المنوعات

السير الذاتية والمذكرات الشخصية مصادر لكتابة التاريخ العماني

15 ديسمبر 2017
15 ديسمبر 2017

بقلم صالح محروس محمد -

كانت هذه دراسة قمت بعرضها على المؤتمر الدولي (التاريخ العماني قراءات وتحليلات) الذي عقدته الجامعة العربية المفتوحة فرع مسقط بالتعاون مع هيئة الوثائق والمخطوطات العمانية في شهر نوفمبر 2014 وهي دراسة في منهج كتابة التاريخ بشكل عام والعماني على وجه الخصوص لكن ما التاريخ وما أهميته وما مصادر كتابته ؟

علم التاريخ هو علم يتناول النشاط الإنساني في كافة الأزمنة المختلفة لمعرفة الماضي وفهم الحاضر واستشراف المستقبل. وتهدف دراسة التاريخ إلى استخلاص العبر من تاريخ الأمم وإبراز القدوة الصالحة من الشخصيات التاريخية التي تركت بصمات واضحة على الشعوب المختلفة، وتنمية الشعور لدى الفرد بالمسؤولية في المحافظة على المكاسب التي حققها الأجداد، ويُبعد التاريخ الفرد عن التعصب فهو يبين أن العالم لم يقم على حضارة واحدة أو عنصر واحد أو لغة واحدة فلكل أمة نصيبها في تلك الحضارة الإنسانية حيث بدأت الحضارة في الشرق ( مصر الفرعونية وحضارات العراق القديم) ثم انتقلت للغرب ( اليونان والرومان ) ثم عادت للشرق (الحضارة الإسلامية) ثم عادت للغرب فهي الآن في الغرب فهل تعود مرة أخرى للشرق ؟

يُكتب التاريخ من مصادر وتختلف مصادر التاريخ القديم عن مصادر التاريخ الإسلامي عن مصادر تاريخ أوروبا في العصور الوسطى عن مصادر التاريخ الحديث والمعاصر. فمادة كتابة التاريخ القديم هي الآثار وما تحتوي من نقوش غائرة ونقوش بارزة والبرديات وكتابات المؤرخين القدامى أمثال المؤرخ المصري مانيتون السمنودي وهيرودوت اليوناني الملقب بأبي التاريخ بالإضافة إلى النقود والمسكوكات والاوستراكا ( كسر الفخار المكتوب عليه الذي كان يستخدم ورق الضرائب في مصر عصر الرومان ) أما مصادر التاريخ الإسلامي فهي المخطوطات والنقود وكتابات المؤرخين مثل الطبري وابن كثير وغيرهم أما مصادر كتابة التاريخ الحديث والمعاصر فهي الوثائق (التاريخ يكتب من وثائق ) وتعتبر دار الوثائق البريطانية أعرق دار وثائق في العالم والمصدر الثاني المهم هو المذكرات الشخصية ثم مايعرف بالتاريخ الشفوي وهو توثيق الروايات الشفوية للمعاصرين للأحداث.

فالسير الذاتية والمذكرات الشخصية هي التي يتحدث فيها الكاتب بقلمه عن أحواله الذاتية، فيسجل حوادثه وأخباره، ويسرد أعماله وآثاره، ويذكر أيام طفولته وشبابه وكهولته، وما جرى له فيها من أحداث الفرح والترح، وقد تسجل فيها الوقائع والأحداث يوما بيوم أو بصورة متقطعة بعد أن تجمع عناصرها من مصادر متعددة.

إن فن السير الذاتية قديم منذ العصر اليوناني فلقد كتب المؤرخ اليونانى بلوتارخ سير العظماء واهتم العرب بكتابة السير والتي كان أهمها السيرة النبوية لابن هشام وغيرها من كتب السير والطبقات وفي العصر الحديث اتجه كثير من الأدباء إلى كتابة السيرة الذاتية بالأسلوب الحديث و التحليل النفسي الممتع ومنها: «الأيام» للدكتور طه حسين، و«حياتي» للأستاذ أحمد أمين، و«أنا» لعباس محمود العقاد. وكذلك مذكرات الشيخ علي بن محسن البرواني.

إن كل سيرة ذاتية في حد ذاتها هي تجربة ذاتية لكل شخص من الأشخاص فإذا بلغت هذه التجربة دور النضج وتركت في نفس كاتبها نوعا من القلق الفني وأصبحت تلح عليه للإفضاء بها للناس دون أي حرج، فإنه لابد أن يكتب سيرته الذاتية. وإن الإنسان الذي يعجز عن أن يرى مرتبته في الحياة بكل الوضوح وليست له نظرة عميقة ونظرة خاصة في تجربة حياته فلا يكتب سيرته.

وترجع أهمية السير الذاتية والمذكرات الشخصية إلى ما يلي:

1- من مصادر كتابة التاريخ حيث عاصر كاتبوها الأحداث وأسهموا في صناعتها.

2- لا تقل أهمية عن الوثائق حيث أنها مصدر معاصر للأحداث وفي كثير من الأحيان تكون أصدق من الوثائق القابلة للتزوير والتي يكتب الكثير منها النظم الحاكمة.

3- تحفظ التراث الإنساني للأجيال القادمة.

4- توفر القدوة الصالحة للأبناء.

5- نأخذ منها العبر حيث أنها تجربة بشرية يمكن الاستفادة منها.

ويتميز التاريخ العماني الحديث والمعاصر سواء في شرق أفريقيا أو في عمان بأنه غني بالعديد من الشخصيات الخالدة التي أسهمت في نهضة عمان منهم العمانيون الذين عاشوا في زنجبار ثم عادوا إلى سلطنة عمان بعد أحداث يناير 1964 جنودا مخلصين للسلطنة وأسهموا في نهضتها الحديثة ونحن في حاجة لمعرفة سيرهم الذاتية وما تخفيه من أسرار خاصة بالوجود العماني في الشرق الإفريقي ( الذي استمر لأكثر من ثلاثمائة عام رسمية منذ دولة اليعاربة في القرن السابع عشر الميلادي حتى أسرة البوسعيد والذي انتهى في شرق أفريقيا عام 1964م ).

ومن أمثلة الشخصيات العُمانية التي ندعوها لكتابة مذكراتها الشخصية:

1- الشيخ أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي، المفتي العام للسلطنة .

2- معالي الشيخ حمود بن عبدالله الحارثي، وزير في عدة وزارات وأول رئيس لمجلس الدولة العماني.

3- الشيخ عامر بن علي بن عمير المرهوبي، وكيل وزارة التربية والتعليم وأول رئيس لجامعة السلطان قابوس (1986-1987) .

4- الشيخ ناصر بن سيف البوعلي، (1925- 2012) مدير عام الإعلام وأول سفير للسلطنة ببريطانيا .

5- البروفيسور الدكتور الطبيب مسلم بن سيف البوعلي، أستاذ طب الأطفال بجامعات أمريكا وأخصائي أطفال بوزارة الصحة.

6- المهندس سيف بن سالم المعمري، أول وكيل للكهرباء ومطور شبكة الكهرباء بالسلطنة.

7- الأستاذة سميرة بنت سالم المعمرية، أول مدير عام للتعليم بالسلطنة ووالدة معالي الدكتورة راوية البوسعيدية وزيرة التعليم العالي.

8- الدكتور محمد بن علي البرواني، مؤسس ومالك ورئيس شركة محمد البرواني (أم بي) القابضة.

9- المكرمة المهندسة ناشئة بنت سعود الخروصية، أول مهندسة عمانية، مدير عام الاتصالات وعضو هيئة تنظيم الاتصالات وعضو بمجلس الدولة ورئيسة جمعية المرأة العمانية.

10- سعادة الشيخ سعيد بن سالم الشقصي، أول وكيل لوزارة الصحة وسفير السلطنة في باكستان.

11- المكرم السفير سالم بن محمد بن سالم الخصيبي، (1939 – 2014) أول مدير لمدرسة تدريب الشرطة وسفير السلطنة في كينيا والكويت وباكستان ومندوب دائم للسلطنة في الأمم المتحدة بنيويورك وعضو مجلس الدولة ومبعوث خاص للجامعة العربية لشؤون الصومال.

12- المكرمة رحيلة بنت عامر بنت سلطان الريامية، أول امرأة منتخبة لمجلس الشورى وعضو بمجلس الدولة.

هذه ليست كل الشخصيات التي عادت من زنجبار إلى الوطن الأم ولكن يوجد العديد والعديد ومنهم الأستاذ ناصر بن عبدالله بن مسعود الريامى الذي عاد إلى عمان 1970 وهو صاحب كتاب مهم يعد مصدرا مهما للتاريخ العماني وهو كتاب ( زنجبار شخصيات وأحداث) ويعتبر موسوعة للوجود العماني في شرق إفريقيا وتناول عددا كبيرا من الشخصيات العمانية الخالدة.

ومن الممكن أن تتبنى هيئة الوثائق والمحفوظات العمانية مشروعا لكتابة السير الذاتية للأحياء من السياسيين والعلماء العائدين إلى مسقط بعد أحداث يناير الأسود 1964 م وكذلك نقترح أن تتبنى هيئة الوثائق والمحفوظات مشروعا لتجميع السير الذاتية ومذكرات السياسيين والعلماء العائدين من زنجبار أو من العمانيين ممن وافتهم المنية ولم يكتبوا مذكراتهم. كذلك توجيه الباحثين في التاريخ لدراسة الشخصيات العمانية سواء العائدة من زنجبار أو الشخصيات من أبناء عمان. وأن تقوم هيئة الوثائق والمحفوظات العمانية بنشر هذه المذكرات الشخصية ليستفيد منها الباحثون.