أفكار وآراء

«حاضنة» إفريقيا وفرصة العرب

13 ديسمبر 2017
13 ديسمبر 2017

مصباح قطب -

يبدو ان مدينة شرم الشيخ ، المنتجع السياحي المصري الشهير، ستتخذ لنفسها صفة جديدة غير ما تم خلعه عليها من صفات ، إلا وهي : «حاضنة إفريقيا». لقد كنت بين اوائل من اطلقوا عليها العاصمة السياسية الثالثة لمصر، وكان ذلك في بدايات التسعينات من القرن الماضي ، وجاء ذلك عندما بدا لي ان تكرار قيام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وقتذاك باستقبال كبار ضيوف الدولة في هذه المدينة انه عمل مقصود ، وهدفه ان يرسخ في الاذهان مصرية المكان بعد احتلال إسرائيلي استمر من 1967 الى 1973، ويجسد ايضا قدرة المصريين على بناء الحضارة وقت السلام حيث تم بناء هذه المدينة من لاشيء وفي وقت قياسي ولا زالت تتوسع . المعروف ان الاسكندرية ظلت لعقود طويلة تحمل صفة العاصمة السياسية الثانية لمصر، وفيها بالفعل قصران باهران يتبعان رئاسة الجمهورية هما « المنتزة» و«رأس التين»، فضلا عن مقر لرئاسة مجلس الوزراء في منطقة بولكلي. الطريف ان اهتمام الرئيس مبارك بالاسكندرية كان اقل بكثير وبشكل لافت عن الرئيسين السابقين انور السادات وجمال عبد الناصر ، وربما كان ذلك مقصودا لرغبته في ان يعرف العالم ان الحضور المصري في سيناء من القوة بحيث ان بها عاصمة سياسية للبلاد .

في السنوات الأخيرة ومع الرئيس عبد الفتاح السيسي اتخذ أمر العناية بمكانة شرم الشيخ زخما اضافيا ، بحيث توسع اهتمام رئاسة الدولة والمجتمع كله بها، وزاد من شعور المصريين بأهمية الدفاع المعنوي عنها بعد ان تعرضت لغدر وتآمر تمثل في عملية إسقاط الطائرة الروسية فوقها بما ترك انطباعا عند الجميع ان هناك من يريد ان يسلب هذه المدينة روحها ويقضي عليها حتى يعود جنوب سيناء أرضا تصلح للاستباحة مرة أخرى. وضمن عمليات توسيع إطار تقديم المدينة للعالم الحالية وتكرار اللقاءات مع الأفارقة بها او التي يشارك فيها أفارقة من سياسيين الى رجال اعمال الى خبراء وشباب ، يمكن بكل وضوح ان نطلق عليها حاضنة إفريقيا بالفعل رغم انها تقع في الجزء الآسيوي من مصر.

وقد خطر على البال كل ذلك مع انعقاد منتدى الاستثمار الإفريقي الذي انتهى اول الأسبوع الحالي وشارك فيه رؤساء دول وحكومات افارقة ومسؤولون ورجال اعمال فضلا عن ممثلي هيئات دولية مختلفة ، وقد استمر المنتدى على مدى ثلاثة أيام ، كانت فيها مدينة شرم الشيخ منبراً للتعبير عن طموحات القارة الاقتصادية وفرص الاستثمار فيها وقصص النجاح التي تشهدها وكذا فرص الاستثمار البازغة في مصر . شهد « منتدى إفريقيا 2017 » والذي يعقد للعام الثاني علي التوالي حضورا لنحو 1500 مستثمر من افريقيا ومختلف دول العالم مع حضور مميز كذلك لتجمع دول السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا «الكوميسا»، وذلك استثماراً للنجاح الذي حققته مصر في استضافتها لفعاليات القمة الثالثة للتجمعات الاقتصادية الثلاثة (الكوميسا، السادك، اتحاد شرق إفريقيا) والتي شكلت نقطة مهمة في تاريخ التكامل الاقتصادي لإفريقيا، وكان من أبرز نتائجها تأسيس منطقة للتجارة الحرة والتي تضم في عضويتها 26 دولة، يبلغ العدد الإجمالي لسكانها نحو 625 مليون نسمة، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها 1.2 تريليون دولار أمريكي.

أذيعت الجلسات كلها على الهواء مباشرة وشهدت نقاشات مثيرة بين الرئيس السيسي ورجال أعمال مصريين وغير مصريين وباعتقادي انها رسخت لمبدأ الشفافية في التعامل مع رجال الأعمال ، وأهمية ان يكون للدولة معيار واحد للتعامل معهم ، فلا فرق بين كبير ولا صغير ، ولغة واحدة ظاهرا وباطنا . اكتسب المؤتمر أهمية كبيرة في مجال بحث سبل دعم التكامل الاقتصادي وتلك عملية شاقة لا يمكن بناؤها في يوم وليلة وتحتاج الى مثابرة ونفس طويل ونوايا صادقة ومنافع مؤكدة للجميع، وعمليا رأينا امام أعيننا كيف يمكن تذليل العقبات أمام تنشيط حركة التجارة البينية والاستثمارات المشتركة بين دول القارة .

وأوضح الرئيس السيسي خلال جلسات المؤتمر أن أفريقيا تعد الطريق الجديد لنمو الاقتصاد العالمي، في ظل ما يتوافر بها من إمكانات وقدرات بشرية هائلة، فضلًا عن موارد طبيعية كبيرة، مؤكدًا أن مصر طالما قامت بالاستثمار في إفريقيا، وتحرص دائمًا على تشجيع قطاع الأعمال المصري على التوجه إلى الدول الإفريقية في الوقت الذي تدعو فيه قطاعات الأعمال الأفريقية للاستثمار في مصر والاستفادة مما يتوفر بها من فرص واعدة . يشار الى ان استثمارات مصر بإفريقيا تناهز الـ 9 مليارات دولار تراكميا وهناك شركة واحدة تعمل في مجال معدات الكهرباء والعدادات الذكية والكابلات تستمر وحدها نحو 3.7 مليار دولار في

القارة السمراء.

فيما تناول رؤساء كل من غينيا، ورواندا، وساحل العاج، والصومال في مداخلاتهم بالجلسة الفرص الاستثمارية الكبيرة والمتنوعة المتاحة بالدول الإفريقية، مؤكدين في هذا الإطار على أهمية الاستفادة من إمكانات الشباب وتعزيز التواصل بين الأقاليم المختلفة بالقارة الأفريقية، فضلًا عن الاهتمام بالعلوم وأدوات التواصل الحديثة وتكنولوجيا المعلومات حتى يمكن بناء جيل جديد من الأفارقة قادر على المنافسة عالميًا .

وقد أوصى المنتدى بضرورة تعزيز دور القطاع الخاص الإفريقي والتعاون بين هيئات الاستثمار الإفريقية من أجل زيادة معدلات الاستثمار وتبادل الخبرات .

وضرورة تنفيذ برامج محفزة لريادة الأعمال وتبني مبادرة لإتاحة التمويل لزيادة مشاركة الشباب كعماد للاقتصاد الأفريقي حاليا، وتمكين المرأة في كافة مجالات النشاط الاقتصادي كعنصر فعال في عملية التنمية في إفريقيا وكمحور أساسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في بلدانها .

لكن السؤال كان وسيظل هو كيف يجد العرب مكانا افضل في وسط التنافس الدولي الرهيب على الفوز بكعكة الاستثمار والتجارة في إفريقيا؟

اعرض هنا اهم الدروس المستفادة من خبرات التعامل مع إفريقيا طبقا لدراسة غير منشورة اعدها معهد البحوث والدراسات الإفريقية التابع لجامعة القاهرة واشرف عليها الدكتور فرج عبد الفتاح استاذ الاقتصاد في المعهد ومنها اهمية اكتساب التأييد الإفريقي في المحافل الدولية كمدخل جيد لتنشيط التعاون الاقتصادي وتمثل إفريقيا ثاني اكبر كتلة سياسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد الكتلة الآسيوية ثم تحرص مصر على الاستفادة من الثقل التصويتي للقارة في حشد التأييد لقضاياها وللقضايا العربية وكذا لضمان تكوين موقف تفاوضي إفريقي منسق إزاء القضايا الدولية ومن ذلك المفاوضات مع منظمة التجارة العالمية والمفاوضات الخاصة بالحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وغيرها.

تشير الدراسة الى أهمية تأمين الحصول على المواد الخام والنفيسة والاستراتيجية حيث تعتبر افريقيا مصدرا أساسيا لتلك المواد التي تعتمد عليها الصناعات المدنية والعسكرية ومن ثم تحرص مصر - كمثال - على تأمين احتياجاتها من هذه المواد الخام عبر الاستيراد من افريقيا فبالنسبة للمعادن النفيسة تمتلك القارة الإفريقية اكثر من 30% من احتياطي الثروات المعدنية في العالم، كما تبلغ نسبة الإنتاج الإفريقي الى اجمالي الإنتاج العالمي 81.4%من البلاتين و61% من الماس و23% من الذهب كما تملك إفريقيا 90% من الاحتياطي العالمي من البلاتين و50% من احتياطي العالمي للماس .

وفيما يتعلق بالمعادن الاستراتيجية تعتبر افريقيا هي المنتج الاول عالميا لليورانيوم حيث يبلغ انتاجها 18.4%من الانتاج العالمي، كما تبلغ نسبة الإنتاج الإفريقي الى الانتاج العالمي 40.8%من الكوبالت و34.2%من المنجنيز و31%من الفانديوم و30%من الفوسفات .

تدعو كذلك الى فتح المنافذ امام المنتجات العربية حيث تمثل القارة قاعدة استهلاكية عريضة تتسم بالتنوع الكبير في الدخل والاحتياجات ومواسم الطلب، كما ان المتطلبات والمواصفات المتعلقة بالجودة في السوق الافريقية تقل من مثيلتها في الاسواق العالمية الاخرى لا سيما السوق الاوروبية والأمريكية بما يعني فرصا أوسع لشركات صغيرة ومتوسطة .

ومن المهم لمصر والعرب إيجاد حلول مبتكرة للمشاكل المتعلقة بصعوبة الشحن والتخزين وارتفاع المخاطر التجارية واحيانا غير التجارية في بعض هذه الأسواق وقد اكتشفت الدول الأوروبية الأهمية الكبيرة للسوق الإفريقي مما دفعها الى إنشاء قنوات تسويقية وتمويلية أوروبية مستقرة في العديد من هذه الدول مما يزيد من صعوبة المنافسة فيها .

[email protected]