أفكار وآراء

ثورة النفط والغاز الصخريين - تحول جيوسياسي

16 ديسمبر 2017
16 ديسمبر 2017

هنري ساندرسون – الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

حين أطلقت سارا بالين المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأمريكي نداءها إلى أمريكا «أحفر يا عزيزي أحفر» في مناظرة مع جو بايدن في أكتوبر عام 2008، سخر الناس من تلك الأنشودة. وكان بايدن قد ذكر في أثناء تلك المناظرة أن عشر سنوات ستنقضي قبل خروج قطرة نفط واحدة من أية آبار أمريكية يجري حفرها وقتها. لكن ما ظلت تعنيه ثورة النفط والغاز الصخريين منذ ذلك التاريخ أن الولايات المتحدة صارت منتجا نفطيا رئيسيا في العالم ومُصَدِّرَا صافيا للغاز الطبيعي. فقد قَلَبَ استخراجُ النفط والغاز الصخريين أسواق هاتين السلعتين رأسا على عقب.

ولكن يمكن أن تترتب عنهما أيضا تداعيات جيوسياسية. لقد ظلت القوى الغربية في معظم سنوات القرن العشرين أسيرةَ سباقٍ من أجل النفط حول العالم. السؤال: ما الذي يحدث حين تحرر التقنيةُ إمداداتٍ كبيرة من مصادرٍ هيدروكربونية داخل البلد؟ الإجابة هي، حسب ميغان أوسوليفان أستاذة مدرسة كنيدي للحكم بجامعة هارفارد، تحولٌ جيوسياسي يلزم أن يفيد الولايات المتحدة. ففي كتابها الجديد «الثروة المفاجئة : كيف تقلِبُ الوفرةُ الجديدة في الطاقة السياسةَ الدولية رأسا على عقب وتعزز قوة أمريكا»، شرحت أوسوليفان بمنطق متين الكيفية التي يجب أن تستغل بها أمريكا «الوفرة الجديدة في الطاقة».

فالإمدادات المحلية من النفط والغاز لا تقتصر فقط على تعزيز اقتصاد الولايات المتحدة ولكنها أيضا يمكن أن تقدم نفوذا دوليا. فهي تقلِّص من تأثير روسيا على أوروبا وقد تسهم في تمتين العلاقات الأمريكية الصينية. كتبت اوسوليفان» من النادر في التاريخ الحديث أن يتغير الموقف الاستراتيجي لبلدٍ واحد بهذا القدر من الإثارة في مثل هذه المدة القصيرة.» في عام 2014، قطعت شركة غازبروم الروسية المملوكة للحكومة إمدادات الغاز عن أوكرانيا للمرة الثالثة خلال ثماني سنوات. وسيكون من الصعب ممارسة هذا النوع من الإكراه الاقتصادي الآن، بحسب اوسوليفان التي سبق لها أن تولت منصب نائب مستشار الأمن القومي لشؤون العراق وأفغانستان. لقد أدى الغاز الأمريكي إلى خفض الأسعار في أوروبا كما يشكل لها أيضا مصدرا بديلا للإمدادات. وساعد ذلك على حماية أوروبا من إحدى أدوات السياسة الخارجية الروسية التي ظلت قيد الاستخدام لفترة طويلة وهي «الاستغلال السياسي لأسواق الغاز الطبيعي.»

أكثر ما يثير الاهتمام في الكتاب حجج اوسوليفان بشأن الكيفية التي يمكن أن تعزز بها الثروة المعدنية الجديدة روابط الولايات المتحدة مع الصين. فقبل أعوام قليلة كانت واشنطن تنظر فزعة إلى بيجينج وهي تتقرَّب إلى أنظمة مارقة لتأمين إمداداتها النفطية. لكن الإمدادات الأمريكية غيَّرت ذلك مما دفع الصين إلى الاطمئنان لإمكانية حصولها على إمدادات من السوق بدلا عن الاعتماد على تملك حصص في مشروعات خارجية. وترى الكاتبة أن «سيناريو تنافس القوى العظمي على موارد نفطية محدودة (وهو ما كان سائدا قبل سنوات قليلة) يبدو الآن مثل الحبكة السردية المهجورة لأفلام أو روايات فات أوانها.» وترى أن على الولايات المتحدة ترسيخ ثقة الصين في الأسواق العالمية من خلال مدها بالغاز الطبيعي. فذلك سيساعدها على التخلي عن الفحم وعلى خفض انبعاثاتها الكربونية التي من غير المتوقع أن تصل إلى ذروتها قبل عام 2030. كما يقلل ذلك أيضا من دافع الصين إلى تشكيل تحالف مع روسيا التي تبنت إنشاء خطوط أنابيب لضخ الغاز إليها «كانعطافة نحو الشرق» في أعقاب العقوبات الدولية على موسكو.

وفي حين يفصِّل الكتابُ الفوائدَ التي تتحقق للقوة الأمريكية «الخشنة والناعمة» على السواء إلا أن المؤلفة بدت حريصة على دحض التصورات الشعبية حول ما يعنيه ازدهار الطاقة. فهو لن يقود إلى خفض مستوى تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وهي التي سيزداد ارتباطها بأسواق النفط العالمية. كما لا يمكن أن تكون الولايات المتحدة على الإطلاق مكتفية ذاتيا بكل النفط الذي تحتاج إليه. فمثل هذا الوضع سيكون مكلفا وغير كفؤ لأنه سيعني تقييد كل الواردات ونقل النفط لمسافات بعيدة. لكن المؤلفة على صواب حين تعتقد أن الطاقة ستكون، على الأرجح، محددا رئيسيا للجغرافيا السياسية في المستقبل. ولكن ربما أنها تفرط في التفاؤل حين تعتقد أن الحقبة الحالية للإمدادات الأمريكية «تزيد من فرص قبول الصين بعض الشيء بنسخة أخرى من النظام الراهن». فمشروع الصين المعروف باسم «حزام واحد طريق واحد» يظهر عزم الرئيس شيء جينبينج على تغيير الوجهة الاستراتيجية لليابسة الأوروآسيوية. هنالك تحدٍ آخر لأطروحة أوسوليفان وهو أن الموارد المتجددة والسيارات الكهربائية قد تقود إلى تحولات زلزالية . فإذا صارت الصين بلدا منتجا للبطاريات، على غرار السعودية كبلد منتج للنفط، هل سيمنحها ذلك نفوذا أكبر؟ وماذا بشأن أولئك الذين يسيطرون على المواد الخام المطلوبة (لإنتاج البطاريات) من الليثيوم إلى الكوبالت؟ تشير أوسوليفان تلميحا إلى هذا في مقدمة كتابها حيث تذكر أن علينا في آخر المطاف توقع «انعكاسات كبرى» للموارد المتجددة على السياسة الدولية.

وتشير إلى أن هذه الانعكاسات قد تشمل تشكيل تكتلات حول إنتاج الليثيوم أو انهيارا للدولة في بعض البلدان المنتجة للنفط. وقد يوحي هذا المنطق بأن الميزة الإستراتيجية للولايات المتحدة قد تكون أقصر أجلا من المتوقع.