1190704
1190704
إشراقات

لغتنا العربية.. لغـة القـــرآن والعـلوم الشـرعيـة

15 ديسمبر 2017
15 ديسمبر 2017

لغة الحضارة المعاصرة -

د. محمد الزيني - أستاذ الفلسفة الإسلامية ـ كلية العلوم الشرعية ـ مسقط -

«علينا أن ننحي اللهجات العامية ومحاربة الرطانات الأعجمية ومنع البرامج التي تقدم بالعامية عن جميع منابر الصحافة والإعلام وإعادة الحياة إلى اللغة الفصحى، وغرس حب اللغة العربية في نفوس المتعلمين وغير المتعلمين وتقريبها إلى عقول العامة والخاصة، من خلال تبسيط قواعدها وتسهيل تدريس علم النحو والعروض، وإحياء الأدب العربي وتقريبه من طبيعة العصر وعقول الشباب وتشجيع الشعراء المجيدين.. وعلى مجامع اللغة العربية النهوض بنشر مفردات الحضارة الحديثة وطرح المفردات الرادفة لها، وجعل العربية لغة العلوم الحديثة».

غني عن البيان الحديث عن أن اللغة العربية هي لغة العرب وهي اللغة التي حباها الله واختارها أن تكون لغة القرآن كتابه الخالد الذي عبر عن خطاب السماء إلى الأرض والمنهج الذي ارتضاه للبشرية وختم به رسالاته (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

ولا جدال أن اللغة العربية تمثل شخصية الأمة وكينونتها وتحفظ هويتها ووجودها وهي لغة التراث الإسلامي وحضارته ووعاء الفكر الذي يحوي كل ما أبدعته عقول علماء المسلمين، وقرائحهم عبر عصورها المختلفة من علوم دينية وأدب وفنون وهي الحافظة الواعية القوية التي حافظت وحفظت الفكر الإسلامي، والرباط المقدس الوثيق الذي يحفظ وحدتهم، ويقوي أواصر الأخوة والمحبة والتعاون.

ولم يكن غريبا أن يهتم بها علماء الإسلام ويركزون على أهميتها والحفاظ عليها ويكتبون عنها المعاجم ويفردون لها الموسوعات والمراجع والكتب التي تتناول نشأتها وتطورها ومبانيها ومفرداتها ومشتقاتها وإعرابها وفلسفتها وأبعادها؛. وهذا ما قام به الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه والزجاج والمبرد وابن دريد في المشرق، وابن عصفور والسيد البطليوسي في المغرب، ويصرحون أن اللغة العربية مهاد القرآن وسياجه.

ولما كانت اللغة العربية لغة الوحي نلاحظ أن العلاقة بينهما علاقة عضوية فقد ساعد الإسلام على انتشار اللغة العربية في الدول التي دخلها، كما نرى في بلاد الشام ومصر وشمال إفريقية، وأسهم في تغيير أفكارها ومفاهيمها واستيعاب أوامره ونواهيه وقيمه الخلقية وعاداته الاجتماعية ومبادئه الإنسانية وهيأ لها مجالات الإبداع في العلوم التي برز فيها علماء الإسلام. وعلى الجملة صبغها بصبغته وجعلها تولد من جديد ولادة بالروح والجسد.

كذلك حينما ساح علماء المسلمين والتجار وارتادوا الدول في آسيا وإفريقيا ساعدوا في نشر اللغة العربية وتثبيت جذورها وهذا أدى بدوره إلى تعرف هؤلاء على مفردات الإسلام واستيعاب أسسه وقواعده فأعجبوا بمقرراته ودخلوا الإسلام واعتنقوه طواعية وعن اقتناع كامل وحب جارف.

ومن جمال هذه اللغة أنها تعبر بدقة عن مكنون خواطر الإنسان وتصف وجدانه ومشاعره وشوارد عقله من خلال مشتقاتها وكلماتها في الماضي والحاضر والمستقبل فهي لغة ثرية تتميز بالخصوبة والامتلاء والعطاء، والمفردات الموحية، شعرا أو نثرا من خلال القصة والمسرحية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تحمل مفردات اللغة العربية مضامين أخلاقية وتربوية وإنسانية، وهناك حقيقة لغوية «تلفت النظر عند من يمعن النظر فيها إذ يجد في الأسماء الدالة على علاقات اجتماعية، بعدا خلقيا كامنا في صميم معناها مما يدل على عمق النظرة الخلقية عند العربي، فكلمة «صديق» تقيم في صلب حروفها صفة «الصدق» كأنما يراد القول بأن الصدق شرط أساسي للصداقة. وكلمة «جار» تحمل في صلب مبناها أن «يجير» الجار جاره إذا استجار، وإلا يبطل معناها. وكلمة «صهر» تحمل في معناها صفة «الانصهار» فإذا لم يكن قابلية أن تنصهر الأسرتان عند الزواج أي أسرة الزوج وأسرة الزوجة ــ كان ذلك معناه امتناع التلاحم، وكلمة «أمة» تشارك بحروفها كلمة «أم» مما يقضي أن تكون الروابط بين أبناء الأمة الواحدة هي نفسها روابط الرحم». (زكي نجيب محمود : عربي بين ثقافتين ص 51، 61).

ونود هنا أن نشير إلى جملة من الخطوات للمحافظة على لغتنا الجميلة، لغة للتخاطب والتعامل كي تسري في معاهدنا العلمية وفي حياتنا اليومية سريان الدم في القلب والعطر في الورد والضوء في القمر أولها: التخلص من اللغة العامية كلية، إذ مِن المشهور أن المستشرق الألماني فلهلم سبيتا (1818 ـ 1883) ــ الذي عمل مديرا لدار الكتب بمصر ــ أول من دعا إلى استعمال العامية بدلا من العربية الفصحى ووضع كتاب «قواعد اللغة العامية»، وقد أثار اقتراحه زوبعة واسعة في مصر واستياء عاما من هذا الطرح الهزيل، وقد قوبلت بالرفض والهجوم، لكن ردد صداها بعد ذلك مهندس الري وليم ويلكوكس الإنجليزي في محاضرة ألقاها في نادي الأزبكية (1893) وطرح سؤالا عن سر تأخر المصريين وانتفاء روح الابتكار لديهم؟، ثم زعم أن ذلك يرجع إلى استعمالهم الفصحى.

ومن المعلوم أن هذه الدعوة لم تمت بموت المنادين بها من المستشرقين ولكن من المؤسف أن بعض المصريين راقت لهم هذه الدعوة الهزيلة ومنهم سلامة موسى، لكن الحق يقال إن جمهرة من المثقفين العرب تصدوا بقوة لهذه الدعوات الفاشلة التي تبغي طمس هويتنا ومحو شخصيتنا كان على رأسهم مصطفى لطفي المنفلوطي (1872 ـ 1924) ومصطفى صادق الرافعي (1881 ـ 1937) وغيرهم من الغيورين على اللغة العربية، ومازال فقهاء العربية في وطننا العربي يتصدرون هذه الحملة ويعملون بقوة وبمنهج علمي لاستبعاد العامية وتثبت جذور العربية الفصحى. وعلى الجملة علينا أن ننحي اللهجات العامية ومحاربة الرطانات الأعجمية ومنع البرامج التي تقدم بالعامية عن جميع منابر الصحافة والإعلام وإعادة الحياة إلى اللغة الفصحى.

وثانيها: غرس حب اللغة العربية في نفوس المتعلمين وغير المتعلمين وتقريبها إلى عقول العامة والخاصة، من خلال تبسيط قواعدها وتسهيل تدريس علم النحو والعروض، وكذلك إحياء الأدب العربي وتقريبه من طبيعة العصر وعقول الشباب وتشجيع الشعراء المجيدين، وعلى مجامع اللغة العربية النهوض بنشر مفردات الحضارة الحديثة وطرح المفردات الرادفة لها، وجعل العربية لغة العلوم الحديثة. أضف إلى ذلك طبع كتب لتصحيح الأخطاء الشائعة التي نجمت عن الجهل بقواعدها أو هبت علينا من ترجمة الكتب الأجنبية.

وقد نهض بهذا الدور الصعب والجهد الكبير جمهرة من علماء اللغة والغيورين عليها من أصحاب التخصصات العلمية وعلى مدار تاريخ اللغة قيض لها جهابذة منهم لتقريبها للناطقين بها، وتطويرها وكان منهم علماء كبار مثل؛ شوقي ضيف وكمال بشر وتمام حسان ورمضان عبد التواب، وأصدر جمهرة من علماء العرب كتبا لتصحيح الأخطاء الشائعة منهم أحمد مختار عمر، ومحمد العدناني، وشيخنا أحمد الخليلي الذي أصدر كتابا مهما يبين فيه بعض الأخطاء اللغوية والنحوية التي وقع فيها حتى جهابذة الكتاب بعنوان: «صيحة إنذار وصرخة استنفار يا أمة القرآن»،(مؤسسة الكلمة الطيبة، مسقط ، 1438 /‏‏ 2017) والأستاذ خالد بن هلال العبري.

ثالثا: نحن نعلم جميعا أن دول الخليج جاذبة للأيدي العاملة الوافد التي تفد للعمل بها بالملايين، ومن المؤسف بدلا أن يتعلموا اللغة العربية ونجبرهم على ذلك فرضوا لغتهم علينا، وقد استوقفتني هذه الملاحظة طويلا ودخلت في نقاش مع كثير من الأخوة العمانيين وطلبت منهم أن يتكلموا مع الأجنبي باللغة العربية حتى يجبروه على تعلم لغتنا لاسيما وهو الذي يحتاج إلى العمل معنا والإقامة في بلادنا، وكلنا نعلم أن المواطن العربي الذي يريد أن يذهب إلى الدول الأوروبية للعمل بها أو يريد أن يتم دراسته فيها فهو بداية يتعلم لغتها؛ فمثلا من يرغب في العمل في انجلترا وفرنسا أو الدراسة بهما فهما تشترطان عليه تقديم «شهادة موثقة» تثبت إجادة لغتهما وكذلك هذا ما تفرضه أيضا باقي الدول الأجنبية.

لذلك اقترح على وزارات العمل في دول الخليج أن تشترط على كل من يريد القدوم والعمل بها (أستاذ جامعي، طبيب، مهندس فني، ممرض، عامل) دراسة اللغة العربية وأن يجيدها ومعه شهادة تثبت ذلك، وهذا سيروج للغة العربية، وتستطيع وزارة التربية والتعليم في هذه الدول فتح مدارس ليلية لتعليم أبناء الجاليات العاملين فيها مقابل رسوم محددة، وهذا سيعود علينا بالنفع العميم من خلال فتح المدارس وتشغيل خريجي الكليات النظرية في عملية التدريس، مع تحصيل الرسوم من الدارسين هذا من جهة. ومن جهة ثانية لما كان هناك ملايين يعملون في دول الخليج فهذا يعد مكسبا للغة العربية، إذ ستصبح اللغة الأولى في العالم وتتفوق على الإنجليزية.

وكما ذكرنا سابقا نظرا لارتباط اللغة العربية بالإسلام، سوف يساعد هذه الجاليات على قراءة القرآن بالعربية الساحرة الجذابة للألباب، والاطلاع على حياة الرسول وسيرته الطاهرة والتاريخ الإسلامي ومن ثم الالتحاق به والدخول تحت ظلاله وإعلان إسلامهم.

ومن المؤسف أننا لم نستغل هذه الفرصة الذهبية حتى الآن لنشر لغتنا لأن من يفد إلينا هو الذي يحتاجنا ويسعى إلى العمل لدينا أيا كانت مهنته حتى لو كان عاملا بسيطا، فسوف تكون المحصلة ممتازة بعد مرور بضع سنوات وتنتشر اللغة العربية لغة القرآن في أركان الكرة الأرضية.

وكذلك ضرورة التركيز على دراسة اللغة العربية في المرحلة الابتدائية وتمكين أولادنا من استيعابها استيعابا واسعا، ويمنع تدريس لغة ثانية حتى يتقن أطفالنا لغتنا ويتعلم الكتابة بها وإجادتها كتابة ونطقا، وقراءة وتحدثا، هذه المنهجية تطبقها كثير من الدول؛ ففي فرنسا يقتصر تعليم اللغة الفرنسية لأطفال المرحلة الأولى ثم يبدأ تعليم اللغات الأخرى بعد أن يكون التلميذ قد أتقن لغته واستوعب مفرداتها وقواعدها.