أفكار وآراء

حرب ضد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

15 ديسمبر 2017
15 ديسمبر 2017

كلارنس تام وجين ليم- ستريتس تايمز -

ترجمة: قاسم مكي -

في ديسمبر 1940، احتجز رجل في مستشفى رادكليف في أكسفورد بانجلترا بعد أن خدش نفسه بشوكة دون قصد أثناء عمله في بستان. التهبت الخدشة. وعلى الرغم من أنه تلقى أفضل علاج متاح حينها إلا أنه مات في مارس 1941. وفي أغسطس 2016، كسرت امرأة ساقها أثناء سفرها في الهند واحتجزت بمستشفى في نيفادا بالولايات المتحدة نتيجة إصابتها بالتهاب في الحوض. وعلى الرغم من تلقيها أفضل علاج إلا أنها ماتت في الشهر التالي. ما يربط بين هاتين الحكايتين اللتين تفصل بينهما آلاف الأميال و75 سنة من الإنجازات الطبية هو فشل العلاج بالمضاد الحيوي. في عام 1940 كان البنسلين أفضل علاج. وهو مضاد حيوي اكتشف حديثا وقتها. لقد مات البستاني آلبيرت آليكسندر الذي كان أول مريض يعالج بهذا الدواء الجديد لأن الأطباء لم يتمكنوا من تركيب ما يكفي منه في الوقت المناسب لإنقاذه. أما في العام الماضي فقد عانت المسافرة منكودة الحظ من التهاب بكتيري مقاوم لحوالي 26 من المضادات الحيوية. ولم يفد أفضل علاج متاح في إنقاذها. يحذر العلماء والأطباء وقادة الصحة العامة من أننا نقترب من ذلك اليوم الذي ستكون فيه الالتهابات غير قابلة للعلاج مرة أخرى، بحيث تؤدي خدشة بسيطة من شوكة شجيرة ورد إلى الوفاة. تقتل الالتهابات البكتيرية المقاومة للدواء 700 ألف شخص سنويا. وبدون القيام بعمل فوري يمكن أن يتضاعف هذا العدد عشر مرات بحلول عام 2050. وستحدث نصف الوفيات في آسيا. تتطلب الالتهابات المقاومة للدواء بما في ذلك الالتهابات البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية الحجز لفترات مطولة في المستشفى والعلاج بأدوية باهظة الثمن مما يزيد من تكلفة الرعاية الصحية. كما أننا بدون مضادات حيوية فعّالة قد نفقد القدرة على القيام بالإجراءات الطبية المتقدمة التي تعتمد عليها لمنع الالتهاب مثل عمليات الجراحة وزراعة الأعضاء. هذه الأوضاع القاسية التي يلاحظ تفشيها في المستشفيات والعيادات حول العالم نتجت عن عقود من الاستخدام غير المسؤول للمضادات الحيوية. فاستخدامها العشوائي يقتل البكتيريا الحساسة للدواء ولكنه يتيح الفرصة لازدهار البكتيريا المقاومة للمضاد الحيوي مما يقلل باطراد من نجاعة مضاداتنا الحيوية. فالإفراط في استعمالها لمعالجة حالات لا تحتاج إليها أو لا تكون فعّالة في علاجها سبب رئيسي لظاهرة مقاومتها. ولكن الاستخدام غير الملائم للمضادات الحيوية منتشر على نطاق واسع أيضا في مجال تربية الحيوانات بهدف التعجيل بوتيرة نموها وتغذية الطلب العالمي المتزايد على البروتين الحيواني. ويتم استخدام ما بين 60 مليونا إلى 240 مليون كيلوغرام من المضادات الحيوية لهذا الغرض في كل عام وثلاثة أرباعها هذه الكمية أصناف مهمة في تركيب الدواء البشري. لذلك يمكن أن يؤثر ظهور البكتيريا المقاومة في الحيوانات بصورة مباشرة على قدرتنا في معالجة الالتهابات عند البشر. وما يثير القلق بنفس القدر أن التخلص غير السليم من فضلات الحيوان يلوث البيئة برواسب المضادات الحيوية مما يزيد من سهولة تطور وانتشار مقاومتها. السؤال هو : كيف يمكننا وقف تزايد هذه المقاومة. ستشرع مختلف البلدان هذا العام في إعداد خطط عمل وطنية لمعالجة مقاومة المضادات الميكروبية بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية. ومن الواجب أن تشمل العناصر الرئيسية لهذه الخطط ما يلي:

• التشريعات: تفتقر بلدان عديدة لقيود استخدام المضادات الحيوية دون وصفة من الطبيب سواء للإنسان أو الحيوان. مطلوب أيضا تبني إجراءات متشددة للحد من التلوث البيئي بالمضادات الحيوية الذي ينتج عن استخداماتها في مجالات الزراعة والرعاية الصحية والصناعة.

• منع العدوى والسيطرة عليها: حققت بلدان عديدة تقدما في منع العدوى والسيطرة عليها في مرافق الرعاية الصحية ولكن التدخلات التي تشمل مختلف القطاعات للتقليل من مقاومة المضادات الحيوية تحظى باهتمام أقل. فالاستخدام الأفضل للقاحات القديمة والجديدة في تحصين البشر والحيوانات وتحسين الممارسات الفلاحية يمكن أن يساعدا في منع العدوى والتقليل من الحاجة إلى المضادات الحيوية.

• الاستخدام المسؤول: ليس بالضرورة أن تترتب عن الحد من استخدام المضادات الحيوية آثار ضارة سواء في الجانب الصحي أو المالي. فحوالي نصف المضادات الحيوية التي يتم وصفها للمرضى غير ضرورية. كما يمكن المحافظة على الإنتاجية الزراعية دون استخدام واسع للمضادات الحيوية. فالنرويج وهي أكبر منتج في العالم لسمك السلمون المستزرع صناعيا تنتج منه 1.5 مليون طن سنويا باستخدام مضادات حيوية أقل 500 مرة من شيلي ثاني أكبر منتج له. وعلى نحو مماثل زادت الدنمارك إنتاجها من لحم الخنزير بنسبة 50% على الرغم من فرضها حظرا على استخدام المضادات الحيوية لأغراض تعزيز نمو الخنازير في عام 2000.

• المراقبة: تعقب أنماط استخدام المضادات الحيوية والبكتيريا المقاومة لدى البشر والحيوانات أمر بالغ الأهمية في مراقبة أثر تدخلات الصحة العامة ورصد السلالات الجديدة للبكتريا المقاومة للمضادات الحيوية.

• البحث والتطوير: الاستثمار في المضادات الحيوية الجديدة وفنون التشخيص لمساعدة الأطباء في وصف المضادات الحيوية عند الضرورة فقط عامل رئيسي في تأمين الأدوية الفعّالة وتمديد دورة حياة استخدامها.

• التعليم: تكشف الدراسات عن تفشي المفاهيم المغلوطة حول الاستخدام الملائم للمضادات الحيوية والنتائج التي تنشأ عن سوء استخدامها. لذلك يجب تخصيص الأولوية للتعليم وتغيير السلوك لضمان وصف الأطباء للمضادات الحيوية بطريقة صحيحة وكذلك استخدامها السليم بواسطة المريض.

إن مقاومة المضادات الحيوية ليست مشكلة تتعلق بالحكومات فقط. فكما نستفيد كلنا منها علينا جميعنا واجب الحفاظ على الأدوية المنقذة للحياة لمصلحة الأجيال القادمة. ونحن كمواطنين ومستهلكين يمكننا أن نساعد في خفض الطلب على المضادات الحيوية بأن نكون على إلمام بأحدث المعلومات المتعلقة باللقاحات التي تمنع العدوي ودعم الممارسات الفلاحية التي لا تعتمد على سوء استعمال المضادات الحيوية. وكمرضى يمكننا أن نضمن استخدامنا للمضادات الحيوية حسب توجيه الطبيب فقط. إن الاستعمال المسؤول للمضادات الحيوية، مثله مثل التحصين ضد العدوى أو ربط حزام الأمان في السيارة، مسؤولية كل شخص. فالمضادات الحيوية ليست دائما أفضل علاج للالتهابات. وإذا لم نفكر مرتين حول استعمالها يمكن أن نفقد فائدتها العلاجية عما قريب.