الاقتصادية

سياسات التقشف تخنق سكان برلين

15 ديسمبر 2017
15 ديسمبر 2017

برلين (أ.ف.ب) - تُعرف برلين عالميا بأنها عاصمة لمحبي الصيحات الغريبة وللفنانين والسياح على السواء، ولكن هذه الواجهة الوردية للمدينة تخفي واقعا أقل إشراقا عن إدارة محلية مثقلة بالملفات وشبكة نقل مكتظة ومدارس متداعية وجهاز شرطة متعثر.

ففي ظل المديونية الكبيرة للعاصمة الألمانية تخضع برلين منذ عقد ونصف العقد لتدابير تقشف قاسية تثير غضب سكان المدينة المستائين من تدهور جودة الخدمات العامة. عند الخامسة فجرا، يبدأ عمال النظافة جولتهم في المدينة ويباشر اليشان تيربولاتوف بدوره التذمر من الأداء الإداري في العاصمة.

ويقول هذا الأب لثلاثة أطفال المقيم في برلين والذي ينتظر أمام مدخل هيئة الأحوال الشخصية في حي ميته للمقار الوزارية والبرلمانية «لا أصدق ما يحصل! لقد وصلت عند الساعة الأولى بعد منتصف الليل» للحصول على وثيقة ولادة.

وعلى غرار اليشان يستلهم حوالى خمسة عشر رجلا الصبر في انتظار توزيع أرقام تسمح لهم بعد ساعات عدة بالحصول على هذه الوثيقة الإدارية الثمينة.

هذا الوضع مرده عجز العاملين في دوائر الأحوال الشخصية التي تعاني نقصا مزمنا في الموظفين، عن تلبية الطلبات المتزايدة. وتقر المستشارة البلدية ساندرا اوبرماير: «نعاني نقصا في الموظفين المؤهلين لدوائر الأحوال الشخصية. وفي الموازاة، ثمة ازدياد كبير في الولادات». ويقول عمر ريمو وهو أيضا أب وصل خلال الليل لإنجاز معاملة إدارية: «في العادة لا يتطلب الاستحصال على وثيقة ولادة أكثر من نصف ساعة عمل. نتساءل عن سبب» وقت الانتظار الطويل هذا.

تعقيدات إدارية

الساعة الخامسة والدقيقة العشرون يرمي ناطور المبنى الإداري معطفه داخل حجرة الملابس ويوزع أوراقا صغيرة عليها أرقام أعدّها بنفسه. طلائع الواصلين ستتاح لهم العودة بعد ساعتين للحصول على ورقة أخرى رسمية هذه المرة، عليها رقم يحدد دورهم في المرور.

بعدها سيعودون مرة ثالثة بين التاسعة والنصف صباحا والثانية عشرة ظهرا؛ لينالوا أخيرا وثيقة الولادة المنشودة. هذا الوضع الذي قد يبدو للبعض عصيا على التصديق مستمر منذ أشهر. وقد تكون التبعات ثقيلة على سكان برلين، فلا تغطية صحية للطفل من دون تقديم وثيقة ولادة خلال شهرين. كما أن عدم توفير هذه الوثيقة يحول دون الحصول على المخصصات العائلية.أما بالنسبة لشهادات الوفاة التي لا يتعذر نظريا من دونها إقامة مراسم التشييع بدونها، فيبلغ متوسط مدة الانتظار للحصول عليها ... 38 يوما. وفيما يتعلق بالزيجات اضطر البعض لتغيير خططهم في اللحظات الأخيرة بسبب تأخر البلدية في إعطاء موعد لهم لعقد قرانهم.وتقول النائبة عن حزب «اف دي بي» الليبرالي المعارض في البرلمان المحلي مارين ياسبر-فنتر «برلين مدينة رائعة متعددة الأوجه ودينامية لكنها تفشل في بعض من مهامها الرئيسية». ومنذ حوالى خمسة عشر عاما اضطرت المدينة الرازحة تحت مديونية ضخمة بقيمة 59 مليار يورو، لإجراء تغييرات كبيرة في نمط حياة سكانها.

ومنذ 2001، وضع رئيس البلدية السابق كلاوس فوفيرايت صاحب الشعار الشهير «برلين فقيرة لكن مثيرة» عنوانا لمرحلة التقشف قائلا: إنها تقوم على «اعتماد سياسات توفير إلى أن يعلو الأنين». ومذاك قلصت ميزانيات مختلف القطاعات. وكان لذلك تبعات ثقيلة في بعض الأحيان على أجهزة الشرطة والقضاء، فبفعل النقص في العديد، لحق الإهمال ببعض الملفات وصُرف النظر عن متابعة قضايا، وفق رئيس اتحاد المدعين العامين في برلين.

عدم تطبيق القانون

ويقول رالف كنيسبل إن وضع القضاء في برلين خصوصا لجهة النيابة العامة تدهور لدرجة أن «القانون لم يعد يطبق». وفي برلين، يتقاضى عناصر الشرطة أجورا هي من الأسوأ في ألمانيا، ويتعين على بعضهم العمل في وظائف عدة لتوفير لقمة العيش. وتعرضت شرطة برلين لانتقادات لاذعة بعد الهجوم المنفذ في سوق عيد الميلاد في العاصمة الألمانية في ديسمبر 2016. فقد كان المنفذ التونسي أنيس العامري محط اهتمام الأوساط القضائية قبل أشهر من فعلته، وهو كان يخضع لمراقبة من الشرطة بين الاثنين والجمعة لكن ليس خلال عطلة نهاية الأسبوع أو أيام العطل الرسمية بسبب النقص في العديد.وكإرث لانقسام المدينة على مدى 28 عاما تضم برلين نسختين مختلفتين عن كل مرفق أساسي من دار الأوبرا إلى فرق الأوركسترا الفيلهارمونية إلى حديقة الحيوانات ...

ومنذ زمن التقسيم كانت برلين الغربية تعيش في رغد بفضل المساعدات السخية المقدمة من السلطات المحلية آنذاك. غير أن هذه المبالغ الطائلة تقلصت بشدة بعد هدم جدار برلين.

لكن العاصمة الألمانية لا تزال من أكثر مدن أوروبا جذبا للزوار.كما أن أكثر من 400 ألف شخص انتقلوا للإقامة على ضفاف نهر شبريه منذ 2001 ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الإيجارات في العاصمة المعروفة بجودة الحياة فيها.إلا أن «المدينة لم تتحضر لهذا التطور الكبير» وفق مارين ياسبر-فنتر.وتعاني وسائل النقل العام اكتظاظا كبيرا خصوصا بسبب النقص في العربات لقطارات الأنفاق فضلا عن الأعطال اليومية في قطارات «اس-بان» التي تربط بين المدن.