققها صناع السياسات في معالجة بعض تحديات الموازنة العامة، حيث بدأ النمو يتعافى إلى حد ما في الصناعات غير النفطية، لكن الأمر يتطلب إصلاحات أسرع لإعطاء دفعة أكبر للنمو ودعم الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد وتنمية القطاع الخاص وخلق فرص العمل.

وتشمل التحديثات: الحد من دور القطاع العام، وذلك بطرق منها الخصخصة والشراكات مع القطاع الخاص؛ وتحسين مناخ الأعمال من خلال تحسين التنظيم، ورفع كفاءة الخدمات الحكومية لتشجيع الاستثمارات الأجنبية والمحلية؛ وتشجيع المواطنين على العمل في القطاع الخاص عن طريق تقديم مستوى أفضل من التعليم والتدريب.

وجاء في الدراسة أن النشاط الاقتصادي العالمي يكتسب زخما متزايدا فمن المتوقع أن يبلغ النمو العالمي 3.6% هذا العام و3.7% في 2018 مقارنة بمعدل 3.2% في 2016، وتحيط بهذه التوقعات مخاطر متوازنة بشكل عام على المدى القصير، ولكنها تميل إلى الجانب السلبي على المدى المتوسط وينتظر أن تؤدي بيئة النمو العالمي الأكثر إيجابية إلى دعم الطلب النفطي بما يجعله أقوى إلى حد ما. ومع استمرار التضخم الضعيف في البلدان المتقدمة يتوقع أن تظل السياسة النقدية تيسيرية.

وتواصل دول مجلس التعاون الخليجي التكيف مع انخفاض أسعار النفط. فقد حدث ضبط مالي كبير في معظم البلدان، مع التركيز في الأساس على تخفيض الإنفاق. ويعتبر هذا ضروريا ولكنه تسبب في إضعاف النمو غير النفطي. ولما كانت وتيرة الضبط المالي في سبيلها إلى التباطؤ، فمن المتوقع أن يرتفع النمو غير النفطي إلى 2.6% هذا العام بعد أن بلغ 1.8% في العام الماضي. غير أن انخفاض الإنتاج النفطي يرجح انخفاض النمو الكلي لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 0.5% في 2017 بعد أن بلغ 2.2% في 2016، ولا تزال آفاق النمو ضعيفة على المدى المتوسط في سياق أسعار النفط المنخفضة والمخاطر الجغرافية/‏‏‏السياسية.

وقد بدأ صناع السياسات بداية قوية في تعديل سياسة المالية العامة. وبينما تختلف وتيرة الضبط المالي باختلاف البلدان تبعا للحيز المالي المتاح لكل منها، فإن على كل البلدان عموما أن تركز على ترشيد الإنفاق وإجراء مزيد من الإصلاحات في أسعار الطاقة وزيادة الإيرادات غير النفطية، وتحسين كفاءة الإنفاق الرأسمالي. وينبغي أن يقترن الضبط المالي بإجراء مزيد من التحسينات في أطر المالية العامة ومؤسساتها. وتجدر الإشارة إلى أن اتجاه سياسة المالية العامة في مجلس التعاون الخليجي يتسق إلى حد كبير مع هذه التوصيات.

وينبغي أن يستمر توجيه السياسات نحو إدارة أوضاع السيولة المتغيرة في النظام المصرفي ودعم فرص القطاع الخاص في الحصول على التمويل. ففي حين أن البلدان حققت تقدما في تدعيم أطر سياساتها المالية، فسوف يساعد تعزيز التنبؤ بالسيولة وتطوير الأدوات المستخدمة في إدارتها على تكيف البنوك مع البيئة الحالية التي تتسم بنقص السيولة. ولا تزال البنوك تتمتع بمستوى جيد من الربحية والرسملة والسيولة، ولكن مع توقع أن يظل النمو ضعيفا نسبيا، فمن الضروري مواصلة المارقبة المكثفة لمواطن الضعف في القطاع المالي.

وسيلزم تنويع النشاط وتنمية القطاع الخاص لتعويض انخفاض الإنفاق الحكومي وضمان تحقيق نمو أقوى قادر على الاستمرار ويحتوي جميع شرائح المجتمع. وسيتطلب هذا تكثيف الإصلاحات لتحسين مناخ الأعمال وتقليص دور القطاع العام في الاقتصاد من خلال الخصخصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص. ويتعين إجراء إصلاحات لزيادة الحوافز التي تدفع المواطنين للعمل في القطاع الخاص وتؤدي بالقطاع الخاص إلى توظيفهم. ومن شأن زيادة مشاركة الإناث في سوق العمل وزيادة توظيفهن أن يحقق منافع على صعيد الإنتاجية والنمو في مختلف بلدان المنطقة. وحيثما كان الحيز المالي متاحا، يمكن استخدام سياسة المالية العامة لدعم الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعزيز نمو القطاع الخاص وتوظيف الأيدي العاملة فيه.

ضبط مالي قائم على الإنفاق

وفي دراسة “كيف يمكن تحقيق ضبط مالي قائم على الإنفاق وأكثر مراعاة للنمو في دول مجلس التعاون الخليجي؟”، يبحث خبراء الصندوق في كيفية قيام الحكومات بتخفيض مستويات الدين والعجز، مع حماية النمو والوظائف.

وجاء في هذه الدراسة: بعد سنوات من النمو السريع في الإنفاق، بدأت حكومات مجلس التعاون الخليجي تنفيذ إجرءات كبيرة للضبط المالي، ولكن الأمر يتطلب القيام بالمزيد. فقد أدى النمو السكاني السريع وارتفاع الإيرادات النفطية إلى زيادات كبيرة في الإنفاق الحكومي

في مجلس التعاون الخليجي في العقد المنتهي في 2014، وهو مستوى مرتفع من الإنفاق بالمعايير الدولية الراهنة. ويذهب معظم هذا الإنفاق إلى تعويضات الموظفين وغيرها من النفقات الجارية الكبيرة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي مقارنة ببلدان الأسواق الصاعدة والبلدان الأخرى المصدرة للنفط. وبهذا يظل الإنفاق الكلي أعلى من المستويات التي تتناسب مع استمرارية المالية العامة على المدى الطويل ومقتضيات العدالة بين الأجيال. وقالت الدراسة: يمكن استخلاص بعض الدروس الأساسية لدول مجلس التعاون الخليجي من التجارب الدولية مع عمليات الضبط المالي الكبير. وتشير هذه التجارب إلى أن نتائج النمو تتحسن حين تستمر إجراءات الضبط المالي كجزء من خطط مالية موثوقة متعددة السنوات، وتعتمد على الإنفاق أكثر من اعتمادها على تعديل الإيرادات، وتؤدي إلى تحسينات في عناصر الإنفاق (بالتحول من المصروفات الجارية إلى الإنفاق الأكثر إنتاجية) وهيكل الإيرادات (بالتحول من الضرائب المباشرة إلى الضرائب غير المباشرة). كذلك تكون إجراءات الضبط المالي الناجحة في الغالب جزءا من إصلاحات هيكلية أوسع نطاقا تدعم النمو.

وليست إجراءات الضبط المالي الكبير بالأمر الجديد في دول مجلس التعاون الخليجي . وفي الماضي، كان حجم هذه الإجراءات والمدة التي تستغرقها يعتمدان على حجم واستمرارية صدمة الإيرادات النفطية. فقد اعتمدت المنطقة في إجراءات الضبط المالي السابقة على تخفيضات الإنفاق حيث كانت الإيرادات غير النفطية مقيدة بالنظم الضريبية غير المتطورة والقاعدة الضريبية الضيقة. واقترنت فترات الضبط المالي بتباطؤ في النمو الاقتصادي. والتحدي الذي يواجه دول المجلس حاليا هو تصميم وتنفيذ مزيد من الضبط المالي بأكثر الطرق دعما للنمو والوظائف. وعلى سبيل التحديد:

ـ ينبغي إصلاح التحويلات الاجتماعية وتخفيض الدعم لضمان توجيه الإنفاق الحكومي بصورة أفضل نحو الفئات الأكثر احتياجا. وينبغي أن يكون إصلاح الدعم تدريجيا ومصحوبا بتعويضات موجهة للأسر محدودة الدخل.

ـ وينبغي ترشيد الاستثمارات العامة، فبإمكان الحكومات تحسين كفاءة الاستثمار عن طريق مراجعة تقييم المشروعات واختيارها وعمليات التقييم ذات الصلة لضمان متانتها وتركيزها بالقدر الكافي على تحسين فرص الوصول إلى البنية التحتية الضرورية وقدرة القطاع الخاص التنافسية.

ـ هناك حاجة للتحديث في سياسات التوظيف والتعويضات في القطاع العام. فمن شأن هذه الإصلاحات أن تخفض فاتورة الأجور وتساعد على معالجة أوجه الجمود في سوق العمل لتحفيز توظيف المواطنين في القطاع الخاص.

ـ ينبغي رفع كفاءة الإنفاق في قطاعي التعليم والصحة، ويمكن تحقيق مكاسب كبيرة من خلال تحسين الكفاءة في هذين القطاعين.

ـ ينبغي وضع أطر قوية متوسطة الأجل للمالية العامة، مع إعطاء الأولوية لتقوية عملية الميزانية السنوية واستحداث إطار مالي متوسط الأجل يرتكز عليه الضبط المالي ويحقق له الاستمرارية.

أطر إدارة السيولة

أما دراسة “كيفية تقوية أطر إدارة السيولة لدعم الاستقرار والنمو في دول مجلس التعاون الخليجي”، فتبحث كيفية تحسين أداء البنوك المركزية من حيث استشراف وإدارة التقلبات في تدفق الأموال المتاحة للبنوك بسبب التغيرات الكبيرة في أسعار النفط.

وقالت الدراسة: إدارة السيولة الفعالة هي عامل ضروري لتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي الكلي في دول مجلس التعاون الخليجي. فبينما توفر نظم سعر الصرف الثابت ركائز اسمية موثوقة للعملة في دول مجلس التعاون الخليجي، فإنها لدى اقترانها بالحسابات الرأسمالية المفتوحة تنطوي أيضا على الحد من استقلالية السياسة النقدية. وفي نفس الوقت، أدت زيادة الاعتماد على الإيرادات الهيدروكربونية إلى تعريض المنطقة لمخاطر تقلبات السيولة المدفوعة بأسعار النفط، التي يمكن أن تؤثر على تنفيذ السياسة النقدية، بعدة سبل منها زيادة حدة التقلبات في دورات أسعار الائتمان والأصول. ويبرز هذا الأمر مدى أهمية الأطر التي تهدف إلى التنبؤ بأوضاع السيولة وضمان توفير مستويات السيولة الملائمة من خلال قيام البنوك المركزية بضخ السيولة أو امتصاصها في الوقت المناسب.

وحول إدارة السيولة قالت الدراسة: ظلت إدارة السيولة في دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقد الماضي تقوم على أساس أدوات ساكنة. فقد أدت وفرة السيولة في أوقات أسعار النفط المرتفعة إلى وضع عمليات امتصاص السيولة في صدارة عمليات البنوك المركزية. وبينما ساعدت متطلبات الاحتياطي الإلزامي في امتصاص السيولة، فإنها لم تستخدم بفعالية كبيرة. كذلك نجد أن التسهيلات الدائمة، وهي أداة رئيسية أخرى، لها طابع أكثر سكونا، حيث تحدد البنوك وليس السلطات النقدية حجم السيولة التي يجري امتصاصها أو ضخها. وتمثل أذون البنوك المركزية أدوات أخرى ظلت مستخدمة، ولكن إصدارها لم يكن قائما بانتظام على مبادئ السوق. وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال هذه العمليات مقيدة بسبب قصور القدرة على التنبؤ بمستويات السيولة وضحالة أسواق المعاملات بين البنوك وأسواق الدين المحلي.

ومع زيادة تقلبات أوضاع السيولة خلال السنوات القليلة الماضية، واصلت البنوك المركزية تعزيز إدارتها للسيولة. فمع انخفاض أسعار النفط وتدهور مراكز الحسابات الخارجية وحسابات المالية العامة في المنطقة أصبحت أوضاع السيولة أكثر تقلبا، مع حدوث نقص ملحوظ في 2015 - 2016 . وبالرغم من الإجراءات المتخذة للتخفيف من هذه الضغوط، أدت زيادة تضييق أوضاع السيولة إلى ازدياد تقلبات أسعار الفائدة على المعاملات بين البنوك خلال نفس الفترة، مما يشير إلى ضرورة تطوير أدوات السيولة والقدرة على التنبؤ بأوضاعها.

وتدعم هذه الدارسة الجهود الجارية لتعزيز أطر إدارة السيولة كما تقدم التوصيات بشأنها. ينبغي أن تكون البنوك المركزية على أهبة الاستعداد للاستفادة من المجموعة الكاملة من أدوات إدارة السيولة، بما في ذلك استخدام نسب الاحتياطي الإلزامي بفعالية أكبر في حالة نقص السيولة. وينبغي مراجعة الأدوات لضمان وضوح آجالها وتسعيرها وتشجيع مشاركة أسواق المعاملات بين البنوك. وبينما تهدف مجموعة بسيطة من التسهيلات الدائمة إلى كبح أسعار الفائدة لليلة واحدة فإن عمليات السوق المفتوحة تستخدم حسب تقدير البنك المركزي لتوجيه دفة السيولة لأجل أوضاع سوق المعاملات بين البنوك.

وسوف تشجع زيادة الاعتماد على “عمليات السوق المفتوحة” على تطوير أسواق المعاملات بين البنوك وتسمح للبنوك المركزية بإدارة السيولة على نحو أكثر فعالية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وضع نماذج للتنبؤ بالسيولة سيكون عاملا أساسيا في تقييم نطاق عمليات إدارة السيولة وتوقيتها وحجمها بالقدر الكافي.

ونظرا للدور الرئيسي الذي تمارسه الحكومات في ايجاد وتوفير السيولة بالمنطقة، فإن التعاون القوي مع وزارت المالية، بما في ذلك لتبادل المعلومات بشأن التدفقات النقدية الحكومية، سيكون عاملا بالغ الأهمية في هذا الشأن. وسيكون من الضروري أيضا التنسيق بين السياسات الاحترازية الكلية وإدارة السيولة.