abdullah
abdullah
أعمدة

رماد :الوردة التي لم تقطفها أمي

13 ديسمبر 2017
13 ديسمبر 2017

عبدالله بن محمد المعمري -

الريح تُشعل لهيب الهواء بسخونة متّقدة، لا ظلّ في المكان ولا ماء، والحذاء يقرب من أن يتلاشى من شدة المسير على الرمل الذي هو الآخر يشبه الجمر، وكان النهار في منتصفه حينها، ويدُ أمي تمسك بي، بل الصحيح أني ممسكٌ بها وبقوة، خوفا من أن أسقط.

انحناء ظهر أمي كان في بعض الأحيان ظلا لي من أشعة الشمس التي تتسلل غصبا إلى عيني، والجفاف يطال فمي، لا صوت لي ولا لها حينها، سوى أن تقول لي «اصبر، سنصل قريبا»، بينما هي تردد مقولتها منذ أن بدأنا الرحلة وأنا أنظر لعينها الشاخصة نحو الأمام دوما، كأنها تعلم أن لكل ما نحو به نهاية، الإصرار لديها كان مصدر قوتها، وسرعتها في المسير باتجاه واحد، لا نحيد فيه عن الطريق، بدا لي حينها أنها تعلم يقينا صحة المسار الذي نسلكه.

سقطتُ على الأرض، ولامس خدي الرمل الملتهب، وكذا كفاي، لأجد يد أمي تتلقفني، أنهض بها متشبثا بها، مع أن قواي لا تسعفني على الحركة، غير أن نظرة أمي تمدني بقوة تستنهض مني ما لا أقوى عليه وأتحمله من هذا المسير، أنظر لعينيها وهي تزيل عن وجهي حبات الرمل، وتنفضها من ثوبي، لا أعلم وأنا بهكذا موقف ما عساي أفعل لها، وهي حافية القدمين، وصوت أنفاسها أسمعه كصوت صفير المرجل المغطّى على النار، هي الآن تريد أن أحيا لا هي، إنها تحاول أن تهبني الحياة على حساب حياتها، أنا متيقن من ذلك.

أمي، أناديها في أعماقي، وشيء مخيف يدُبّ في روحي، يجعل من نبضات قلبي متسارعة أكثر فأكثر وبينما أنا أنظر إليها، تبسمت أمي، بعد نصف نهار هالك، أخيرا رأيتُ ابتسامتها، وملامح السعادة ترتسم على محيّاها، تقول بصوت أسمعه جيدا «الحمد لله»، تكررها وأنا سعيد لسعادتها، لم أعلم بعد أنها ترى واحة خضراء على مقربة منّا، كنتُ منشغلا بها والنظر لها، بينما هي كانت منشغلة بالطريق ونهايته التي كانت تعلم أنها واحة خضراء مزهرة وسط تلك الصحراء.

قالت لي انظر أمامك، هناك سنستريح كلينا، نقترب أكثر فأكثر، وطأت أقدامنا الواحة، تركتُ يد أمي مسرعا نحو بركة الماء التي تتوسطها، ارتميت في حضنها، أغسل جسدي، وأطفئ حرارته، ووقفتْ أمي قرب وردة على حافة البركة، انحنت نحوها، ثم سقطت على الأرض، خرجتُ من الماء أجري نحوها، صَرختُ بأعلى صوتي «أمي»، رحلت أمي قبل أن تقطف الوردة.

[email protected]